استحوذ المخرج الفلسطيني هاني أبوأسعد على اهتمام ومشاعر صناع السينما في عام 2005 بفيلمه "الجنة الآن" الفائز بإحدى الجوائز والذي تدور قصته عن رجلين يستعدان لمهمة "انتحارية" في إسرائيل. بعد ثماني سنوات عاد أبوأسعد ليكشف عن آفاق جديدة بفيلمه "عمر"، أول فيلم روائي تموله صناعة السينما الفلسطينية الناشئة بالكامل. ويدور جزء من الفيلم الذي تم تصويره في ظل جدار الفصل الإسرائيلي الذي يمتد بشكل متعرج عبر الضفة الغربية عن قصة حب، والجزء الآخر يعد قصة سياسية مثيرة. وعرض الفيلم لأول مرة هذا الأسبوع في مهرجان كان السينمائي، حيث استقبل بحفاوة بالغة وتصفيق حار. وفي حين أن فيلم "الجنة الآن" تناول الأسباب التي تدفع الشباب الفلسطيني إلى ارتداء أحزمة ناسفة فإن فيلم "عمر" يتناول الأسباب التي تدفعهم للتعاون مع العدو. وقال المخرج "51 عامًا"، الذي قضى عدة سنوات في هولندا، ويعيش الآن في الناصرة، في إسرائيل لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) إنه استوحى فكرة الفيلم من واقعة رواها له أحد أصدقائه. وأضاف: "قال لي إن أجهزة الاستخبارات حاولت إجباره على التعاون؛ لأنهم كانوا يعرفون سرًا عنه، وهو الأمر الذي من شأنه يتسبب في فضيحة لعائلته، لم يعرف ماذا يفعل، ثم قال، إنك تعرف ماذا أفعل، سوف أدمر عائلتي، ولكن لن أصبح متعاونًا مع العدو". وتابع: "لقد كانت قصة جيدة وفكرت: ماذا سأفعل؟ لأنني أنا أيضا لدي أسرار، كل شخص لديه أسرار، وبدأت أفكر في عمل قصة حول هذا الموضوع". لكن أبوأسعد تردد، فعلى الرغم من نجاح "الجنة الآن"، فإن تصوير الفيلم في الضفة الغربية - الذي كان محفوفًا بمخاطر تعرضهم لحوادث كادت تصيب طاقم العمل مثل استهدافهم بصواريخ وألغام أرضية وأخطار أخرى، جعله خائفًا من الأسلحة النارية وأصواتها. واعترف أبو أسعد قائلا: "كنت حقًا متعبًا نفسيًا بعد الفيلم". ولحسن الحظ، فقد كانت عملية تصوير فيلم "عمر"، الذي تم في الضفة الغربية وإسرائيل، "مثالية". ويروي الفيلم قصة خباز شاب يدعى عمر، متيم بفتاة فلسطينية على الجانب الآخر من الجدار الفاصل. ويسعى بشكل منتظم إلى تفادي الرصاصات التي يطلقها جنود من اجل تسلق الجدار لرؤية الفتاة، ويتحدث الشاب والفتاة بحماس عن الزواج. لكن خططهما تنحرف عن مسارها عقب اعتقاله بسبب تورطه في هجوم على الجيش الإسرائيلي قتل فيه جندي. يتعرض عمر للتعذيب في السجن من أجل الإدلاء بمعلومات، ثم يتم الضغط عليه ليصبح مخبرًا. يبدأ عمر في ممارسة لعبة القط والفأر مع الشخص الإسرائيلي الذي يحاول تجنيده، في الوقت الذي يحاول إثبات أنه ليس "خائنًا"، بينما يشاع في الشارع أنه كذلك. ويعد فيلم "عمر" أقل حدة سياسيًا عند مقارنته بفيلم "الجنة الآن"، الذي وجهت إليه تهم بشكل متنوع بأنه متعاطف جدًا مع الانتحاريين، أو منتقد جدًا لهم. ولكن نظرًا لحساسية الموضوع فإن الفيلم حتما سيؤدي إلى إثارة جدل، لا سيما على الجانب الفلسطيني من الجدار. وقال أبوأسعد أنه لا يخشى رد الفعل. وأضاف: "المجتمع الفلسطيني منفتح جدًا، وأكثر انفتاحًا بكثير مما تعتقد، نحن منفتحون جدًا على الانتقادات". ويسود في كلا الفيلمين شعور بأن الشباب متخبطون، وليس لهم هدف في الحياة. ووفقًا لأبوأسعد، فإن المناخ العام في الضفة الغربية أصبح أكثر سوءًا منذ "الجنة الآن". فالرجل العادي مكتئب ويائس جدا. ويحمل أبو أسعد كلا من القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية مسئولية هذا الوضع. وأوضح أبو أسعد: "الإسرائيليون لا يفقدون الأمل، فهم يواصلون بناء الجدران والمستوطنات وإقامة نقاط التفتيش". وفي الوقت نفسه، يترك قادة وزعماء فلسطينيون الشباب لقيادة "النضال" الذي غالبا ما يكون له عواقب وخيمة. وتابع أبوأسعد: "عندما تترك الشباب وحدهم لاتخاذ مثل هذه القرارات الصعبة، فإنهم سيفشلون. يجب على من هم أكبر سنًا ونضجًا أن يعودوا لقيادة النضال". ويعتبر هذا هو فيلمه الأول الذي يصوره بالاستعانة بطاقم أغلبه فلسطينيون ومعظمهم دخلوا عذا المجال حديثًا. وأردف قائلا: "لقد كانت مخاطرة كبيرة. في بعض الأحيان قلت لنفسي، "يا إلهي، ماذا أفعل؟" ولكن عندما أرى النتائج أصبح سعيدًا جدًا لأنني خاطرت".