كشف الدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون وأستاذ الاجتماع بالجامعة الأمريكية، تفاصيل ما دار خلال اجتماعاته مع مجلس الأمن القومي الأمريكي إبان ثورة 25 يناير2011 في مصر، وروى تفاصيل الأحداث التي جعلت الرئيس الأمريكي يقتنع بضرورة رحيل مبارك وسبب خروج أوباما في وسائل الإعلام الأمريكية ليطالب الرئيس المصري الأسبق بالرحيل الآن وفورا. وقال إبراهيم في تصريحات خاصة ل "العربية نت"، إنه تم استدعاؤه لاجتماع مجلس الأمن القومي الأمريكي بالقصر الملحق بالبيت الأبيض وحضره أقطاب الإدارة الأمريكية بالدفاع والخارجية وكان برئاسة نائب الرئيس جو بايدن، وكان الهدف مناقشة تطورات الوضع في مصر بعد تدفق المتظاهرين إلى ميدان التحرير يوم 25 يناير ووجد في الاجتماع وجهتي نظر متعارضتين الأولى هي تأييد مبارك ودعمه باعتباره حليفا استراتيجيا منذ 30 عاما ولا ينبغي أن تتخلى عنه واشنطن، والثانية وتبناها- مايكل ماكفول –الذي عين فيما بعد سفيرًا لواشنطن في روسيا – وكانت تطالب بضرورة إجبار مبارك على الاستجابة لمطالب الشعب المصري وطلب مني- والكلام لسعد الدين إبراهيم -نائب الرئيس الأمريكي الحديث فأيدت وجهة النظر الأخيرة وقلت لهم لابد أن يستجيب مبارك ولابد أن تقنعوه بذلك وإلا سيتكرر معه مثلما حدث لبن علي في تونس. ويضيف سعد الدين إبراهيم قائلا: "سألوني في ذلك الاجتماع عن المتظاهرين في ميدان التحرير وهويتهم ومطالبهم وأعدادهم وقلت لهم إن زوجتي وهى أمريكية موجودة الآن في ميدان التحرير وسط المتظاهرين وتستطيع أن تجيب عن تلك الأسئلة بوضوح ودقة، واتصلت بها ووضعت سماعة الهاتف في ميكروفانات القاعة حتى يسمعها جميع المشاركين في الاجتماع وبدأت تجيب وهنا دخل القاعة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للمشاركة وسأل عمن تتحدث في الهاتف فأجابت هي بالقول إنها زوجة سعد الدين الموجود في الاجتماع معك الآن، فحياني الرئيس وقال لزوجتي سأسألك أربعة أسئلة وأرجو الإجابة عليها بدقة حتى نستطيع أن نقرر ما يمكن أن نفعله إزاء الوضع في مصر. ويقول إبراهيم كانت الأسئلة على النحو التالي "السؤال الأول الذي وجهه أوباما كان حول من هم المشاركون في التحرير فأجابت زوجتي بأنهم يشبهون نفس الأمريكيين الذين انتخبوك في الانتخابات الرئاسية 2008، وهم من شباب الجامعات الذين تبرع كل طالب منهم ب 10 دولارات لتمويل حملتك الانتخابية ليحققوا هدفهم بأن يحصل زنجي على الرئاسة الأمريكية، وهم من جمعوا 200 مليون دولار لك في الحملة كما أنهم نفس الشباب الذين خاطبتهم في جامعة القاهرة عام 2009، وطالبتهم بالسعي نحو الديمقراطية والحرية في بلادهم، ففهم أوباما أن المتظاهرين في التحرير هم من شباب الطبقة الوسطى الكادحة الراغبين في الديمقراطية. السؤال الثاني الذي وجهه أوباما، كان حول جنس المتظاهرين وهل هم من الرجال أم النساء أم الاثنين معا وأجابت زوجة إبراهيم قائلة إن المشاركين 60% من الرجال وال 40% نساء ثم لاحقها بالسؤال الثالث عن ديانة المشاركين فقالت له لا أعرف تحديدا لكن وجدت فئة ترتدي قمصانا عليها الصليب مما يعني أن بعضهم مسيحيو الديانة، ثم كان السؤال الرابع والأهم وهو هل هناك إخوان مسلمون يشاركون في التظاهرات فردت زوجة إبراهيم بالنفي قائلة لا أعلم خاصة أن التظاهرة لم يكن بها أحد من أصحاب اللحى أو الذين