على الرغم من الترحيب الذى أبدته دول مجلس التعاون الخليجى بعد اتفاق إيران مع مجموعة 5 زائد 1 فى جنيف مؤخرا الا أن قراءة ما بين السطور تشير إلى مخاوف حقيقية لدى هذه الدول وبالذات المملكة العربية السعودية التى جاء التعبير عن قلقها على لسان رئيس مجلس الشورى وليس على لسان وزير الخارجية. وفى ندوة مهمة عقدها المركز القومى للشرق الأوسط بالقاهرة عن تداعيات هذا الاتفاق قبل أيام كشف المشاركون فيها عن العديد من الحقائق والمعطيات التى تجسد مخاوف وهواجس دول التعاون الخليجى من هذا الاتفاق. ويرجع الدكتور محمد مجاهد الزيات رئيس المركز قلق الطرف العربي وبصفة خاصة الخليج من الانفتاح الأمريكي الإيراني الذى تجلى بوضوح فى اتفاق إيران إلى إدراك دول المنطقة بأن واشنطن باتت مقتنعة في سياساتها تجاه المنطقة بأنه لم يعد كافيا الاقتصارعلى تحالفاتها مع بعض دولها وأن الوقت قد حان على الانفتاح على إيران لأسباب كثيرة من بينها نجاح إيران في امتلاك أوراق تأثير سواء في العراق أو سوريا أو لبنان وكذلك على صعيد تطورات القضية الفلسطينية فضلا عن التعاون القائم في مكافحة الإرهاب وحاجة واشنطن لتأمين قواتها في أفغانستان مثلما جرى في العراق وتكمن المشكلة عند إسرائيل من التخوف من التخفيض الراهن لنظام العقوبات دون أن يؤثر بالفعل على إيران لافتا الى أن دول الخليج تخشي بمن وجود صفقة سياسية من تداعيات هذا التقارب والانفتاح على الملفات والقضايا المثارة في المنطقة خاصة الأزمة السورية ويزيد من مخاوفهم تصريحات المسئولين الغربيين حول ضرورة مشاركة إيران في جنيف 2. وبصفة عامة يمكن القول – الكلام للدكتور مجاهد - فإن هذا الاتفاق مفيد لإيرانوأمريكا سواء من خلال منع إيران من امتلاك السلاح النووي وتغير حالة العداء من أمريكالإيران وبدء تخفيف التوتر بين البلدين وفتح المجال أمام حوارات دولية وإقليمية متعددة ,ومن الأهداف التي يمكن أن تستثمرها الولاياتالمتحدة في هذاالصدد من تخفيف هذا العداء إتاحة الفرصة لعودة إيران كقوة إقليمية مؤثرة ليس في الشرق الأوسط فقط والخليج ولكن في شرق آسيا لوقف التمدد الروسي الصيني والبحث عن شراكة مع طهران تؤمن انسحابها من أفغانستان وهو ما يمكن أن يكون أحد تجليات التقارب الأمريكي الإيراني. ويرى الدكتور مجاهد أن الاتفاق يمكن أن يغير من ميزان القوي في الخليج حيث يتضمن تغيرا غير معلن من واشنطن والاتحاد الأوروبي بأن تصبح إيران لاعبا إقليميا وطرفا مباشرا مشروعا في قضايا المنطقة وترتيباتها الأمنية ولعل ما صرح به الرئيس الإيراني في رغبة إيران في عمل ترتيب أو إطار إقليمي يضم دول مجلس التعاون وإيرانوالعراق لصياغة ترتيبات الأمن في المنطقة دليل واضح على ذلك. ويرصد الدكتورمحمد عز العرب الباحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام فى الندوة ذاتها حزمة من التداعيات الناتجة عن توقيع الاتفاق النووي الإيراني الغربي على منطقة الخليج على النحو التالي: أولا : تزايد الهيمنة الأقليمية لإيران : إن مبعث قلق بعض دول الخليج يتمثل في تركيز الاتفاق على المصالح الأمريكية دون مراعاة هواجس دول الخليج، لاسيما فيما يتعلق بتعاظم نفوذ إيران دون ضمانات لأمن دول مجلس التعاون الخليجي ، بحيث يميل ميزان القوى لصالح طهران في الشرق الأوسط بعد ثلاثة اعوام من الاضطرابات التي أضعفت الدول العربية الكبرى (مصر وسورياوالعراق ) بعبارة اخرى، إن ثمة تخوفات خليجية بأن يكون هذا الاتفاق غير قاصر