أثارت حلقة برنامج "صبايا الخير" والمعروفة إعلاميًا ب "الفتيات الملبوسات من الجن" والتي عرضتها المذيعة ريهام سعيد أول أمس، لغطًا كبيرًا، وتم استكمالها أمس بشهادات من أهالي المنطقة، حيث انقسم الشارع المصري بين مؤيد ومعارض لها لما تمثله القضية من ملامسة السور الشائك لأمور تمس ثقافة مجتمع، وله تحفظاته. المعارضون للحلقة وجدوا أن الحلقة مفبركة، وأنها مسيسية والهدف منها لفت أنظار المواطنين عن حوادث وقعت خلال الأيام الماضية أهمها مقتل 11 صيادا على سواحل البحر الأحمر، كما أشاروا إلى وجود عضو مجلس شعب سابق- فى عهد مبارك- بالحلقة وهو الذي قام بمعالجة الفتيات بأنه أمر له تفسير آخر في إشارة منهم إلى الرغبة في عودة فلول الوطني. المؤيدون للحلقة رأوا أن الحلقة رائعة ومهنية، وأنهم يصدقون أمر الفتيات وأن مس الجن موجود، ويجب ألا نهرب من حقيقته. واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي"الفيسبوك" جدلًا حول موضوع الحلقة. وبين مؤيد ومعارض ليست تلك قضية "بوابة الأهرام" والتى رصدت أبعاد أخرى للقضية، وعودة الحديث عن تلك الظواهر والتى اختلطت بموروثات اجتماعية ربطها البعض بالدين، بل وعرضها على قنوات فضائية كبيرة وفى هذا التوقيت، وما هو وراء ذلك، وما هو رأى علماء الدين والنفس، وخبراء الإعلام في ذلك التناول؟، وإليكم تفاصيل التحقيق: هناك أكثر من آية كريمة فى القرآن الكريم تحدثت عن الجن، حتى أن الله عز وجل خصص سورة "الجن" بأكملها، للحديث عنهم. وقال تعالى أيضًا فى الآية 130 من سورة الرحمن:﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ). كذلك قال عز وجل فى سورة الأحقاف الآية 29: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. فالجن عالم حقيقي وموجود ولكنه ليس عالمًا حسيًا ملموسًا، ويقول الدكتور محمود عاشور وكيل الأزهر سابقّا، إن عالم الجن حقيقي وموجود وذكر فى القرآن والسنة، والجن خلق من نار والإنس خلقوا من طين، ولكنهم لا يختلطون بعضًا ببعض. ويشير عاشور لبوابة الأهرام إلى أن ما يعرض الآن على القنوات الفضائية، هو نوع من النصب والدجل والشعوذة ولا علاقة له على الإطلاق بالدين الإسلامي من قريب أو بعيد، وعلى الناس أن تلجأ إلى الأزهر الشريف وهو الجهة المنوط بها البت فى كافة قضايا المسلمين فى مصر، فى إشارة منه إلى عدم اللجوء إلى مشعوذين نصابين يهيئون للناس بأنهم جاءوا ليصلحوا الكون. وتابع، لقد استطعنا التخلص من قنوات فضائية حملت أسماء مختلفة وكان لها خلفيات أيدلوجية، واتسمت أفكارها بالتشدد والتطرف والتخبط، وأن أشد ما يحزن الآن أن يقع المجتمع فريسة لقنوات خاصة غير دينية يشاهدها قاعدة عريضة من الجمهور، مشيرًا إلى أن قناة صوت الأزهر الشريف ستكون هي منارة المصريين دينيًا. ويسخر وكيل الأزهر سابقًا، ممن يأتون إلى مشايخ الدين ويقولون أنه قد تلبسهم جن أو عفريت أو ما شابه أو أنه أو أنها قد تزوجوا من عالم الجن، مستطردًا "لما بيجينى واحد يقولى أنا متزوج جنية أقوله جن لما يلخبطك". وردًا على سؤال لبوابة الأهرام حول ماهية الخطاب الديني الآن، وأنه على الخطباء أن يتحدثوا فى مثل هذه القضايا ليرشدوا العامة إلى الطريق الصحيح، يقول عاشور، إن الخطاب الديني سيطر عليه الجهلاء والسفهاء فى الفترة السابقة، وبدأ الأزهر بالتعاون مع وزارة الأوقاف فى استرجاعه مرة أخرى، وأنه سيكون فى الفترة المقبلة أكثر تأثيرًا عن ذى قبل. للمواد المطروحة للمشاهد عن الشعوذة والجن واللبس، تفسيرات علمية طبية، من الناحية العضوية والبيولوجية، ربما لا يصدقها شريحة من المواطنين يفتقرون للوعى والثقافة اللازمين. والدكتورة هبة العيسوي أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، تؤكد أن الموروثات الشعبية والدراما والسينما أكدا فى أذهان المشاهدين حيثيات ثابتة وراسخة عن الجن والعفارات والدجل، وأن الملبوس من الجن يأت بأشياء هو غير مسئول عنها وأن المس