عند ما تغيب الرقابة على الأسواق، يصبح ارتفاع أسعار السلع واحتكارها وتوحش التجار أمرًا طبيعيًا، وعندما ترتفع أسعار كثير من السلع الغذائية الأساسية إلى نحو الضعف خلال فترة وجيرة، فلا بد وأن تنهار ميزانية الأسرة أمام وحش الغلاء، وعندما تتسبب التغيرات المناخية فى انخفاض إنتاجية الفدان، وترتفع الأسعار أكثر، عندها يمكننا إعلان وفاة ميزانة الأسرة بالضربة القاضية، أمام وحش غلاء جديد يصعق الجيوب. زيادة الأسعار تؤكدها تقارير صادرة عن عدة أجهزة رسمية كالجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء والبنك المركزي، والمعهد القومي للتخطيط ، فضلا عن كثير من تقارير الغرفة التجارية، التى أكدت إرتفاع أسعار الأرز وجميع البقوليات والمكرونة نحو 50%، وسعر اللحوم الذى وصل إلى 70 جنيهًا للكيلو، وأعلى من ذلك في بعض المناطق، وزادت معها أسعار أسعار الفراخ والأسماك والطيور . أعد مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة، تقريرًا أرجع فيه الغلاء الذى طرأ مؤخرًا إلى أن التغيرات المناخية التي شهدتها البلاد، أثرت على الإنتاجية الزراعية للفدان، لتنخفض هذا العام نحو 70% مقارنة بالعام السابق، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الخضر والفاكهة إلى ثلاثة أضعاف سعرها، نتيجة قلة المعروض منها وكثرة الطلب عليها. فهل صحيح بأن التغيرات المناخية السبب الحقيقى وراء ارتقاع؟. يقول هاشم أبو الفضل – مدرس – أن الأسعار بدأت ترتفع منذ بداية شهر رمضان، وخصوصًا أسعار منتجات الألبان ولا تزال فى ارتفاع متواصل، بسبب عودة الحياة المدرسية، ويشير أبو الفضل، إلى ضرورة رفع الأجور لتوازى الزيادة فى الأسعار، حتى لا تتفاقم حوادث السرقة والنشل. ويضيف أبو الفضل، أن ارتفاع الأسعار لم يقتصر على منتجات الألبان وحدها، فجميع المواد الغذائية التى تتعلق بالدقيق ارتفع سعرها فنجد أن سعر كيلو المكرونة يتراوح ما بين 4 – 6 جنيهات، علاوة على أن جميع المخبوزات الآلية – الفينو – ارتفع سعرها أو تقلص حجمها بسبب ارتفاع اسعار الدقيق. ويرى محمد عصام – موظف بإدارة البريد – أن الدولة يمكنها التغلب على ارتفاع الأسعار من خلال العودة إلى دور المجمعات الاستهلاكية، التى كانت تقوم بدور كبير فى السنوات الماضية من ناحية توفير السلع والحفاظ على مستوى ثابت من الأسعار. فى نظر محمد وهبة - رئيس شعبة القصابين باتحاد الغرف التجارية - أن ارتفاع الأسعار مسألة طبيعية فى ظل الظروف الاقتصادية التى نمر بها، علاوة على أن عملية ربط السوق المصرى بالأسواق العالمية تؤدى دومُا إلى تأثر السوق والبورصة المصرية بأى هزة فى الاقتصاد العالمى. ويضيف وهبة،أن السوق المصرى يحقق نسبة 40 % من الإكتفاء الذاتى وهى مشكلة كبيرة، حيث أن النسبة الباقية تؤدى إلى اللجوء إلى استيراد باقى المنتجات من الخارج، وهو الأمر الذى نراه واضحًا فى مشكلة ارتفاع أسعار اللحوم والتى تعود إلى عدم وجود استراتيجية متكاملة للثروة الحيوانية وهو ما يؤدى إلى فتح الاستيراد من الأسواق الأخرى لمحاولة سد العجز الداخلى، فقلة العرض وزيادة الطلب يسبب تقلبات كبيرة فى أسعار أى منتج. لكن الدكتور محمد عبد الحليم عمر، مدير مركز صالح كامل للدراسات الاقتصادية، يرى أن الارتفاع الكبير للأسعار سببه جشع التجار، الذين استغلوا الأزمة الاقتصادية العالمية ورفعوا الأسعار، بحجة أن السوق المصرى مرتبط بالأسواق العالمية، فضلا عن غياب الرقابة على الأسواق والحرية المطلقة فى تحديد أسعار السلع والمنتجات، علاوة على غياب القوانين التى تحدد المنافسة وهو ما أدى إلى الارتفاع المخيف فى الأسعار. ويشير إلى أنه لابد من توافر سياسة اقتصادية وزراعية يتم اتباعها حتى نحقق الاكتفاء الذاتى، ولابد من أن يتم وضع حد معين للأسعار. ويعتقد مدير مركز صالح كامل للدراسات الاقتصادية، أن ثمة اتفاقا يحدث بين التجار الكبار من أجل تحديد أسعار السلع، التى يتم طرحها فى أسواق التجزئة، وهى عملية يجب أن تتصدى لها الحكومة وتعمل على طرح سلع موازية فى المجمعات الاستهلاكية والمنافذ التابعة لها، وأن تعمد إلى التوسع فى إقامة تلك الأسواق حتى يحدث ضبط للأسعار فى تلك الأسواق. ويرصد الدكتور عبد الحليم الحل لهذه المشكلة على ثلاث جبهات، الأول تتعلق بالمستهلك حيث ينبغى عليه تنيظم عملية الانتفاع من السلع، ولا يقبل على إلا على السلع الضرورة، وأن يبحث عن البديل الدائم للسلع التى يستغلها التجار، وهو الأمر الذى ينقلنا للبعد الثانى وهو دور جمعيات حماية المستهلك بتوعية المواطنين وحثهم على مقاطعة السلع والمنتجات، والدور الأكبر يقع على عاتق الحكومة التى يجب أن تسيطر على الأسعار بمراقبة الأسواق وتفعيل قوانين الاحتكار والمنافسة. وتطرح سعاد الديب – رئيس الجمعية الإعلامية لحماية حقوق المستهلك فكرة للسيطرة على الغلاء وضبط الأسعار، تقوم على إلغاء الوساطة فى طرح السلع بالأسواق، حيث تقوم الدولة بطرح منتجاتها فى المجمعات الاستهلاكية ومنافذ بيع الأمن الغذائى. أما بالنسبة لبعض السلع التى لا يمكن طرحها فى تلك المجمعات، مثل الحديد والاسمنت وخلافه فيمكن تنظيم ما يسمى بأسواق المنتجين حتى تصبح السلع متاحة المستهلكين بأسعار مختلفة.