لا أدرى لماذا كانت تقفز أمامى دائما مقولة الثائر تشي جيفارا "الثورات يفجرها حالم ويشارك فيها مجنون ويقطف ثمارها انتهازى"، لتختصر المشهد العبثي الذى عاشته مصر فى الأيام القليلة الماضية منذ بدء النقاش حول التعديلات الدستورية وتحوله من مجرد نقاش دستورى قانونى إلى نقاش طائفى. تمثل فى الدعاية الموجهة من جانب مختلف التيارات الدينية فى الشارع حتى أن البعض بدأ بتفعيل نظرية المؤامرة لتبرير مايحدث ضمن سيناريو الثورة المضادة أو محاولات اختطاف الثورة. بالرغم من أن هناك من صوت "بنعم" لأسباب لا تتعلق بأي مرجعية دينية، كما أن هناك من صوت ب "لا " عن اقتناع فكرى بحت، فقد شهد الاستفتاء على التعديلات الدستورية حشدا موجهاً من التيارات الدينية الإسلامية للموافقة على التعديلات رافقها إصدار فتاوى دينية لدفع الناخبين نحو التصويت ب "نعم"، ملوحين بخطر التحول إلى دولة مدنية و تغيير المادة الثانية من الدستور، على الرغم من عدم وجودها ضمن التعديلات المطروحة أصلا، فضلا عن إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن اعتزامه الالتزام بالإرادة الشعبية ووضع دستور جديد مهما كانت النتيجة التى سيسفر عنها الاستفتاء سواء كان التصويت ب "نعم" أو ب "لا". الأمر الذى قابله حشد وتوجيها آخر مضادا للتصويت ب "لا" من قبل الأقباط والليبراليين والعلمانيين وبعض الأحزاب السياسية والجمعية الوطنية للتغيير فضلا عن شباب ثورة 25 يناير الذين كانت أسبابهم جميعا تتعلق بتحفظ ورفض قانونى ودستورى لنص التعديلات والمطالبة بدستور جديد يحقق المطالب التى قامت الثورة لأجلها ويحمى مكتسباتها، إلا أن الأمر تحول وكأنه مواجهة طائفية بين طرفين ساهم فى إشعالها بعض رجال الدين والتيارات الدينية الذين استغلوا الأمية والجهل وضعف الوعى والثقافة السياسية لدى كتلة صامتة كبيرة من الشعب المصرى . ليس أدل على ذلك من إدراك عدد كبير من الفريقين لما حدث بعد رصد ردود الأفعال من كل المعسكرين بعد نتيجة الاستفتاء. الأمر الذى أصبح محورا للنقاش والجدل مرة أخرى على مواقع الشبكات الاجتماعية، خاصة بعد تبادل مقاطع فيديو وصور مثلت أساليبا مختلفة لتزييف الوعى لدى البسطاء من عامة الشعب . لعل أبرزها ما تم تداوله بالأمس الإثنين على مواقع التواصل الاجتماعى لمقطع فيديو للشيخ محمد حسين يعقوب، أبرز شيوخ السلفية، أثناء خطبة له فى مسجد الهدى بمنطقة إمبابة علق فيها على نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية واصفا الاستفتاء ب "غزوة الصناديق" ، وقد نسب المقطع المتداول على موقع اليوتيوب إلى موقع "الربانية" وهو الموقع الرسمى للشيخ. بالرجوع للموقع الأصلى كانت أحدث الإصدارات هى مقطع صوتى من نفس الخطبة التى حملت اسم "غزوة الصناديق" وكتب أسفلها فى نبذة قصيرة عن محتواها " ارتج مسجد الهدي بامبابة تكبيرا عندما أعلن فضيلة الشيخ فوز "نعم" في الاستفتاء وقال: إننا لا نغضب ممن قال "لا" لكن قد أظهر لهم الاستفتاء حجمهم، وقدرهم لقد أظهر الاستفتاء أن الناس قالت للدين: "نعم" ليعرف الجميع أن مصر مسلمة، وأن قرار شعبها محسوم بيد علمائها