فيما يبدو أنه محاولة أورو أمريكية أخيرة لاحتواء البرنامج النووى الإيرانى والحد من طموح ملالى طهران للحصول على سلاح نووى بدأت الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا خطوات متسارعة لإنقاذ الاتفاق النووى الذى توصلت إليه الدول الكبرى فى عام 2015 بعد مفاوضات طويلة ومضنية عرفت اختصارا بمباحثات (خمسة + واحد)، ذلك الاتفاق الذى أوقف العمل به الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، الأمر الذى ترتب عليه استئناف الجمهورية الإسلامية لنشاطها فى تطوير برنامجها النووى والمضى قدمًا فى تخصيب اليورانيوم إلى نسب لم يكن مسموحًا بها وفق الاتفاق، وعدم التزامها بكل ما فرضته عليها القوى الكبري، وبالتالى تعرضت لعقوبات اقتصادية كبيرة من جانب واشنطن خلال ولاية ترامب. ولعل الدافع وراء الخطوة الأمريكية الجديدة يرجع إلى رغبة الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن فى العودة إلى مسار المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية كبديل للسياسة التى اتبعها سلفه. وفى هذا الإطار بحث وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا الخميس الماضى مع نظيرهم الأمريكى أنتونى بلينكن الملف الإيراني، فيما يأمل الأوروبيون فى إنقاذ الاتفاق حول برنامج طهران النووي. حيث عقد كل من وزراء الخارجية الفرنسى جان إيف لودريان مع نظيريه الألمانى هايكو ماس والبريطانى دومينيك راب فى باريس لقاءً انضم إليهم خلاله وزير الخارجية الأمريكى عبر الفيديو كونفرانس خصص بشكل أساسى لإيران والأمن الإقليمى فى الشرق الأوسط». ويأتى الاجتماع قبل أيام من استحقاق يثير قلقا. فبموجب قانون أقره مجلس الشورى الإيرانى الذى يهيمن عليه المحافظون فى ديسمبر، يتعين على الحكومة تقليص نشاط مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فى حال لم يتم رفع العقوبات، وأشار وزير الخارجية محمد جواد ظريف فى تصريحات سابقة، إلى أن المهلة التى يمنحها القانون قبل الإقدام على هذه الخطوة، تنتهى «حوالى 21 فبراير». والأربعاء الماضي، أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فى اتصال هاتفى مع الرئيس الإيرانى حسن روحانى عن «القلق» حيال مستقبل الاتفاق النووى فى ظل تراجع طهران عن عدد من التزاماتها ضمنه، وقال المتحدث باسمها ستيفن سيبرت، فى بيان، «حان الوقت لبوادر إيجابية تثير الثقة وتزيد من فرص الحل الدبلوماسي». كان روحانى أبدى الأربعاء الماضى استعداد بلاده لاستضافة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقال «إذا أراد أن يفاوض، يمكنه أن يفاوض، لا مشكلة لدينا فى ذلك»، مشددا على أن الخطوة الإيرانية المقبلة «لا تتعلق بترك نشاطاتنا من دون تفتيش». وكانت إيران قد تخلت تدريجاً عن التزاماتها بموجب الاتفاق منذ انسحاب الولاياتالمتحدة منه خلال ولاية دونالد ترامب. ووصول جو بايدن إلى البيت الأبيض فى 20 يناير أعطى أملا باستئناف الحوار بعد سياسة «الضغوط القصوي» التى مارسها سلفه. وأعربت الإدارة الجديدة عن رغبتها بالعودة إلى الاتفاق، لكنها تطلب من إيران العودة إلى الالتزام الكامل به أولاً. وتطالب الجمهورية الإسلامية فى المقابل أولا برفع العقوبات المفروضة عليها وترفض الدعوات لتوسيع بنود الاتفاق. يأتى ذلك فى الوقت الذى