سبقت الصومالأمريكا بأيام وأعلنت حالة الطوارئ، وقد أعلنتها الأخيرة لمواجهة خطورة متحور "أوميكرون"، والصومال أعلنتها خوفًا من تعرضها لأزمة إنسانية بالغة ناتجة عن موجة جفاف تضرب أراضيها. وأسفرت إرهاصات هجماتها الأولى عن موت آلاف الماشية وسقوط بعض المواطنين، ويزيح سكان الصومال عن عيونهم تكرار شبح أزمة المجاعة، التي مرت بها البلاد عام 2011، وقضت على حياة ربع مليون صومالي. والصومال لا يسعفه الوقت حتى يلتقط أنفاسه ويستريح لبضع سنوات قليلة، فبعد اندلاع الحرب الأهلية فيها مع بداية التسعينيات، تدخل أمريكا بقواتها بحجة إخمادها، ولم تلبث عدة شهور وتنسحب، وتترك الصومال أسوأ وضعًا من السابق، ويصبح كل شبر فيها عبارة عن ساحة حرب بين طامعين وإرهابيين. ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه، والتفجيرات تدوِّي الآن في مقديشو، والجفاف يزحف على أرضها، كما كان الحال في مطلع القرن الحالي، فلم تهدأ الحرب أثناء هجمة الجفاف على البلاد، ويفشل صوت العقل في لجم صوت المدافع، وأهل الصومال يتساقطون صرعى الجوع. والشكوك تحوم حول جدية تلبية النداء المعلن حاليًا من برنامج الغذاء العالمي، ويطالب فيه أثرياء العالم بتقديم 6.6 مليار دولار على سبيل المساعدة، وذلك تجنبًا لكارثة وشيكة الحدوث، وفي حال تأخر وصول المساعدات يتوقع المراقبون موت 42 مليون شخص على فترات متقاربة. ويرصد في الصومال وحدها نحو 7.7 مليون مواطن مهددين بالأمراض والمجاعة، جراء الجفاف وهجوم الجراد، ومنذ عدة سنوات حذر من تعرض بحيرة تشاد للجفاف، وتعتبر أهم مورد اقتصادي ومائي لأكثر من 20 مليون شخص يعيشون على البحيرة، وحكومتها تطالب في الوقت الحاضر بسرعة الإنقاذ. وكانت الجهات الدولية تتسول طوال الفترة الماضية لإنقاذ بحيرة تشاد بشكل عاجل، وتنفست أخيرًا الصعداء الدولُ المتضررة من جفاف البحيرة، حين تعهد مؤتمر المناحين بأسلو في عام 2018 بجمع 1.4 مليار يورو. وتمخض الجبل بعد مرور عدة شهور عن حفنة قليلة من الملايين لعلاج محدود لبعض آثار جفاف بحيرة تشاد، ومازالت مناطق مختلفة عبر تشاد تعاني مرارة الجفاف، وينتظر أهلها حلم تبرع أثرياء العالم. ومناشدات الهيئات الغذائية والإغاثية كمن يزعق في مالطا، وقد اجتمعت المرة تلو المرة، وتكتب التقارير حول تضخم كارثة المجاعة، ويغض العالم المتقدم طرفه عن الفقراء والمشردين ضحايا سياسته الاستعمارية، والتي تتنوع صورها عبر الأزمنة، ولا أمل في توقفها أو حتى الحد منها، وسجل التقرير الأخير لهذه المنظمات أسماء 16 دولة مهددة بالجوع الحاد، ولو تعرفنا على أسمائها، لتأكدنا بما لا يدع مجالاً للشك من صدق نوايا الدول العظمي الاستعمارية. أما الرعب من كورونا فيجعل هذه الدول في تسابق ليس فيه هوادة للشفاء منه، وتنفق المليارات أملًا في القضاء على المرض، وهو أمل نتمنى تحقيقه على وجه السرعة، ولكن في المقابل يتعلق 42 مليون جائع بقشة تبرُع أثرياء العالم لإنقاذهم من موت محقق. Email: [email protected]