هل تصورنا يوما أن يكون العالم خاليا من البشر؟! سيناريوهات عدة تخيلها العلماء، وجسدتها السينما منذ النصف الأول من القرن الماضى، فيما يُعرف بأفلام "الأبوكاليبس"، وهى كلمة يونانية الأصل وتعني الكشف أو إزالة الحجاب.. ومن الغريب أن هذه النوعية من الأفلام وجدت إقبالا جماهيريا، رغم نبؤاتها بنهاية العالم.. يُعَدُّ فيلم "نهاية العالم" أول فيلم سينمائي يجسد نهاية العالم، وهو دنماركي صامت تم إنتاجه عام 1916 يصور الفيلم كارثة في جميع أنحاء العالم عندما يمر مذنب خاطئ بجوار الأرض ويسبب كوارث طبيعية واضطرابات اجتماعية، وربما استوحى فكرته من مذنب هالى الذى مر بالأرض عام 1910، والذى يمر على الأرض مرة كل 75 عاما، وتصحبه دائما مخاوف من اصطدامه بالأرض ونهاية العالم، كما أنه جاء مواكبا لأحداث الحرب العالمية الأولى والتي كانت في ذاتها "أبوكاليبسا" حقيقيا يعيشه الإنسان للمرة الأولى. بالطبع مر العالم بما هو أخطر من "أبوكالبيسية السينما" في أثناء الحرب العالمية الثانية ، كانت الحرب النووية هي كابوس العالم منذ هيروشيما وناجازاكي، إنها الأبوكاليبس الأكثر احتمالية منذ نهاية الأربعينيات والذي أخذ يزداد حتى وصل إلى ذروته خلال الحرب الباردة بين أميركا وروسيا. علميا، كان عالم النفس كارل جوستاف يونج، هو عالم نفس سويسري ومؤسس علم النفس التحليلي على موعد مع هذه "الرؤية القيامية" في سبتمبر من عام 1913 ، إذ تصور مشهد أوروبا وهي تتعرض للتدمير بفيضان كارثي. وبعد عدة أشهر من هذه الرؤى، تندلع الحرب العالمية الأولى.. في روايته The Sense of an Ending وتعنى "الإحساس بالنهاية" للكاتب البريطاني جوليان بارنز التى صدرت عام 2011 ونشرتها سلسلة "عالم المعرفة" فى العام نفسه، يتحدث باؤنز عن أننا نعيش في زمن وثقافة "الأبوكاليبس"، ربما أكثر من أي زمن آخر مضى، فهناك دائما نهاية تقترب وهاوية تحدق فينا. صار العالم تربة خصبة للأبوكاليبس، يستطيع أن يمد جذوره في أرض السياسة، الاقتصاد، البيئة وتغيراتها العنيفة، فيروسات أكثر غموضا وشراسة تتحور عن أخرى أَلِفناها طويلا، وكورونا شر مثال يُحتضر..إنها نهاية ممكنة قد تهب علينا من أي مكان، حتى ولو من الصين! وبالعودة إلى التساؤل الذى طرحناه عن الحياة فى الأرض حين يختفى البشر، يرد العلماء أنه لو أن جميع البشر على قيد الحياة اختفوا من وجه الأرض، سيصبح العالم مكانًا مختلفا تماما، ويضعون لذلك التصور سيناريوهات مذهلة تمتد حتى 6 بلايين سنة!! فماذا يقولون فى تنبؤاتهم أو بالأحرى تصوراتهم؟ ففي ساعات قليلة ستنطفئ جميع الأنوار حول العالم، لأن محطات الكهرباء ستتوقف عن العمل، وسيغطي التراب لوحات توليد الطاقة الشمسية في نهاية المطاف، ولن يتبقى سوى محطات الكهرباء التي تعمل بالطاقة الهيدروليكية.. وبعد بضعة أيام ستغرق الفيضانات محطات القطار تحت الأرض لأن المضخات التي تحبس المياه ستتعطل، وبعد عشرة أيام ستموت الحيوانات الاليفة وحيوانات المزارع جوعا، وستظهر كلاب ضخمة تصطاد الحيوانات الاخرى! وبعد مرور شهر، سيتبخر نظام التبريد في محطات الطاقة النووية، مما سيؤدي إلى سلسلة من الكوارث حول العالم، أقوى من انفجار مفاعل تشيرنوبل النووى فى عام 1986 وزلزال فوكوشيما فى اليابان الذى تسبب فى تسونامى وقتل 18 ألف شخص عام 2011 وتسبب في كارثة نووية هى الأخطر منذ قنبلة هيروشيما ، ولكن الكوكب سيتعافى من التلوث الاشعاعي.. وبعد مرور سنة؛ ستبدأ الأقمار حول الأرض في السقوط من مدارها، ما يؤدي إلى ظهور شهب خاطفة في السماء.. وبعد 25 سنة ستغطي الخضرة الأرض وتدفن الرمال بعض المدن.. وبعد 300 سنة ستنهار المباني والكباري والأبراج الحديدية بسبب الصدأ.. وبعد 10 آلاف سنة سيكون الدليل الوحيد على وجودنا هي ما صنعناه من الحجر، كالأهرامات في مصر وسور الصين العظيم وجبل راشمور في الولاياتالمتحدة.. ولو تجنبت الأرض "ضربة قاضية" على الحياة مثل نهاية العالم أو كويكب مميت مثل مذنب هالى، يمكن أن تستمر الحياة على الأرض لمدة 500 مليون سنة أخرى.. وبعد 6 بلايين سنة من الآن يتوقع العلماء أن تتحول الشمس إلى عملاق أحمر يُغلف الأرض حينئذ.. طبعا سيناريو مُفزع، والمؤكد أنه أضغاث أحلام، وهناك سيناريو أكثر فزعا يتنبأ بأن حربا نووية ستنشب فى الأرض، والناجون منها سيواجهون كابوسا من نوع جديد هو الحرب ضد الآلات!! ظاهرة فعلا تستحق التأمل..البشر يستعجلون نهايتهم بأنفسهم، ولديهم حالة شغف بتصور نهاية العالم، طبعا لأنهم "خربوه" بدل أن "يُعمّروه"..