بين تجربته الأليمة وهو طفل فى السابعة من عمره، عندما توفيت خالته وهى فى الثانية والعشرين من عمرها بسبب ضيق فى صمام القلب، وتعذر علاجها فى مصر، وبين منح الرئيس مبارك له اليوم قلادة النيل –أعلى الأوسمة المصرية– سنوات طويلة.. وصلت لنحو 68 عاما.. إنه البروفيسور مجدى يعقوب جراح القلب العالمى، الذى أكمل تعليمه فى أوروبا، وعمل فى أكبر مستشفياتها، ثم عاد لينشئ مركزا لجراحات القلب فى أسوان، يعالج الجميع فيه بالمجان، عرفانا بالجميل ووفاء لمصر ورحمة بفقرائها، فاستحق قلادة النيل. ولد الجراح العالمى فى نوفمبر 1935 ببلبيس، لعائلة قبطية أرثوذكية، تنحدر من أصول صعيدية، وتحديدا محافظة أسيوط، وبعد أن حصل على بكالوريوس الطب فى جامعة القاهرة عام 1957 سافر ليكمل تعليمه فى شيكاغو، ثم انتقل إلى بريطانيا عام 1962، ليعمل بمستشفى الصدر بلندن، ثم أصبح أخصائى جراحات القلب والرئتين فى مستشفى هارفيلد، وبعدها عمل مديرا لقسم الأبحاث العلمية والتعليم، ثم أستاذا فى المعهد القومى للقلب والرئة عام 1986. اهتم يعقوب بتطوير تقنيات جراحات نقل القلب منذ عام 1967، وقام فى 1980 بعملية نقل قلب لمريض يدعى "دريك موريس"، الذى أصبح أطول مريض نقل قلب أوروبى يظل على قيد الحياة حتى وفاته فى يوليو 2005. منحته الملكة إليزابيث الثانية لقب "فارس" فى 1992، وهذا اللقب يطلق عليه فى الإعلام البريطانى لقب "ملك القلوب". وحين بلغ يعقوب 65 سنة اعتزل إجراء العمليات الجراحية، واستمر كاستشارى ومنظر لعمليات نقل الأعضاء، لكنه قطع اعتزاله العمليات فى 2006 ليقود عملية معقدة تتطلب إزالة قلب مزروع فى مريضة بعد شفاء قلبها الطبيعى. يذكر أن يعقوب حاصل على زمالة كلية الجراحين المليكة بلندن، وحاصل أيضا على ألقاب ودرجات شرفية من كل من جامعة برونيل، وجامعة كارديف، وجامعة لوفبورا، وجامعة ميلساكس البريطانية، وكذلك من جامعة لوند بالسويد، إلى أن وصلت درجات التقدير له، بأن تم تخصيص كراس شرفية له فى جامعة لاهور بباكستان، وجامعة سيينا بإيطاليا. وكان شهر أكتوبر 2007 قد شهد منح الدكتور مجدى يعقوب، جائزة فخر بريطانيا، والتى تم تقديمها بحضور رئيس الوزراء البريطانى، تلك الجائزة التى تمنح للأشخاص الذين ساهموا بأشكال مختلفة من الشجاعة والعطاء، أو ممن ساهموا فى التنمية الاجتماعية والمحلية، ووقتها ارتأت لجنة التحكيم أن الدكتور المصرى يعقوب قد أنجز أكثر من 20 ألف عملية قلب فى بريطانيا، وساهم فى عمل جمعية خيرية لمرضى القلب والأطفال فى دول العالم النامية، ولا يزال يعمل فى مجال البحوث الطبية. وتم تسليم الجائزة بحضور العشرات من الأشخاص الذين ساهم الدكتور يعقوب فى إنقاذهم من على خشبة المسرح. ومن أهم إنجازات الدكتور يعقوب فى جراحات القلب نجاحه فى تطوير صمام للقلب باستخدام الخلايا الجذعية، هذا الاكتشاف الذى سيسمح باستخدام أجزاء من القلب تمت زراعتها صناعيا فى غضون ثلاثة أعوام، ووقتها كشف الدكتور يعقوب عن إمكانية اكتشاف زراعة قلب كامل باستخدام الخلايا الجذعية. وقد ساهم فى زيوع صيت الدكتور يعقوب اهتمامه بإجراء جراحات مجانية فى الدول النامية وخصوصا فى بلده مصر، وبصفة خاصة للأطفال الذين لا يستطيع ذووهم تحمل التكاليف الباهظة لهذه العمليات. كما استمر سفر الجراح العالمى على رأس فرق طبية باسم قاطرة الأمل لإجراء جراحات معقدة فى قلوب أبناء مصر وغيرها من الدول. كما ساهم فى تأسيس وحدة رعاية متكاملة فى مستشقى قصر العينى لعلاج التشوهات الخلقية فى القلب. وأخيرا كان قيامه بإنشاء مركز عالمى للقلب المفتوح فى محافظة أسوان، وقام بإجراء عشرات العمليات الجراحية المجانية، ليس لأبناء الصعيد فحسب، وإنما لأبناء مصر عامة، صغيرا وكبيرا، مسلما ومسيحيا، والأهم، أن الدكتور يعقوب قرر تنظيم زيارة شهرية للمركز لإجراء عمليات القلب للحالات التى ستتم مناظرتها من مختلف المحافظات والتى تحتاج إلى تدخل جراحى لإجراء العمليات لها داخل المركز، بالإضافة إلى إعلان يعقوب عن تعاون قريب بينه وبين الدكتور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل فى العلوم، فى مجال عمل أبحاث صمامات القلب باستخدام تقنية النانو تكنولوجى. وقد تابع الرئيس مبارك بنفسه، على مدار الأشهر الماضية، المبادرات التى قام بها الدكتور مجدى يعقوب لإنشاء مركز لجراحات القلب وتأسيس جمعية "سلاسل أمل" الخيرية ، التى تتولى علاج الأطفال ومرضى القلب والمحتاجين من مصر والعديد من الدول العربية، فضلا عن مبادرته بإنشاء مركز تعليمى وعلاجى متخصص في علاج الأطفال والحالات الحرجة لكبار السن وبمشاركة جراحين من مصر والعالم، وبرعاية هيئة تمريضية متخصصة من مصر ومختلف دول العالم. أخيرا، وليس آخرا، فإن إنجازات الدكتور مجدى يعقوب، لا تختذل فيما سبق، لكنها تحتاج وقتا طويلا لرصدها، وما سبق يستحق قلادة النيل عن جدارة، فالدكتور مجدى يعقوب زرع الخير والأمل، فحصد الشكر والقلادة.