ما بين الاعتراف بوجود الأزمة وعدم وجودها، اختلف أساتذة القانون حول بطء إجراءات التقاضي والفصل فى قضايا الفساد وغيرها، فمنهم من وجد صعوبة في حصر أسبابها، والبعض الآخر أكد أن إسراع تلك الإجراءات ليس فى مصلحة المواطنين والمحاكمة المنصفة. "أزمة بطء التقاضي تؤدي إلى عدم ردع الفاسدين وعدم اكتراث الغير بما يرتكبه كل فاسد، وأنه لابد أن يكون التقاضي في قضايا الفساد مثل الإرهاب"، هكذا يراها الدكتور طارق خضر، أستاذ القانون العام بأكاديمية الشرطة. ولأن جرائم الفساد من أخطر ما يواجه البلاد حاليًا، حيث تواجه مصر نوعين من الحروب الأولى ضد الإرهاب والأخرى ضد الفساد –من وجهة نظر أستاذ القانون- فإنه لابد من تخصيص دوائر لنظر قضايا الفساد أسوة بدوائر الإرهاب، وهذا هو دور السلطة التنفيذية الممثلة فى وزير العدل. ويشرح خضر: هذا الأمر يتطلب أن يتم تقديم المتهمين في قضايا فساد للمحاكمة وتختص هذه الدوائر بنظر قضاياهم وبهذا يتحقق الردع لمرتكبي جرائم الفساد بما يحقق العدالة الناجزة، وإصدار أحكام سريعة.. وما نص عليه دستور 2014 يتطلب سرعة فى إجراءات التقاضي لمواجهة الفساد. لكن الدكتور نبيل سالم، أستاذ القانون الجنائي بجامعة عين شمس قال: إن "بطء التقاضي" ليست أزمة وإنما ظاهرة ملازمة لإجراءات المحاكمة المنصفة وليست أزمة على أية حال. حيث يرى سالم، أن ما يطلق عليه البعض بطء إجراءات التقاضي ما هو إلا سياسة جنائية يسعى فيها الشارع إلى تحقيق التوازن بين مصلحتين متعارضتين الأولى مصلحة المجتمع في استيفاء حقه في عقاب الجاني، والثانية مصلحة المتهم في تحقيق أوجه دفاعه كاملة. "إدانة بريء واحد يؤذي العدالة أكثر من تبرئة مائة مذنب"، ويكمل سالم: "وبالتالي فإن تحقيق هذا التوازن رهن تحقيق دفاع المتهم وتمكينه من إثبات برائته من التهمة المسندة إليه وبدون ذلك يتأذى الشعور بالعدالة لدى المواطنين". الحل الآخر للأزمة –من وجهة نظر خضر- يكمن فى مراجعة تشريعية كاملة لتلك القوانين التى تواجه جرائم الفساد من خلال ممثلين عن الأجهزة المعنية بمواجهة جرائم الفساد كالرقابة الإدارية وجهاز الكسب غير المشروع والأموال العامة، وممثلين عن النيابة العامة. لابد من وضع تنسيق تشريعي لبيان أى أخطاء واردة فى التشريعات الحالية بحيث يمكن الاستفادة من بعض التشريعات وسن تشريعات جديدة وتعديل بعض التشريعات القائمة، وفقا لخضر. ويضيف خضر: التعديل الذي طلبه الرئيس عبدالفتاح السيسي من لجنة الإصلاح التشريعي على قانون الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بنص المادة 15 من القانون والخاصة بعدم سقوط الدعاوى الجنائية التي يرتكبها الموظف العام في أثناء خدمته بمضي المدة المقررة فى الجنايات والجنح على أن يتم التعديل بأن تبدأ مدة السقوط منذ انقطاع العلاقة الوظيفية وفي هذه الحالة يستقل بعض الموظفين العموميين من مرتكبي جرائم الفساد، حتى لا يتمكن الموظف من إخفاء أي أدلة فساد، ومن ثم فإن هذا التعديل سيسهم في إطالة المدة الخاصة بسقوط التهمة. المستشار محمد عيد سالم، نائب رئيس محكمة النقض، أكد أن أزمة بطء إجراءات التقاضي موجودة في مصر وبلاد أخرى كثيرة، مشيرا إلى أنه يصعب حصر أسبابها، لكنه اتفق أن قلة عدد القضاه وأبنية المحاكم والكتيبة الأكفاء ساهموا بشكل كبير فى الأزمة، فضلا عن أن عدد القضايا فوق طاقة القاضي. يرى عيد، أن حل تلك الأزمة يكمن في مؤتمر قومي يجمع كل أطراف الأزمة، بداية من القضاه والمحامين وانتهاء بوزير المالية وأشخاص عاديين ممثلين عن المجتمع نفسه لأنهم يغضبون من بطء الإجراءات. استشهد نائب رئيس محكمة النقض فى حديثه بالمحكمة العليا فى أمريكا تتلقى 10 آلاف طعن وعدد القضاة بالمحكمة 10 قضاة ويعاونهم موظفون فنيون، نظروا فى 100 طعن فقط والباقى تم رفضه.. فإذا تم تطبيق ذلك في مصر هيقولوا علينا إيه؟". تتفق مها أبو بكر، عضو لجنة الحريات بنقابة المحامين، مع المستشار محمد عيد سالم في ضرورة الإعلان عن "مؤتمر العدالة" ومناقشة كل ما هو من شأنه تطوير المنظومة بأكملها، بداية من سن القوانين حتى تنفيذها وسبل حل أزمة بطء إجراءات التقاضي، على أن يضم كل المعنيين بالعدالة من قضاة وبرلمانيين ومحامين وممثلين عن جهاز الشرطة والنيابة الإدارية والشهر العقاري والطب الشرعي ومصلحة الخبراء. وقالت مها: إن هناك أزمة كبيرة فيما يتعلق بكثرة القضايا فى المحاكم وهو ما يجعل العدالة غير ناجزة، وأضافت: "ولذلك فنحن بحاجة إلى ثورة تشريعية كاملة لنتمكن من وضع مدد للفصل فى القضايا.. وكذلك نحتاج عمل ميكنة للقطاع الحكومي والتعامل مع تقنيات جديدة فى تخزين البيانات، بدلا من السجلات الورقية التى لابد أن تستبدل بأجهزة الكمبيوتر والإنترنت". اختتم سالم، أستاذ القانون الجنائي الحديث، قائلا: "لا يمكن الإسراع بإجراءات التقاضي إلا على حساب مصلحة المواطنين في محاكمة عادلة ومنصفة".