ينتشر على صفحات الفيسبوك مقاطع فيديو وبوستات وحسابات مجهولة تدعو الشباب للدخول إلى عالم "الدارك ويب" أو "الإنترنت المظلم"، فضلا عن الظهور المكثف لمدونات ومنتديات إلكترونية تشرح كيفية الدخول إلى هذا العالم الإفتراضي المليء بمشاهد التعذيب والسرقة والقتل والإرهاب، وذلك دون النظر للمخاطر البالغة التي قد يتعرض لها المستخدمون العاديون نتيجة التعرض لهذه المحتويات الضارة.. لهذه الأسباب لا نريد أن نقول لكم أهلا بكم في هذا العالم الخفي على الشبكة العنكبوتية والذي تتصدره مواقع تروج للعنف والقتل على أيدي سفاحين مأجورين، ومواقع تسوق لسلع ومنتجات مسروقة وصفحات إعلانية خاصة لبيع المخدرات، وهو ما نريد أن نحذر منه بشدة من خلال السطور القادمة. دوت أونيون في البداية، تؤكد الكثير من الدراسات والتقارير أن المساحة المعروفة التي نتعامل معها على الإنترنت لا تشكل سوى 4% فقط من الحجم الطبيعي للشبكة العنكبوتية، أما النسبة المتبقية التي تمثل نحو 94% فهي تمثل هذا الجانب الخفي أو المجهول من الشبكة، والذي لا يمكن الوصول إليه من خلال المتصفحات العادية، وداخل هذه المساحة التي تحمل اسم "الديب ويب" أو الإنترنت العميق، يوجد "الدارك ويب" أو الشبكة المظلمة التي تنبت فيها كل أنواع الشرور بداية من مواقع التعذيب والسادية وتجارة الأطفال ومواقع التسويق المحرمة ومرورا بمواقع المافيا العالمية وانتهاءً بتنظيمات الجريمة والإرهاب العالمية. وأشهر المتصفحات التي يتم من خلالها الولوج لهذا الجانب الخفي من الشبكة يسمى "Tor"، وهو المتصفح الذي يُخفي هوية المُستخدم، ومن خلاله يتم الوصول إلى محتوى المواقع التي تحوي نطاقات تنتهي ب".onion" وهو الذي يقابل ".com" في المواقع العادية. فمثلا نحن نستعمل نظام Http:// وهو أشهر البروتوكلات للدخول إلى شبكة الانترنت وتصفح محتوياتها، ولكن في الديب ويب لن نجد www ولن نجد .com أو net.، ويسمح "الديب ويب" بإصدار المواقع الإلكترونية ونشر المعلومات بدون الكشف عن هوية الناشر أو موقعه، كما يمكن استخدام الإنترنت العميق لمشاركة المعلومات بشكل سري دون التعرف على هوية وموقع المرسل، ولهذا ينشط عليه المبلغون عن المخالفات أو المنشقون، أو من لا يرغبون في أن تتعقب أطراف ثالثة سلوكهم أو مصالحهم. وربما تخدم شبكات النت العميقة العديد من الأغراض الجيدة، لكنها أيضًا تجذب مستخدمي الإنترنت المظلم الراغبين في الحفاظ على أنشطتهم أو أسواقهم المخالفة للقانون. ويضم الديب ويب جميع المواقع والشبكات والصفحات والمنصات الإلكترونية التي لم تُدرج في محركات البحث المعروفة. وبعض هذه المواقع عبارة عن منصات تروج لأعمال غير مشروعة وهو ما يسمى ب "الدارك ويب"، والذي بسببه تتكبد الكثير من الدول خسائر فادحة نتيجة التعاملات غير المشروعة، وبحسب الكثير من التقارير فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية هي الخاسر الأكبر من "الدارك ويب" حيث تخسر وحدها قرابة 190 مليار دولار سنوياً من خلال السرقات المصرفية وعمليات غسل الأموال التي تتم من خلال الشبكة المظلمة. اختراق تفاصيل خاصة جدا