على البرنامج النووي الإيراني بل يشمل ملفات إقليمية تعتبرها أحد الأوراق الرئيسية سواء في سوريا أو لبنان أو العراق أو اليمن تم التباحث بشأنها في المباحثات السرية بما يمنح إيران أدوار تدخلية متزايدة في الملفات الإقليمية، ويعطي يمنح الاتفاق طهران هامشا أكبر للمناورة، ويترك قدرة فيلق الحرس الثوري الإيراني على التدخل في الدول الخليجية من دون رادع، وهو ما يكون على حساب المصالح الخليجية ، لاسيما وأن هناك تصريحات تعكس استعراض "أوضاع القوة الجديدة"، ليس بالضبط ضد دول الخليج وإنما ضد ما تعبره طهران دول معادية مثل إسرائيل حيث صرح هاشمي رفسنجاني بأن إسرائيل سمكة صغيرة لا تأكل إيران الضخمة([1]). ثانيا :تجنيب المنطقة حرب خليجية رابعة. إن أبرز تأثيرات هذا الاتفاق هو تجنب "سيناريو الجحيم" الناتج نشوب حرب إقليمية دولية، إذ تجد دول الخليج نفسها مضطرة للاستعداد لاحتمال اندلاع حرب في المنطقة لا تريدها، في ظل التصعيد المتبادل بين إيران من ناحية والولاياتالمتحدة وإسرائيل من ناحية أخرى، على نحو كان يوحي بقرب استعدادات لتوجيه ضربة عسكرية لطهران، على اعتبار أن دول المجلس ستكون أحد الأطراف الرئيسية المتضررة من الحرب اقتصاديا وسياسيا وبيئيا. ثالثا: التوصل إلى تسوية إقليمية بشأن الأزمة السورية: إن واحدا من السيناريوهات المحتملة بشأن التوقيع على هذا الاتفاق هو خسارة دول الخليج لهدف رئيسي لها وهو الإسراع لإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، بحيث بات ممكنا التوصل لحل سياسي للأزمة السورية، بعد تراجع أو تضاؤل إمكانية توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد، والتي كانت وشيكة قبل عدة أشهر، بما يجعل دور هذا الاتفاق هو تفكيك التحالفات الإقليمية في سوريا. ويطرح الدكتور عز العرب رؤيته لسياسات دول الخليج في مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي الغربي والتى تتجلى فيما يلى : * استمرار دول خليجية، وتحديدا السعودية والإمارات، في نهج عدم إتباع سياسات إقليمية، تتماشى كلية مع الخطوط العريضة لاستراتيجية الولاياتالمتحدة، بحيث تكون هناك سياسات إحادية من شأنها، في بعض الحالات، أن تتعارض مع مصالح الولاياتالمتحدة، وهنا، تدرك عدد من دول الخليج أنها صارت فواعل رئيسية في ميزان القوى في الإقليم، وليس مجرد أن تكون مجرد طرف في لعبة توازن المصالح * تنويع التحالفات الدولية للدول الخليجية: فثمة أصوات تدعو إلى إقامة علاقات أوسع مع روسيا وفرنسا كوسيلة لموازنة "الدفء" في العلاقات الأمريكيةالإيرانية، وهي ليست أصوات جديدة بل تتماشى مع اتجاه عام يرى أن دول الخليج تحاول توسيع اتصالاتها وعلاقاتها مع الصين وفرنسا وإيطاليا والهند وروسيا غير أن دول الخليج سوف تستمر في نهج التعاون الدبلوماسي والدفاعي مع الولاياتالمتحدة في المستقبل المنظور . * تطوير الأطر التنظيمية الخليجية من خلال البدء في تطوير القدرات الذات الخليجية بشكل تدريجي من خلال زيادة قوة درع الجزيرة وتنمية قدراتها وتعديل مهامها لتعمل كقوة تدخل سريع لتأمين الأهداف الحيوية في دول مجلس التعاون الخليجي * السعي لامتلاك برامج نووية خليجية وهو ما تجسد فى بروز دعوات في الصحف الخليجية والعربية التي تمولها دول خليجية للتجهيز للمشروع النووي السعودي والإماراتي، لموازاة المشروع الإيراني ينجح الاتفاق في منع إيران من تصنيع قنبلة نووية فإن السعودية ودولا أخرى ستسعى لامتلاك واحدة على الأرجح".