أوكتافيو باث (1914-1998)، شاعر وأديب وسياسي مكسيكي، حصل على جائزة نوبل في الأدب لسنة 1990، ليكون بذلك أول شاعر وأديب مكسيكي يفوز بهذه الجائزة. عرف بمعارضته الشديدة للفاشية، وعمل دبلوماسيًّا لبلاده في دول عدة. تشعب نشاطه في مجالات كثيرة، فإلى جانب كونه شاعرًا، فقد كتب أيضًا العديد من الدراسات النقدية والتاريخية والمقالات السياسية. نشر باث أول أشعاره وهو في السابعة عشرة من عمره، ثم التقى بالشاعر التشيلي بابلو نيرودا وتأثر بشعره. وفي عام 1936 شجعه نيرودا على زيارة إسبانيا لحضور مؤتمر الأدباء بمدينة فالنسيا، وكانت الحرب الأهلية الإسبانية على أشدها في ذلك الوقت. التحق باث بالسلك الدبلوماسي عام 1945 وعمل به لمدة 23 عامًا، وعين سفيرًا لبلاده في كل من فرنسا وسويسرا والهند واليابان، وكانت له صلات وثيقة بأقطاب الحياة الثقافية في كل البلدان التي عمل بها. شملت كتابات أكتافيو باث الشعر والفن والدين والتاريخ والسياسة والنقد الأدبي، ونشرت له خمسة دواوين شعرية صدر أولها سنة 1949، وآخرها سنة 1987. تنشر "بوابة الأهرام" هذه الترجمة العربية لقصيدته التي تحمل عنوان "البستان"، وقد أنجز الترجمة الشاعر والباحث والمترجم الفلسطيني محمد حلمي الريشة. هذا هو نص ترجمة قصيدة "البستان" لأوكتافيو باث: هَائِلٌ وَقَوِيٌّ لكِنَّهُ يَتَمَايَلُ، تَضْرِبُهُ الرِّيَاحُ لكِنَّهُ مُتَسَلْسِلٌ إِلَى التُّرْبَةِ، وَثَرْثَرَةُ مَلاَيِينِ الأَوْرَاقِ قِبَالَةَ النَّافِذَةِ: الكُتْلَةُ المُعَقَّدَةُ وَالفُرُوعُ الخَضْرَاءُ الدَّاكِنَةُ المَحْبُوكَةُ وَالفَضَاءَاتُ الرَّائِعَةُ. سَقَطَتْ فِي هذِهِ الشِّبَاكِ ثَمَّ مَادَّةٌ هُنَاكَ عَنِيفَةٌ، وَمُتَأَلِّقَةٌ، وَحَيَوَانٌ غَاضِبٌ وَسَرِيعٌ، لاَ يَسْتَطِيعُ الحَرَكَةَ الآنَ، وَضَوْءٌ يُضِيءُ نَفْسَهُ لِيُطْفِئَ نَفْسَهُ. إِلَى اليَسَارِ، وَفَوْقَ الجِدَارِ، فِكْرَةٌ أَكْثَرُ مِنْ لَوْنٍ، الأَزْرَقُ أَزْرَقُ حَوْضٍ مُحَاطٍ بِحَوَافّ مِنَ الصُّخُورِ الضَّخْمَةِ، المُفَتَّتَةِ، رَمْلٌ يَنْدَفِعُ بِصَمْتٍ نَحْوَ قِمْعِ البُسْتَانِ. فِي الجُزْءِ الأَوْسَطِ قَطَرَاتٌ ثَخِينَةٌ مِنَ الحِبْرِ تَنَاثَرَتْ عَلَى وَرَقَةٍ مُلْتَهِبَةٍ بِاتِّجَاهِ الغَرْبِ، أَسْوَدُ هُنَاكَ، تَقْرِيبًا تَمَامًا، فِي أَقْصَى الجَنُوبِ الشَّرْقِيِّ، حَيْثُ يَنْهَارُ الأُفُقُ. البُسْتَانُ يَتَحَوَّلُ إِلَى نُحَاسٍ، يُشِعُّ. ثَلاَثَةُ شَحَارِير تَمُرُّ عَبْرَ الحَرِيقِ وَتُعَاوِدُ الظُّهُورَ، سَالِمَةً، وَفِي الفَرَاغِ: لاَ ضَوْءَ لاَ ظِلَّ. الحَيَاةُ النَّبَاتِيَّةُ عَلَى النَّارِ لإِنْهَائِهَا. فِي البُيُوتِ الأَضْوَاءُ مُضَاءَةٌ. فِي النَّافِذَةِ تَجْتَمِعُ السَّمَاءُ. فِي جُدْرَانِهَا القِرْمِيدِيَّةِ الفَنَاءُ يَنْمُو أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ مُنْعَزِلَةٌ: مِثَالِيَّتُهَا وَاقِعِيَّةٌ. وَالآنَ عَلَى الإِسْمَنْتِ الكَامِدِ لاَ شَيْءَ لكِنْ أَكْيَاسٌ مَلِيئَةٌ بِالظِّلِّ سَلَّةُ المُهْمَلاَتِ، هِيَ وِعَاءُ الزَّهْرَةِ الفَارِغِ. يَنْغَلِقُ الفَضَاءُ فَوْقَ ذَاتِهَا: اللاَّإِنْسَانِيَّةِ. شَيْئًا فَشَيْئًا، تَتَمَسْمَرُ الأَسْمَاءُ فِي مَكَانِهَا.