ننقلها لكم من خلال تجربة حية وحقيقية للدخول إلى هذا العالم، حيث يحكي عبدالله عماد، أحد اليوتيوبرز المشهورين على السوشيال ميديا، لمجلة "الشباب" أنه نجح في الدخول إلى الديب ويب وتصفح الكثير من مواقعه، قائلا: الدخول على الديب ويب ليس صعبا جدا كما يتصور البعض، ولكن لا أنصح أحدا بالمحاولة، وقد دخلت على موقع "تور" ونجحت في تحميل نسخة أندرويد، ومن المتعارف عليه في الديب ويب أنه لا يدعم التسجيل أو التصوير أو النقل منه بمعنى أنك لا تستطيع أن تأخذ "سكرين شوت" مثلا لموقع معين أو لصفحة معينة، ولا يمكن تحميل صوت أو صورة وأي حاجة تأخذها إسكرين شوت تظهر سوداء، لكن أنا نجحت بفضل برامج معينة في اختراق هذه القيود، والحقيقة أن متصفح "تور" يقوم على فكرة "البصلة" ولذلك تنتهي المواقع الموجودة على هذا المتصفح ب ".onion" والمقصود من ذلك أن "الديب ويب" يضم طبقات وتوجد عليه خصوصية عالية جدا تماما مثل طبقات "البصلة" الملتفة حول بعضها من الداخل. المهم أنني دخلت على الديب ويب وكل المواقع الموجودة ضمن ما يُطلق عليه "الدارك ويب" لا يمكن الدخول عليها بسهولة إلا بعد دفع الاشتراك عن طريق "البيتكوين" أو العملة الرقمية، وحتى تتمكن من الدخول إلى هذه المواقع يجب أولا إنشاء حساب خاص بك ثم تدفع المبالغ المطلوبة حتى تستطيع أن تتمكن من الولوج إليها، ولكن أنا نجحت بطرق معينة من الدخول على نوعية معينة من هذه المواقع، وهي أغلبها مواقع شديدة الخطورة سواء على الناحية النفسية للإنسان أو النواحي المادية والأمنية. مواقع الشر ويضيف عبدالله: دخلت على موقع لاستئجار قتلة مأجورين على الديب ويب، وهو موقع غير موجود في الوطن العربي، وهو أشبه بسوبر ماركت للقاتلين المأجورين والسفاحين في كل أنحاء العالم، وتقوم هذه المواقع بعمل عروض للقتلة، وهم يعملون في دول كثيرة، ويؤكدون في هذا الموقع أنهم يمارسون أعمال القتل والخطف والسرقة والاغتصاب، ويواجهون المستخدمين بعبارات حادة مثل "تواصل معنا وقل لنا ماذا تريد، ولا تسأل كثيرا، فقط اعطي لنا معلومات عن الشخص المراد.. عندنا بزنس كثير والدفع بالبيتكوين".. وهناك موقع آخر يحمل اسم "وايت هاوس" وهو يعمل كوسيط بين المشترين والبائعين، ويتم التسجيل به بدون أي بيانات حقيقية، وهذا الموقع يقوم بتسويق المخدرات، والكوكايين، والقنب، والأوراق الرسمية المزورة، والرخص وجوازات السفر، ويقوم بعرض إعلانات غريبة مثل "لو عايز باسبور مزور لأي دولة في العالم ب 100 دولار"، كما يقوم ببيع الأسلحة وبرامج الكمبيوتر، وأحيانا يعرض صورا ل "فيزا" مسروقة ب 100 دولار في حين تستطيع أن تشتري بها بأكثر من 15 ألف دولار.. أيضا لو أردت أن تستأجر هاكرز حقيقيين لتنفيذ أي حاجة فإن الثمن يبدأ من 250 يورور والدفع بالبيتكوين، ويعلن الهاكر عن نفسه من خلال الموقع قائلا "أقدر أدمر حياة شخص، أدمر بزنس وشركات منافسة، ممكن أدمر حياة أي أحد اقتصاديا وأقدر أثبت أي تهمة لأي أحد .. قائمة الأسعار: وظائف صغيرة مثل سرقة حساب فيسبوك أو إيميل تبدأ من 250 يورو.. تدمير الأشخاص واختراق المواقع ب 500 يورو.. واختراق