يرتدون الجلباب القصير وهو ما يميز المنتمين للتيار الإسلامي، وهنا هز أوباما رأسه مستحسنا الإجابات ثم طلب منها معرفة مطالب المتظاهرين فأجابته بأنهم يريدون إقالة الحكومة ووزير الداخلية وإعادة الانتخابات البرلمانية بعدما تم تزويرها، ثم طالبت أوباما أن يطلب من مبارك عدم إطلاق النيران على المتظاهرين حتى لا يتحول ميدان التحرير لحمام من الدماء، بعدها التفت أوباما إلى المشاركين في الاجتماع طالبا معرفة رأيهم. ويقول سعد الدين ابراهيم "هنا وجه لي أوباما سؤالا وهو ماذا يمكن أن يكون رد فعل مبارك وماذا نفعل معه لو رفض الاستجابة لمطالب الجماهير وقلت له أنا أعرف مبارك منذ ربع قرن وتربطني به علاقات أسرية فزوجته سوزان ثابت كانت تلميذتي في الجامعة الأمريكية وولديه جمال وعلاء كانا ضمن طلابي بالجامعة ذاتها وكنت أحل ضيفا عليهم في منزلهم في المناسبات الأسرية التي يدعونني إليها وزرت مبارك وجلست معه في مكتبه عشرات المرات وأستطيع القول إنه سيعد بتلبية مطالب المتظاهرين تحت تأثير الضغوط وبعد أن تهدأ الثورة وتخف الضغوط لن يفي بما وعد بل سيتنصل من وعوده وسيخضع لرأي مستشاريه في النهاية ويبقى جاثما في السلطة رافضا أي إصلاحات. ويقول إبراهيم "مرت أيام قليلة وكانت استجابة مبارك لمطالب الثوار بطيئة ومتأخرة وبعدها حدثت موقعة الجمل واستدعيت مرة أخرى لاجتماع مجلس الأمن القومي الأمريكي وعلم اوباما بما حدث وقال لي "إن مبارك عنيد لماذا يفعل ذلك؟ لقد زادت مطالب الثوار وعندما أفتح التلفاز أرى أن وتيرة المطالب تتصاعد ووصلت إلى إسقاط النظام وتغييره وسألني أوباما ماذا سنفعل معه فقلت له لا حل سوى أن يتغير النظام، المطالب تتصاعد واستجابة مبارك بطيئة والجيش في مأزق وميادين مصر تلتهب بالثورة وربما تتطور الأمور وتحدث حرب أهلية ورد أوباما بالقول إنني أتابع كل ما يجري وأتلقى تقارير يومية من المخابرات والبنتاغون والخارجية وكلها تؤكد تطور الأمور في مصر بل إن الأمريكيين مستاؤون مما يجري ويطالبون بحل ولذلك لابد من حل. ويقول سعد الدين إبراهيم "هنا خرج أوباما من الاجتماع وسارع ليلقي أمام وسائل الإعلام الأمريكية بالتصريح الشهير الذي قال فيه لمبارك ارحل الآن ثم كررها كثيرا الآن الآن. ويضيف سعد الدين إبراهيم ان الشعب الأمريكي لم يهتم بحدث خارجي مثلما اهتم بالثورة المصرية وكانت له ضغوطات على أوباما للتدخل كما أن الرئيس الأمريكي نفسه وكما قال لنا في الاجتماعات كان يستيقظ يوميا على صور ميدان التحرير ويجلس أمام التلفاز والفضائيات الأمريكية لمتابعة ما يجري في مصر ثم يطلب تقارير عاجلة من هيئة الأمن القومي والخارجية عن الأحداث وتوصل لقناعة بأن مبارك لم يعد قادرا على الحكم وإنه حان وقت الرحيل. ويقول ابراهيم "رحل مبارك وللأسف ركب الإخوان الثورة المصرية وجميع التقارير التي أرسلتها السفيرة الأمريكية السابقة بالقاهرة آن باترسون أكدت أن الجماعة هي القوة الوحيدة المنظمة والقوية في مصر، ولديها القدرة الكبيرة على التأثير في رسم مستقبل الشرق الأوسط ما جعل رهان واشنطن عليهم كبير لكنهم سقطوا في النهاية مثلهم مثل مبارك ولفظت ثورتا مصر في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 القوتين الوحيدتين المتنافسين على حكم مصر طيلة الثلاثين سنة الأخيرة الحزب الوطني والإخوان وأخرجتهما من المشهد السياسي تماما.