أنفقت وزارة الصحة ملايين الجنيهات في حملتها القومية لمكافحة الإصابة بفيروس سى، ودعم حقن "الإنترفيرون" للمرضى، ونجحت بالفعل في خفض الإصابة فيمن تقل أعمارهم عن 30 عاما، لكن في المقابل ارتفعت نسبة الإصابة بسرطان الكبد في مصر لتصل إلى 11%، لأسباب عديده يعتبر المتخصصون الفيروسات في مقدمتها. المعلومات التي توفرها الإحصاءات حول نسب الإصابة بسرطان الكبد في مصر تؤكد أننا أمام مشكلة حقيقية، فرغم اختلاف مصادر هذه الإحصاءات، فإنها تتفق جميعا في أن نسب الإصابة بهذا المرض اللعين تزداد كل عام، حيث ارتفعت النسبة من 4% عام 1993 إلى 7.2% عام 2002، لتقترب من 11% عام 2009، كما ارتفع معدل الوفيات بسبب المرض من 2.8 لكل 100 ألف نسمة عام 1990 إلى 4.9 لكل 100 ألف نسمة عام 1999، وقفز العدد إلى 7.9 لكل 100 ألف نسمة في 2009. الدكتور أحمد الدرى، أستاذ الأشعة بكلية الطب جامعة عين شمس، رئيس جمعية سرطان الكبد المصرية، يؤكد ضرورة التحذير من خطورة المشكلة في مصر، والعمل على تطبيق برنامج متطور لرفع مستوى الصحة العامة، وزيادة التوعية بأسباب وأعراض مرض سرطان الكبد، وسبل الوقاية منه، والتوسع في حملات التشخيص المبكر، ووضع استراتيجية لعمل أبحاث حول سرطان خلايا الكبد في مصر، وفتح مجال التعاون مع الدول الأخرى للتصدى لهذا المرض الخطير، والتعرف على أحدث الوسائل العلمية للعلاج. ويوضح الدكتور حسين خالد، أستاذ طب الأورام، نائب رئيس جامعة القاهرة للدراسات العليا والبحوث، أن هناك ثلاثة أنواع من السرطان تنشأ في الكبد، هي سرطان الخلية الكبدية، سرطان القنوات المرارية، سرطان الكبد الدموي، مشيرا إلى أن أهم أسباب الإصابة بالمرض تتلخص في تليف الكبد، والتهاب الكبد الفيروسي "سي وبى"، والسمنة، والسكري، التدخين. ويضيف أن التهاب الكبد الفيروسي من نوع (سي) من أخطر الأمراض التى يصاب بها المواطن المصرى، حيث يؤدى هذا الفيروس إلى تليف فى الكبد فى حوالي 20% من المصابين، ويكون عندئذ من أهم مسببات أورام الكبد الخبيثة، بل إن أكثر من 90% من سرطان الكبد الأولي بمصر سببه فيروس (سي)، كذلك التهاب الكبد الفيروسي من نوع (بي)، حيث أظهرت الدراسات أن حوالي 4% من المصريين مصابون بهذا الفيروس، ولكن هذه النسبة قي طريقها الي الانخفاض بعد تعميم اللقاح الواقي، الذي يعطى الآن لجميع الأطفال، هذا الالتهاب الفيروسي قد يؤدي إلى تليف الكبد فى حوالي 30% من المصابين به، ويمكن حدوث أورام ناتجة عنه دون حدوث تليف في الكبد. ويشير الدكتور حسين خالد إلى أن أفضل طريقة للوقاية من أورام الكبد هي منع مسببات المرض، فمثلا بالنسبة لفيروس الكبد (بي) ينبغى أن يتم التركيز على تطعيم جميع الأطفال منذ الولادة، والتأكد من متابعة ذلك بدقة، كما يجب الحرص على تطعيم العاملين في الحقل الطبي من عمال وتمريض وأطباء، والمخالطين لمريض فيروس (بي) المزمن، والمرضي المصابون بضعف المناعة، ومنهم مرضي السكر الغير منضبط. وينصح الدكتور حسين خالد كل مرضى التليف الكبدي ومرضى الالتهابات المزمنة فى الكبد أن يقوموا بفحص دوري،يتمثل في تحليل دم لقياس نسبة مؤشرات أورام الكبد، وأشعة فوق صوتية كل ستة أشهر، حيث تتيح هذه الطريقة اكتشاف أورام الكبد فى مرحلة مبكرة مما يحسن فرص العلاج بإذن الله. وعن دور العلاجات الموجهة في تحسين نتائج العلاج في سرطان خلايا الكبد يوضح الدكتور أحمد كساب، أستاذ أورام الجهاز الهضمى، أن الدراسات العملية فى مجالات البيولوجيا الجزيئية أثبتت أن سرطان الكبد له علاقة سببية مباشرة أو غير مباشرة بالالتهاب الكبدى المزمن، سواء المصاحب لفيروس (بى) أو فيروس (سى)، كذلك أظهرت هذه الدراسات وجود خلل فى جينات خلايا الكبد المصاب تؤدى إلى زيادة كبيرة فى تكوين الأوعية الدموية المغذية لسرطان الكبد، إلى جانب زيادة كبيرة فى البروتينات، المسئولة عن سرعة نمو الخلايا المصابة، والبروتينات المسئولة عن عدم حدوث الموت الطبيعى لهذه الخلايا. وأظهرت الدراسات أن سرطان الكبد يعد من أصعب الأورام، من حيث إمكانية علاجه بالأدوية الكيميائية، لسببين رئيسيين أولهما عدم استجابة سرطان الكبد للعلاج الكيميائى، والثاني سوء حالة وظائف الكبد نتيجة وجود تليف كبدى مصاحب لسرطان الكبد فى أكثر من 90% من الحالات. وقد أثبتت كل الدراسات الإكلينيكية عدم جدوى جميع الأدوية (الكيميائية والهرمونات) فى علاج حالات سرطان الكبد المتأخر، الأمر الذي جعل معظم الأطباء المعالجين يحجمون عن علاج مرضى سرطان الكبد فى مراحله المتأخرة، تجنبا للأعراض الجانبية المصاحبة للعلاج الكيميائى. وتجدر الإشارة إلى أن هناك أمل جديد في علاج سرطان الكبد عن طريق العلاج بالأدوية المستهدفة والموجهة، التى أثبتت نجاحها فى هذا المجال فى مجموعة من الدراسات الإكلينيكية لمرضى سرطان الكبد المتأخر، ويعتبر طفرة فى علاج خلايا سرطان الكبد. و فى دراسات رئيسية فى هذا المجال شملت حوالى 600 مريض مصاب بسرطان الكبد فى مراحله الأخيرة أثبتت بعض العقارات أنها قادرة تقاوم نمو المرض بنسب وصلت إلى 73%.