جاءت استقالة المستشار أحمد مكي من منصب وزير العدل اليوم ليخلط أوراقا كثيرة حول القضاء وعلاقته بالحكم الحالي.. وحول الرجل الذي كان رمزا من رموز الاستقلال في نهايات عهد مبارك ثم أصبح وزيرا للعدل في أول حكومة في عهد الرئيس محمد مرسي. ولأنه يتميز بالصراحة فلم تخل تصريحاته الإعلامية منذ جلوسه على قمة هرم العدل في مصر، من العبارات التي تثير مايشبه الزوبعة، في الشارع المصري، خاصة حين أعلن أنه يميل إلى العفو عن الرئيس السابق حسني مبارك، والتصالح معه بدعوى "الصلح خير"، مقابل رد الأموال التي تم نهبها من الشعب المصري، فضلا تأكيده إمكانية إجراء استفتاء شعبي للعفو عن مبارك. ولد مكي في الخامس من يناير لعام 1941، وتدرج في المناصب القضائية منذ تخرجه في كلية الحقوق جامعة الإسكندرية عام 1961، حيث تم تعيينه فور تخرجه معاونا بالنيابة العامة، وتدرج في المناصب إلى أن عين مستشارا في محكمة النقض المصرية في 20 أغسطس 1985، ثم نائبا لرئيس محكمة النقض اعتبارا من 3 ديسمبر عام 1989، قبل جلوسه على كرسي وزير العدل ضمن وزارة هشام قنديل التي تشكلت في الثاني من أغسطس من العام الماضي. وتولى المستشار مكي رئاسة محكمة القيم، فضلا عن عضويته بمجلس القضاء الأعلى خلال العام القضائي 2010- 2011، نظرا لأقدميته بين مستشاري محكمة النقض التي أوصلته إلى منصب النائب الثاني لرئيس محكمة النقض، إلى أن أحيل للمعاش في 30 يونيو 2011 بعد بلوغه سن التقاعد الرسمي في سلك القضاء والمحدد ب70 عاما. وبعد 3 أشهر من جلوسه على كرسي وزير العدل، حدثت أزمة الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي، وكان مكي من أبرز الرافضين للطريقة التي تم بها صياغة الإعلان الدستوري، وقال إنها سبب الأزمة التي حلت بالبلاد. وبعد عقد نادي القضاة جمعية عمومية طارئة، للرد على الإعلان الدستوري، تسببت تصريحات مكي في وقوع مشكلة بينه وبين النادي، خاصة عندما قال إن الجمعية العمومية، بمثابة مسرحية. وقبل أسابيع، عقب مقتل الناشط محمد الجندي، أطلق مكي تصريحا خطيرا بتأكيده أن اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، هو الذي طلب منه أن يقول إن الجندي توفي نتيجة حادث سيارة، وليس بسبب التعذيب. وقبل تولي مكي مسئولية وزارة العدل، هاجم المحكمة الدستورية بشدة، إبان حكمها الذي قضي بحل مجلس الشعب، ووصفه بال"الخاطئ"، وليس له سابقة، وأن الرئيس له الحق في إلغاء قرار الحل. كان مكي من أبرز المؤيدين للتصالح مع رموز نظام مبارك، شريطة ألا يكون التصالح في أمور تتعلق بالدماء، مثل قضايا قتل المتظاهرين. وفي حوار متلفز على فضائية الجزيرة، قال إنه يميل للعفو عن مبارك، مضيفا أن العفو حق أصيل ووحيد لولي الدم. واعتبر أن العفو عن الجرم السياسى لمبارك حق للشعب المصرى، ولا بد من موافقة الشعب المصرى عليه ولو عن طريق الاستفتاء على العفو السياسي، وقال: "العفو فضيلة يجب الاحتذاء بها ولكن لا يمكن فرضها". ومنح مكي للرئيس مرسي مشروعية العفو عن مبارك، وقال إن ذلك حق أصيل له، لكنه أضاف: "العفو الرئاسى ليس فضيلة ولكنه يكون حسب تقدير المصالح والمنافع التى ستعود على الدولة". كان من بين تصريحاته النارية، أنه قال على قناة الحياة: "صلاحيات مرسي حبر على الورق"، وحين ازدادت حالات تطبيق حد الحرابة، خرج غاضبا عبر وكالة أنباء الأناضول ليقول: "الدولة توفت، والحكومة التي لاتمنح الحق لأصحابه هي حكومة ظالمة"، في إشارة لحكومة قنديل. مكي الذي تقدم باستقالته، رأى أن مؤيدي ومعارضي الرئيس لايريدون استمراره في منصبه، فاستجاب لمطلبهم، وزاد من إصراره عليها، تلك الخطوة التي أقدم عليها مؤيدومرسي بالدعوة إلى تطهير القضاء يوم الجمعة الماضي، وهو ما جعل العبء يزداد على مكي، فقال إنه آن الأوان أن يزيل العبء عن كاهله.. وهو ماحدث بالفعل.