توفير الإحتياجات الغذائية ذات الجودة والفائدة هو التحدى الأهم أمام حكومات دول المنطقة العربية بعدما بلغ ميزان العجز فى الموارد الغذائية الأساسية أكثر من النصف نظرا لقلة الأراضى الصالحة للزراعة وندرة الموارد المائية وزيادة الطلب، إلى جانب الأزمات والصراعات السياسية المتلاحقة فى دول الجوار والتى تشكل تحديا إضافيا. وهو ما يحتم اللجوء إلى خيارات بديلة مثل اعتماد آليات للتكامل الاقتصادى الإقليمى وفتح الأبواب أمام التبادل التجارى العربي. هكذا يرى عبد السلام ولد أحمد، المدير العام المساعد والممثل الإقليمى فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمنظمة «الفاو»، فى حواره مع «الأهرام» على هامش المنتدى العربى للبيئة والتنمية الذى عقد بالعاصمة الأردنية عمان، بحضور العديد من صناع القرار والعاملين بالمجتمع المدنى والمهتمين بالمياه من المنطقة العربية من جميع أنحاء العالم. كما تحدث عن جهود منظمة الفاو مع مصر والتى تهدف الى وضع استراتيجية زراعية ممتدة حتى عام 2030، إلى جانب عدد من الشراكات الهادفة إلى تهيئة مناخ الاستثمار فى المجال الزراعى وعدد من المشروعات الداعمة لصغار المزارعين المصريين. وإلى نص الحوار:- كيف تقرأون تقرير المنتدى العربى للبيئة والتنمية حول الأمن الغذائى فى البلاد العربية؟ من أهم نقاط الاتفاق التى شملها التقرير أنه لم يعد من المقبول اعتبار الزراعة مسألة ثانوية، بل يتوجب على البلاد البحث الجاد عن آليات وحلول فعالة لمواجهة التحديات التى تهدد أمنها الغذائى ومعيشة شعوبها. وقد تناول التقرير قضية الأمن الغذائى بجميع النواحى وبشكل خاص ارتباطها بالإنتاج الزراعي. وبات من المعلوم جيدا أن التقدم المحرز فى هذا المجال لا يكاد يرتقى إلى طموحات تحقيق سياسة الاكتفاء الذاتى من الغذاء. التى تشهد تراجعا فى معظم البلدان العربية نظرا لعدة تحديات أهمها قلة الموارد المائية ومحدودية الأراضى الزراعية والنمو السكانى المتزايد والتقلبات المناخية إلى جانب ما تشهده المنطقة من أحداث سياسية واقتصادية متغيرة. إلى أى حد يمكن للموارد الزراعية المتوافرة أن تلبى الطلب على الغذاء فى العالم العربي؟ فى الواقع لايوجد بلد يمكن أن ينتج كل مايحتاجه من الغذاء وإلا لما كان هناك تبادل. ولكن المشكلة الحقيقية التى نحن بصددها هى عدم التوازن بين القدرة الإنتاجية للموارد الطبيعية المتاحة والاحتياجات الحالية والمستقبلية نتيجة ازدياد عدد السكان، ويتفاقم الوضع سوءا بالإشارة إلى البلاد التى تمر باضطرابات ونزاعات سياسية. ويمكن القول إنه بإستثناء السودان وربما موريتانيا ليست هناك أراض أو موارد مائية ذات وفرة تمكن من استثمارها لزيادة الإنتاج الزراعي، وهو ما يعنى أن غالبية دول المنطقة العربية قد استعملت بالفعل ما تملك من مواردها الطبيعية. وإذا تحدثنا على سبيل المثال عن الموارد المائية فإنه يتم استهلاك 85 % منها لأغراض زراعية فى حين بقى العجز فى الموارد الغذائية الأساسية أكثر من النصف على مستوى الدول العربية، إلى جانب قلة الأراضى الصالحة للزراعة وندرة الموارد المائية مما يهدد استدامة الإنتاج الزراعي. وفى رأيكم كيف يتم مواجهة هذه التحديات؟ لم يعد ممكنا تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء من خلال زيادة الأراضى المستصلحة. وإنما أصبح التركيز على زيادة إنتاجية المحاصيل بإدارة أكثر كفاءة للموارد الزراعية والمائية اعتمادا على التقنيات الحديثة. وذلك بهدف زيادة كمية وجودة المحاصيل الى جانب رفع الربح للمزارع. من خلال تبنى تقنيات زراعية محسنة واعتماد وسائل أكثر فاعلية للري. إذا كانت كميات الغذاء المنتجة لاتكفى فمن الأجدى المحافظة على المتوافر، إلا أن الواقع يعكس فقد الأغذية وهدرها، فكيف ترون هذه المشكلة؟ لا شك أن الحد من الهدر الغذائى وخسائر الإنتاج خطوات مساعدة لتوفير المزيد من كميات الغذاء. وتقدر منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة فى تقرير سابق لها ضياع وهدر نحو 30 % من الإنتاج الغذائى العالمي. وتقدر الكميات المهدرة بإجمالى يصل إلى نحو 1.3 مليار طن، أو بما يكفى لتلبية الاحتياجات الغذائية لمليارى شخص حول العالم. وتعود خسائر الإنتاج الزراعى على صعيد البلاد العربية إلى أسباب نقص مرافق التخزين ومرافق التبريد، أما بالنسبة للمواد الغذائية من الإنتاج الحيوانى فتفقد خلال عمليات المعالجة والتخزين والتعبئة والتوزيع وصولا للفقد الناتج عن استهلاك المواطنين والتى تمثل نسبة أعلى بكثير من الفقد خلال مراحل الإنتاج. هل يعنى ذلك ضرورة المطالبة بتغير نمط وثقافة الاستهلاك بين المواطنين؟ بالطبع لابد من الاتجاه إلى الثروات الحيوانية والسمكية المتوافرة فى عموم العالم العربي، وإطلاق حملات توعية لتغيير أنماط الاستهلاك إلى سلع ذات قيمة غذائية مماثلة ولكنها ذات استخدام أقل كثافة للمياه. ودعينى أؤكد أنه لضمان الأمن الغذائى لابد من تحقيق ذلك ضمن منظومة كاملة تشمل عدة إجراءات نحو الإدارة الرشيدة للمياه والإنتاج الزراعي. وماهى خطة منظمة الفاو لتحقيق الأمن الغذائى فى الإقليم؟ وماذا تستهدف؟ بالفعل لدينا مبادرة لمساعدة الدول فى تحقيق الأمن الغذائي، وهذه المبادرة اجتمع عليها وزراء الزراعة بعدة دول فى بيرو فىشهر فبراير الماضي، وتم الاتفاق على تقديم الدعم بشكل عاجل للبلاد التى تعانى من انعدام الأمن الغذائى نتيجة المرور بحروب ونزاعات كأولوية لتقليل الخسائر الزراعية المتكبدة فى كل من سوريا ولبنان والعراق. كما تهدف المبادرة أيضا إلى جمع المعلومات والإحصائيات اللازمة وتحليلها بمشاركة خبراء المنظمة من أجل وضع النتائج فى متناول واضعى السياسات والمسئولين التنفيذيين والمساعدة فى أخذ قرارات تستند إلى العلم. وهناك جزء أخر من المبادرة يتعلق بمحاربة وتقليل الهدر من الطعام سواء على مستوى الحصاد أوالتوزيع والنقل نتيجة افتقاد المعدات والآلات اللازمة. كيف يمكن التكامل والتعاون بين دول المنطقة العربية التى تتصف بالتفاوت الكبير فى الموارد الطبيعية ومستويات الدخل؟ لابد من هذا التعاون لأن هناك تجارب وجهودا عديدة نفذت على مدار الثلاثين عاما الماضية. مصر على سبيل المثال لديها تجربة هائلة مع تحسين أساليب رى الاراضى الزراعية، وذلك غير تجارب أخرى فى المغرب وتونس وغيرها لزيادة انتاجية المحاصيل، ولذلك هناك حاجة ماسة للتعاون بين هذه الدول لتعظيم الفائدة وتبادل الخبرات فيما بينها. وهناك مثال ناجح للتنسيق الذى يجمع دول الخليج لتكوين مخزون من الحبوب بهدف تجنب أزمات نقص الاغذية وتقلبات الأسعار العالمية. وربما يكون من المجدى دراسة تعميم هذا التنسيق على المستوى الاقليمى ليضم عددا من الدول المجاورة. وماذا عن الجديد فى جهود الشراكة بين مصر ومنظمة الفاو؟ مصر من البلاد المؤسسة للمنظمة، وهناك تعاون قائم مع الحكومة المصرية فى وضع استراتيجية زراعية ممتدة حتى عام 2030 لدعم جهود مصر فى تحقيق الأمن الغذائى وتحسين جودة المحاصيل الزراعية وطرق الرى المستخدمة وزيادة الإنتاجية الزراعية. وذلك إلى جانب عدد من الشراكات الهادفة الى تهيئة مناخ الاستثمار فى المجال الزراعى وعدد من المشروعات الداعمة لصغار المزارعين المصريين. فى رأيكم كيف يحقق بلد مثل مصر تقدما نحو الاكتفاء الذاتى من الغذاء؟ ربما يكون هنا من الضرورى التأكيد على توصية المنتدى بتبنى منظومة سياسات متكاملة لبلوغ هذا الهدف من خلال الاستثمار فى البحوث والبنية التحتية إلى جانب الإستثمارات الزراعية المسئولة والصديقة للبيئة المدعومة بالسياسات الرشيدة. وأود أن أزيد أنه ليس كافيا دراسة كيفية زيادة الإنتاجية فقط، إذ لابد من ضمان أن يحصل الفقراء على احتياجاتهم من الغذاء ذى الجودة والفائدة الغذائية، وأن يكون متاحا، وهذه إشكالية ترتبط بمستوى الدخل الوطنى لكل بلد.