الشيطاني هو السبب، والحل هو اللجوء للدجالين والنصابين لفك هذه العُقد. وتشير العيسوي، إلى أنه في الطب النفسي هناك تفسيرات لما يقوم به المرضى بأمراض نفسية معينة والذين يأتون بتصرفات وحركات يفسرها العامة من الجهلاء وغير المثقفين أو المتدينين بأنها مس من الشيطان أو الجن. وتقول العيسوى ل"بوابة الأهرام"، هناك أمراض نفسية مثل الشخصية الهيسترية، والتى تأتى بحركات هي أشبه ب"الشو"، وهو قادر على التمثيل ويؤثر فيمن حوله ويتأثر بهم أيضًا، وتضرب مثلًا لذلك قائلة، أن الزوجة المصرية عندما تشتكى لزوجها بأنها تعاني اكتئاب مثلًا فإنه لا يعيرها اهتمامًا، فإذا ما كانت شخصية هيسترية فإنها تختلق حدثًا لجذب نظر زوجها لها فتقول له مثلًا بأن هناك من ينام بجوارها على الفراش أو يقيم معها علاقة فهنا يلجأ بها إلى الدجال فتكون محور اهتمامه، فيسعدها ذلك. وتابعت، كما أن هناك شخصيات تميل إلى الإيحاء وتبني ثوابتها من خلال ما تسمعه عن الجن والشعوذة والخرافات من حديث الأسلاف والأمهات، وهم أكثر تأثرًا بما يجرى حولهم، ويخلقون لنفسهم عالمًا من التهيئوات خاص بهم بأن يروا أشياء ويسمعون صوتا أو أن أحدًا يتحدث إليهم، ويظنون أنها من عالم الجن والشياطين. وتفسر الطبيبة النفسية، وجود ست فتيات جميلات مصابات كما يزعمون بالمس الشيطاني ويعيشون في بيت واحد، حتى أن شقيقتهم الكبرى متزوجة فى مكان آخر، بأن هذا فى مجمله تمثيل واصطناع، وأن واحدة من تلك الفتيات شخصية هستيرية أرادت أن تلفت الأنظار لها وقلدتها شقيقاتها فى ذلك، لما رأوه من "شو" إعلامي واهتمام ممن حولهن، فهذا الاهتمام وهذا الضعف يشعرهم بالسعادة والزهو. ولازالت الطبيبة النفسية، فتقول، أن رائحة البخور لها تفسير نفسي كبير على النفس الإنسانية وتستطيع أن تخلق حالة من الاستسلام للمحيطين به، كما يحدث فى "الزار"، وهذا ما يوحى لمن يشاهد حالة الاستسلام من المريض النفسي للدجال، فتكاد تصدقه. وعابت العيسوي على وسائل الإعلام التى تتناول مثل هذه الأمور، كما ترسل برسالة استغاثة إلى المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء ليقوم بتوجيه الأوامر لإيقاف مثل هذه المهازل كما فعل من قبل وتدخل فى منع فيلم"حلاوة روح". وعن التنافس الإعلامي بين القنوات فى عرض القضايا التى تثير الجدل مثل الشعوزة والجن والعفاريت وعلاقته بميثاق الشرف الإعلامي، يعقب الدكتور هشام جمال أستاذ الإعلام المرئي بجامعة القاهرة، أن التنافس الشديد بين القنوات الفضائية والتى أصبح كل همها تحقيق نسبة مشاهدة أعلى من مثيلتها بات شاغلها الوحيد، وأصبح كل همها هو فتح"تابوهات" محرم الحديث فيها، واصفًا ما يحدث بأنه حرب سعرة تجارية وليست أخلاقية. ويتابع، جمال في معرض حديثه لبوابة الأهرام، أن القنوات استطاعت أن ترتقى تقنيًا ولكن ليس أخلاقيًا، معقبًا على حلقة الإعلامية ريهام سعيد، عن الجن والتى أثارت لغطًا شديدًا، وكذلك على برنامج" الراقصة" والذي عرض على قناة "القاهرة والناس" مشيرًا إلى أنه يحزن بشدة لما آل إليه حال الإعلام فى مصر من سفه، مؤكدًا على أن قنوات خليجية استطاعت أن تتقدم وتحقق أعلى المشاهدات لحرصها على اختيار المادة الإعلامية المعروضة والتى تحترم عقلية الشاهد العربي، وأنه لدى هذه القنوات لجان فرز مهمتها عرض المادة المقبولة من كافة النواحى. ويؤكد الخبير الإعلامي، أن القنوات الفضائية الخاصة ليس هناك من يراقبها من أجهزة الدولة الرقابية، وحتى لو وجد ميثاق شرف إعلامي فهو غير مُتبع، ولن يتبع طالما أن تلك القنوات بلا ضابط ولا تخضع لأى معايير. ويوضح، أن الإعلانات التى تروج مواد إعلامية عن الدجل والشعوذة للأسف هى الأكثر مشاهدة من قبل الجمهور المصري والعربي، فى إشارة منه إلى أن ما ساعد فى رسوخ تلك الأمور هى تلك الإعلانات الترويجية عن الدجالين والمشعوذين والتى تظهر فى قنوات غير معلومة الهوية ولكنها تعمل تحت سمع وبصر المسئولين عن الإعلام في مصر.