يقدم الشاعر اللبناني جوزف حرب في مجموعته الجديدة "كم قديم غدا" قصائد تراوح في شعريتها بين مؤثر موح ورومانسي في حزنه وبين أخرى تبدو ميكانيكية منسوجة بشكل منطقي آلي. وقصائد المجموعة الحالية قد لا تختلف كثيرا من حيث النمط والمحتويات الفكرية عن نتاج جوزف حرب الأخير السابق في سيطرة جو الحزن وسمات رومانسية أخرى عليها مع نماذج أخرى يطل منها جو يوحي بآلية مدروسة باردة. إلا أن النتاج عامة يبقى متميزا بسمات تبرز عند جوزف حرب ومنها الصور الموحية والعاطفية المغرقة في الحزن والشعور بالوحدة والوحشة. والديوان على غرار دواوين جوزف حرب الأخيرة ورد في غلاف سميك وورق صقيل وجاء في 345 صفحة متوسطة القطع وصدر عن دار رياض الريس للكتب والنشر في بيروت. وفي بعض القصائد تركيز على الجسد الانساني النسائي وربط بينه وبين بعض مظاهر الطبيعة. في القصيدة الأولى التي حملت عنوان (ياسمينة) يقول جوزف حرب "عند سياج بيتي/ ياسمينة/ اقطف زهرها الزبدي/ لنهدي/ جارتي/ ونبيذها/ الاسود. "يا جارتي/ ياسمينتي/ مريضة/ إغسلي/ مطيبات ثيابك/ وانشري/ عليها /منهدتك/ الزرقاء/ وحريرتك/ الصغيرة". وفي قصيدة (اذا سمعت) نجد هذا الجو نفسه ونستشف في الوقت عينه شيئا من النرجسية. يقول الشاعر "اذا سمعت/ وانت تزورني/ رنين اساوري/ فكّ ازرار قميصي." وفي قصيدة (مشبك) الاجواء ذاتها. يقول الشاعر "من انقطاع/ مشبك منهدتي/ اعرف انك اليوم/ ستأتي." في قصيدة (الوردة) تصوير موح يذكر القارىء بأجواء بعض قصائد شاعر العامية الراحل ميشيل طراد. يقول حرب "تعبت/ من ركضها/ في النسيم/ وردة الحديقة/ طائر الكرز/ ينحني/ منقاره الاخضر/ ليحل شريط الخرز/ في صندل الوردة". وقصائد الديوان بعضها ذو ايقاع واضح وقافية أحيانا وبعضها الأخر على نمط قصيدة النثر.. في قصيدة (بيتان) ذات الايقاع وبعض التقفية يصور الشاعر في البداية البيت القديم ثم يتبعه بتصوير البيت الجديد. في القسم الأول أي البيت القديم يبرز تصوير انساني جميل حافل بالإيحاء ومشاعر الأسى والفقد، القصيدة تأتي على نمط قصائد قرأناها عند شعراء قبله ومنها قصيدة (بيتي) لنزار قباني وقصيدة (بيت جدي) لبدر شاكر السياب. يقول جوزف حرب "اعود/ لباب منزلنا القديم/ مشقق الالواح/ محني/ شعرت كأنني عكازه/ شيخ/ يمد يديه نحوي/ من؟/ ابي؟/ مازلت حارس بيتنا رغم الغياب؟/ ولم تزل تأتي/ وبين يديك ارغفة المساء؟/ وسكّر الاسبوع؟/ لم تتعب؟!/ تجاعيد/ السنين ازددن حفرا فيك. /رائحة الاصابع/ فاح منها/سبحة الصلوات /في جرس الغروب/ افتح يديك لكي/ ارى بيتي القديم/ الباب مدّ يدي ابي نحوي/ وطوقني/ بكيت/ ولم أزل للآن أشعر بأنني/ ولد يعانقني. "دخلت البيت/ فاحت كل رائحة السنين:/ هنا وسادتي/ لقمتي/ ثوبي وكرسيّ التي ما زال ظلي/ جالسا فيها/ وطاولتي/ وريشة بيض اوراقي/ومحبرتي/ واذ بيد/ تمر على جبيني/ مقلتي / شفتي/ فذقت بطعم اصبعها الندية/ طعم سكّرتي/ فيا امي/ أما زالت يداك هنا؟/ وفوقهما يفوح/ ضباب مبخرتي...؟ "ويصعد في هذا الدمع/ اسمع دق باب البيت/ من؟/ وإذا هي الأحزان/ زائرتي/ وندخل في البكاء/ معا/ باخيلتي." أما البيت الجديد الرائع فلا يثير في النفس شيئا من هذه المشاعر فكأنه مكان بلا ذاكرة تحتضنه. في قصيدة (ذاك البعيد) ذات الإيقاع والتقفية أحزان رومانسية ووحشة ووحدة. يقول الشاعر "ذاك/ البعيد/ كيف/ الوصول/ إليه/ لا سفن/ ولا ريح/ وليس لديك إلا أن بيتك/ في البعيد/ ولا طريق/ إلى البعيد. "هذي الاقامة ها هنا موت/ وليس لدي الا انني/ رجل وحيد/ حولي اكاليلي/ وشمعي/ والتذكر/ ليس بيتي ها هنا. ما ها هنا/ إلا المراثي/والبكاء عليّ/ والجرس الحزين/ وإنني/ رجل وحيد/ بيتي البعيد". ويتحول الأمر أحيانا عند الشاعر الى لعبة رسم فكرية منطقة وآلية. في قصيدة (طفلة) يقول الشاعر "فوق الدفتر/ عند الصبح/ رسمت/ ماء بحيرة/ في الماء/ رسمت بجعة/ قرب الماء/ رسمت شجرة/ رسمت قبل الماء/ شروق الشمس/ شاهدت الدفتر/ عند الظهر/ فرأيت الشمس/ فوق الماء/ ورأيت البجعة/ تحت الشجرة "شاهدت الدفتر/ عند غروب الشمس/ فرأيت مساء احمر/ فوق الماء/ ورأيت البجعة/ في الشجرة." وفي قصيدة (اجنحة) النمط الفكري نفسه انما بإيقاع وتقفية.. يقول "لا فم لي/ لي وكر/ كأنه بيت يمام/ فإن هممت مرة/ أن أفتحه/ لا يخرج الصوت كلام/ بل أجنحه." وتبرز الفكرة المنظومة ايضا في قصيدة (ارواح) حيث يقول الشاعر "الطيور/ أرواح الذين ارتحلوا/ في هذه الريح/ تطير.