ودعاتها شاهدوا فرحة الناس، وتكبيرات العيد.. أطرف كلمة في المقطع، هي قول الشيخ: البلد بلدنا.. نسأل الله أن يمكن لدينه في الأرض. كان الشيخ قد استهل خطبته قائلاً "أحبتي فى الله بلغتني أخبارا سارة بنعم" فكبر الحاضرون بالمسجد، واستكمل الشيخ قائلا" كانت هذه غزوة إسمها غزوة الصناديق.. كان السلف عليهم رحمة الله يقولون لأهل البدع: بيننا وبينكم الجنائز.. اليوم في زماننا يقولون لنا بيننا وبينكم الصناديق.. وقد جعلنا بيننا وبينهم الصناديق..وقالت الصناديق للدين نعم، داعياً الحاضرين إلى ترديد تكبيرات العيد. كما قال " لقد أنصفنا الله ..كانوا مخوفينا .. كان كل جرايدهم وإعلامهم. كان مولد يا جماعة.. بس هم دلوقتي طالعين في نغمة إيه ..خلاص الدين هيدخل في كل حاجة؟. واحنا بنقولهم نعم.. مش أنتوا قولتوا الصناديق تقول.. والشعب قال: نعم للدين.. مش هي دي الديمقراطية بتاعتكوا واحنا عايزين دين.. واللى يقول دى بلد منعرفش نعيش فيها نقوله انت حر ..ألف سلامة .. عندهم تأشيرات كندا وأمريكا هم حرين لكن ديمقراطيتكوا بتقول الشعب بيقول إيه ..الشعب قال عايز دين ..خلاص آدى له دين ..واحنا بتوع الدين". استكمل خطبته داعيا إلى التيسير على الناس فى تلك الظروف بتخفيض الأسعار بمناسبة ما وصفه بالنصر والعيد ليضيف الشيخ فى منتصف خطبته " فاجأني أن بعض الأخوة كان متحمساً ل"لا" .. بيقولوا احنا هنرضى بدستور مرقع, دستور ملزق" معتبرا أن "القضية ليست قضية دستور " من الأساس . وأوضح أنها قضية "انقسام الناس إلى فسطاطين .. فسطاط دين , اللي فيه كل أهل الدين ..كل المشايخ اللي كانوا بيقولوا نفسنا أهل الدعوة يتجمعوا كلهم و أهو كل أهل الدين بلا استثناء كانوا بيقولوا "نعم". . اتجمعوا كلهم يعنى إخوان وتبليغ وجمعية شرعية وأنصار سنة وسلفيين كلهم قالوا "نعم" فى جهة , وقصادهم من الناحية التانية ناس تانية , يعني يبقى شكلك وحش لما تبقى في الناحية اللي مش فيها المشايخ..صح ولا لأ.. حتى لو كنت مقتنع إن الدستور ده في ستين داهية.. علشان كده كان الخوف" معربا عن خوفه وقلقه من أن يخذلهم الناس " كنت خايف الناس يخذلونا لكن الحمد لله ربنا طمنا بيكم وطمنا عليكم " مضيفاً " احيانا لما الشيخ يقولك آه قول آه حتى و لو على خلاف هواك, ما بقولكش تابعني في الغلط ..لا.. ولكن كن على ثقة إن في مسائل الدين أنني لن اختار لك إلا ما يرضي الله ". وشدد على أن السلفيين لا يطمعون فى أى دور سياسي و إنما هدفهم الدعوة "إحنا مش بتوع سياسة ومش عاوزين منها حاجة ..و هذا وعد أقطعه على نفسي أمام الله ..لا عمري هنضم لحزب , ولا عمري هترشح في أي حاجة في الدنيا أنا هفضى لدوري والكلام ده أنا قلته طول عمري..لا يجوز للداعية الخروج من الدعوة.. منهجنا بيقول كده أننا كسلفيين دعاة إلى الله, ولن نغير هذه الوظيفة أشهدوا علي أمام الله وحاسبوني عليه يوم من الأيام لو رأيتم منا غير ذلك, فلذلك الذي لا يطمع في منصب ولا في جاة ولا سلطان ولا في وزارة أو أي شيء يختار لك ما يرضي الله وإن أغضب البشر كلهم " ليختتم خطبته للحاضرين قائلا " متخافوش خلاص البلد بلدنا" .