تحولت الانتخابات الرئاسية في مصر إلى منافسة ثنائية بين قائد الجيش السابق المشير عبد الفتاح السيسي الذي يحظى بشعبية جارفة منذ أن عزل الإسلاميين من حكم البلاد وبين اليساري حمدين صباحي الذي يقول إنه ممثل قيم ثورة 2011. يعد المشير السيسي المرشح الأوفر حظًا للفوز في هذه الانتخابات المقرر إجراؤها في 26 و27 مايو المقبل، مستفيدًا من التأييد الشعبي الكبير له منذ أن أعلن عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي استجابة لتظاهرات شعبية حاشدة خرجت للمطالبة برحيل مرسي. المنافس الوحيد للسيسي في هذه الانتخابات هو اليساري حمدين صباحي، الذي حل ثالثًا في انتخابات 2012 التي فاز بها مرسي، والذي يرى فيه أنصاره الممثل الوحيد لأحلام وطموحات أولئك الذين ثاروا ضد ديكتاتورية وفساد حكم مبارك في العام 2011، خاصة من جيل الشباب. من ناحيتهم قرر الإخوان المسلمون الذين فازوا بجميع الاستحقاقات الانتخابية التي جرت في أعقاب ثورة 2011، مقاطعة الانتخابات وعدم تأييد أي مرشح. فقد تحولت جماعة الإخوان المسلمون في خلال عام من جماعة حاكمة من خلال الرئيس الذي كان أحد قياداتها إلى "تنظيم إرهابي" يقبع معظم قادته خلف القضبان ويحاكمون في مئات القضايا، بالإضافة إلى أن أعضاءها أصبحوا بحكم قضائي ممنوعين من الترشح في الانتخابات. وتأتي انتخابات مايو في ظل تصاعد غير مسبوق لأعمال العنف التي أعقبت عزل مرسي، حيث تتواصل بشكل يومي الهجمات المسلحة التي تستهدف رجال الأمن والتي تزايدت أخيرا بشكل ملحوظ في القاهرة. ومنذ عزل مرسي تشن السلطات المصرية حملة واسعة على أنصاره خلفت نحو 1400 قتيل معظمهم من الإسلاميين، بحسب منظمة العفو الدولية، فيما جرى اعتقال أكثر من 15 ألف شخص أغلبيتهم الساحقة من أعضاء الإخوان. في المقابل، تقول الحكومة إن أكثر من 500 شخص معظمهم من أفراد الجيش والشرطة قتلوا في اعتداءات استهدفت الأمن المصري منذ عزل مرسي. حالة عدم الاستقرار وعدم الأمان هذه هي التي يستمد منها السيسي شعبيته غير المسبوقة، حيث يراه أنصاره القائد القادر على إعادة الاستقرار للبلاد المضطربة منذ الإطاحة بمبارك في فبراير 2011. ومنذ ثورة يوليو 1952، كان كل رؤساء البلاد من صفوف الجيش باستثناء مرسي. ويقول المحلل السياسي جمال عبد الجواد لفرانس برس، مصر في مفترق طرق، إما "عيش، حرية وعدالة اجتماعية" التي كانت شعار ثورة 2011 وإما الاستقرار". ومع تدهور الوضع الاقتصادي، يتطلع قطاع كبير من المصريين إلى السيسي على أنه القادر على استعادة الاستقرار وطمأنة المستثمرين والسائحين للعودة لمصر. على الجهة المقابلة، يأمل صباحي في البناء على مخاوف متصاعدة من أن السيسي يمثل عودة لنظام مبارك، حيث أن حملة القمع ضد الإخوان المسلمين طالت أيضا نشطاء علمانيين من قادة الثورة ضد مبارك. ويلخص عمرو بدر الناطق باسم حملة صباحي تلك النقطة بقوله "نحن نواجه موقفا واضحا، هناك مرشح يمكنه المضي بنا للمستقبل وهناك مرشح يمكنه إرجاعنا للماضي". ويقول كثيرون إنهم يرون في صباحي، الذي قدم أوراق ترشحه رسميا السبت، الزعيم الذي سيطبق سياسات تحقق العدالة الاجتماعية للفقراء على نهج الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر. ويقول عبد الجواد إن صباحي "يمثل الشباب الذين يريدون إدراك القيم التي تظاهروا من أجلها في 2011". وجمع صباحي، الذي كسب تأييد حزب الدستور الليبرالي الذي أسسه محمد البرادعي الحائز على جائزة نوبل للسلام، نحو 30 ألف توكيل تؤيد ترشحه، حسبما قال مسئول في لجنة الانتخابات. لكن تلك التوكيلات أقل بكثير من تلك التي قدمها السيسي وبلغت نحو 200 ألف بحسب المسئولين. ورغم الدعم الهائل والجلي له في كل شارع في مصر، إلا أن الطريقة التي سيتعامل بها السيسي مع الوضع الاقتصادي والسياسي تبقى غير واضحة، كما أنه ليس هناك فكرة واضحة عن كيفية أدائه لوظيفة الرئيس، حسبما تقول ميشيل دنّ في مركز كارنيجي للسلام الدولي. وقالت دنّ إن الحكومة المؤقتة تعمل منذ عزل مرسي وفق خطة "وضع الأزمة". وتابعت "السؤال الأهم الآن، حين يكون السيسي رئيسا وينتهي تنفيذ خريطة الطريق السياسي لما بعد الانقلاب، هل سيبدأ اتخاذ إجراءات للخروج من عقدة تلك الأزمات". وأضافت "حتى الآن لا يوجد أي إشارة لاستراتيجة سياسية أو أمنية من طرف السيسي لتجاوز حملة القمع الدائرة منذ يوليو 2012".