لم يكن إطلاق مستوطنين يهود لطائرة صغيرة، للتحليق فوق الأقصى، بالقرب من باب الرحمة، أو كما يسمونه "الباب الذهبي" المغلق، عند الجدار الشرقي للمسجد، عملا إجراميا عابرا من قبيل الصدفة، لكنه يأتي من منطلق خرافة يهودية قديمة، وهى أن النبي المخلص المنتظر، الذي يأتي في آخر الزمان، لكي يدمر كل أعداء اليهود، ويحكم العالم، ويقيم مملكة اليهود في فلسطين، سيدخل من هذا الباب. ويعتبر المستوطنون اليهود أن إطلاق الطائرة، أمس، بالقرب من باب "الرحمة"، يعد رسالة قوية إلى يهود العالم أجمع، بأن ظهور المخلص المنتظر قد اقترب، وأنه سيتم فتح الباب قريبًا لدخول هذا النبي، الذي يؤيده الله بالقوة الروحية والمادية، فكما أنه نبي، فإنه سيكون، أيضًا، رجل حروب يقاتل الأعداء، وينتصر عليهم، وذلك حسب معتقداتهم. ويرى خالد الحسيني نائب رئيس هيئة مرابطي القدس، خلال حديثه مع موفد وكالة أنباء الشرق الأوسط برام الله، أن ممارسات المستوطنين اليهود بالمسجد الأقصى، خاصة إطلاق الطائرات فوق المسجد، بالقرب من باب الرحمة، تأتي من منطلق اعتقادهم بأن النبي المخلص سوف يدخل من هذا الباب، وأن هذه اللحظة قد اقتربت، مشيرًا إلى أنهم يبتكرون كل يوم وسيلة جديدة، لتهويد الأقصى والمدينة بأكملها. ومن جانبه،أكد محمد الصادق مدير مركز إعلام القدس، أن أي شخص غير المستوطنين يوجد في منطقة باب الرحمة يتم اعتقاله فورًا، فهى عند اليهود منطقة مقدسة، مشيرًا إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها إطلاق طائرة فوق المسجد الأقصى، ولكنها المرة الرابعة، وهذا التصرف يحمل في طياته خرافة يهودية باقتراب دخول النبي المخلص من هذا الباب، حيث تم قبل ذلك إطلاق طائرات صغيرة، وكان أولها من منطقة باب الرحمة أيضًا، والثانية بمنطقة حائط البراق، والثالثة بمنطقة القصور الأموية. ومخلص اليهود المنتظر، كما يعتقدون، هو ملك من نسل داود سيأتي ليعدل مسار التاريخ اليهودي والبشري، فينهي عذاب اليهود، ويأتيهم بالخلاص، ويجمع شتات المنفيين، ويعود بهم إلى صهيون، ويحطم أعداء إسرائيل، ويتخذ أورشليم (القدس) عاصمة له، ويعيد بناء الهيكل، ويحكم بالشريعتين المكتوبة والشفوية اليهودية (التوراة والتلمود)، ويعيد كل مؤسسات اليهود القديمة. ويستمد اليهود ذلك الإيمان من بعض النصوص الموجودة في التوراة، وتتحدث عن قدوم ذلك المخلص، الذي سيأتي في آخر الزمان، وتتحدث تلك النصوص عن صفته، وعن الأرض التي سيخرج منها، وعن وصف قومه وأمته، وخصائص دعوته. أما باب الرحمة، فهو باب عظيم مغلق في الجدار الشرقي للمسجد الأقصى المبارك، ويمثل جزءا من السور الشرقي للبلدة القديمة، يبلغ ارتفاعه 11.5 متر، وهو مكون من بوابتين "الرحمة" جنوبا، و"التوبة" شمالًا، و يقع إلى الشرق من الباب خارج السور مقبرة "باب الرحمة"، التي تضم قبري الصحابيين شداد بن أوس وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما، وبها قبور شهداء مجزرة الأقصى، وفي الغالب أنه تم إغلاق الباب على يد السلطان صلاح الدين الأيوبي بعد تحرير القدس، بهدف حماية المدينة والمسجد من أي غزو محتمل. وكان أول الاعتداءات على باب الرحمة عام 1869، حيث قام المستكشف وارين بحفر نفق رأسي خارج الباب الذهبي في مقبرة الرحمة، بعمق ثمانية أمتار، فوجد تربة طينية، ثم تربة صخرية، واخترق أحد القبور الصخرية أيضا. وفي حرب 1967، حاول موشيه ديان فتح الباب، إلا أنه فشل، فقامت دائرة الأوقاف ولجنة إعمار الأقصى في السبعينيات بترميمه، ومد الكهرباء له، وقد أعمرت لجنة التراث الإسلامي الباب والقاعة، والتى اتخذتها مقرا لأنشطتها الدعوية داخل الأقصى منذ عام 1992، حتى جرت محاولة اقتحام له، تم إحباطها في عام 2002، عندما حاول صهيوني فتح قبر المولوية الملاصق للباب من الخارج، وحفر نفق تحته ينفذ إلى داخل المسجد الأقصى المبارك، وقامت سلطات الاحتلال الصهيوني بحل اللجنة عام 2003. واستكمالًا لفرض الطابع اليهودي على الباب والمقبرة، قامت قوات الاحتلال في عام 2005 بإعلان المنطقة متنزها عاما، وصادرت في منتصف عام 2008 أكثر من 800 متر مربع من أراضي مقبرة باب الرحمة، وفي 29 مايو 2007، أصدر آفي ديختر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي قرارا بمنع المقدسيين من دفن موتاهم في جزء من مقبرة باب الرحمة، بزعم أن المسلمين قد استولوا على هذا الجزء، وأقاموا عليه مقبرة، بينما هو في الأصل حديقة قومية. وفي 16 يوليو 2008، أدخلت إسرائيل عددا من الجرافات إلى المقبرة، ودمرت عددا من القبور، وغطت معظم المكان بالرمل الأحمر، وكانت هى خطوة أولى في مشروعٍ يهدف لتحويل المقبرة إلى حديقة عامة، وإقامة تلفريك يربط بينها وبين جبل الزيتون، لتكون بوابة للقادمين من التجمعات الاستيطانية الهائلة بشرق المدينة في مستوطنة "معاليه أدوميم" ومحيطها. هذا هو باب الرحمة يخضع اليوم إلى أكبر حملة تدميرية تهويدية شرسة تنهش حجارته، وتنهش مقبرته، كي تحوله إلى باب يدخل منه النبي المخلص، لتحقيق عقائد وأهداف صهيونية مخترعة، وهو ما يدل على أن الاحتلال يقوم كل يوم باختراع أساليب جديدة ومبتكرة يهدف من ورائها تهويد معالم القدس.