المواقع التي لها حماية يبدأ من 900 يورو" . وينصح عبدالله الشباب بعدم الإنسياق وراء الدعوات المشبوهة على السوشيال ميديا والتي تثير فضول البعض لدخول هذا العالم المليء بالشر والسواد، قائلا: الجزء المظلم من الديب ويب يضم أشخاصا نفوسهم مريضة ويريدون الأذى للآخرين وهم أشخاص بلا هوية حقيقية وبلا سمعة ولا يتصفون بأي مصداقية، وهناك تواجد أمني وملاحقات لمن يقوم بالتعامل مع مثل هذه المواقع التي تمتليء بأجهزة الاستخبارات العالمية، أيضا يمكن أن يتعرض أي شخص لسرقة حساباته البنكية أو حساباته على السوشيال ميديا أو بياناته الخاصة على هاتفه المحمول أو السقوط كفريسة للابتزاز والتهديد فضلا عن الإيذاء النفسي الناتج عن التعرض لمواقع تضم مشاهد تعذيب وحشية أو اغتصاب أو أشياء بعيدة تماما عن الفطرة الإنسانية السليمة، مع العلم أن هذه المخاطر موجودة أيضا في الإنترنت العادي فمن النصائح المهمة لأي شاب ألا يدخل على المنتديات أو مواقع تحميل الأفلام والمسلسلات أو المواقع التي تضم إعلانات كثيرة، كما أنه من المحظور أيضا أن يقوم بفتح أي لينك سواء على الواتساب أو على الماسنجر، فأغلب هذه اللينكات يكون الهدف منها تتبع الحساب الشخصي وسرقته. الجبل الجليدي أما نبيل بهاء الدين، الباحث في مجال الإنترنت والسوشيال ميديا، فيقول: الإنترنت الذي نعرفه أو المرئي بالنسبة لنا ربما لا يمثل سوى 1٪ مما هو موجود، فالشبكة العنكبوتية أشبه بالجبل الجليدي الذي تظهر منه قطعة صغيرة فوق سطح الماء أما بقيته فتكون تحت السطح وفي العمق، والذي يقع تحت السطح مباشرة يُطلق عليه الإنترنت العميق، وفي الأعماق السحيقة يقع الإنترنت المظلم، والإنترنت المرئي عبارة عن المواقع التي نتصفحها ومحركات البحث المعروفة ومواقع التواصل الاجتماعي وجميع المواقع التي تتم أرشفتها أي أنه الجزء الذي يستطيع الوصول إليه أي شخص بمجرد اتصال حاسوبه بالإنترنت. أما الإنترنت العميق فهو باقي المواقع التي تمثل المحتوى غير المؤرشف سواء كان محمياً أو أنه يصعب قراءته بسبب تعقيده، فمحركات البحث العادية مثل (جوجل، ياهو، بينج) لا تستطيع إيجاد تلك الصفحات والبيانات أو قراءة المحتوى بها، ومن جانب آخر فإن الإنترنت المظلم يتطلب دعوات للدخول إليه، وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال مهم وهو هل الشخص الذي يحاول الدخول عليه مجرد شخص هاوٍ أم محترف في الإنترنت؟ فلو كان محترفا فإنه قد ينجح في استخراج معلومات كثيرة وقد يستخدمها في أشياء لا أحد يعلمها، مع العلم أنه لكي يتمكن من شراء هذه البيانات أو بيعها فإنه يجب أن تكون لديه عملات مشفرة مثل "البتكوين" للتعامل في الإنترنت المظلم، وأحياناً تكون جميع البيانات مشفرة حتى بعد الحصول عليها وتحتاج لتقني محترف حتى يستطيع أن يفك طلاسمها. أما لو كان الشخص هاويا فهذه كارثة لأنه سيتم تتبعه من الإنترنت المظلم بواسطة مخترقين وهاكرز، وبالتالي سيكون صيدا سهلا لعمليات النصب والاحتيال والسطو على معلوماته وبياناته وصوره الشخصية وأخيرا حساباته البنكية، ومن الممكن أن يتم استهدافه وتهديده بالقتل.