أكد فيه تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأربعاء الماضي، إن إيران أبلغت الوكالة بأنها تخطط لتركيب المزيد من أجهزة الطرد المركزى المتطورة من طراز IR-2m فى محطة تخصيب اليورانيوم تحت الأرض فى نطنز، مما سيزيد من انتهاكها للاتفاق النووي. وقالت الوكالة «لمحّت إيران إلى أنها تخطط لتركيب سلسلتين إضافيتين من 174 جهاز طرد مركزى من طراز IR-2m فى محطة تخصيب الوقود لتخصيب يورانيوم-235 إلى درجة نقاء تصل إلى 5 %. وسيؤدى ذلك إلى رفع العدد الإجمالى لسلسلة أجهزة الطرد المركزى من طراز IR-2m المقرر تركيبها أو التى يتم تركيبها أو التى تعمل بالفعل فى المنشأة إلى ستة». وينص الاتفاق النووى المبرم عام 2015 بين إيران والقوى الكبرى على أنه لا يمكن لطهران التخصيب إلا فى محطة تخصيب الوقود باستخدام أجهزة طرد مركزى من الجيل الأول الأقل كفاءة بكثير IR-1 . وقالت الوكالة إن مديرها العام رافائيل جروسى قام بزيارة لإيران السبت الماضى فى محاولة لإيجاد «حل مقبول للطرفين» يسمح لها بمواصلة عمليات التفتيش فى البلاد. وأضافت الوكالة أن جروسى أجرى محادثات مع مسئولين إيرانيين كبار لم تحددهم.وأوضحت أن الهدف هو «إيجاد حل مقبول للطرفين لكى تواصل الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنشطة التحقق الأساسية فى البلاد». وحذرت الجمعة كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا من أن إيران «تقوّض» فرص العودة إلى المفاوضات لإنقاذ الاتفاق المبرم عام 2015 بشأن برنامجها النووى بخرقها المتكرر للنص، بعد إعلانها بدء إنتاج اليورانيوم المعدني. وأعلنت إيلى جرنمايا من المجلس الأوروبى للعلاقات الدولية «لا يزال هناك نافذة صغيرة للحد من الأضرار التى قد تنجم عن الخطوات الإيرانية المقبلة». وقالت الخبيرة «ما نحتاج إليه الآن هى مبادرات أمريكية ملموسة تثبت حقا لإيران أن الولاياتالمتحدة تبتعد عن سياسة الضغوط القصوى فى عهد ترامب» معتبرة أن «على الأوروبيين الضغط على إدارة بايدن لإعلان تصميمها بوضح على العودة إلى اتفاق» فيينا. وتابعت «على الولاياتالمتحدة وأوروبا العمل معا لمنح الاقتصاد الإيرانى استراحة على الأجل القصير» للعودة إلى نهج احترام بنود الاتفاق النووى الموقع عام 2015 فى حين تعانى البلاد الخاضعة للعقوبات الأمريكية، من النتائج الاقتصادية لجائحة كورونا. يذكر أن ملف إيران النووى طرح أمس الأول الجمعة خلال المؤتمر السنوى للأمن فى ميونيخ والذى شارك فيه عبر الفيديو الرئيس جو بايدن والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون. وتعكس التحركات الأورو أمريكية قلقا حقيقيا من الشوط الذى قطعته طهران على طريق الانضمام إلى النادى النووى يشكل تهديدا لحليفة واشنطن الاستراتيجية «إسرائيل»، بعد خمسة سنوات كاملة كانت خلالها بعيدة عن أى التزام قطعته على نفسها، وبعيدا عن الرقابة الدولية من جانب وكالة الطاقة الذرية، ولم تمنعها العقوبات الاقتصادية رغم قسوتها من تكثيف جهودها للانتهاء منه، ما دفع بالولاياتالمتحدة وإسرائيل إلى توجيه الضربات المتتالية للبرنامج النووى الإيرانى تارة بتوجيه هجمات سبرانية للمنشآت النووية الإيرانية، وتارة باستهداف علماء طهران النووين وآخرهم أبو البرنامج النووى الإيرانى الدكتور فخرى زادة، وتارة ثالثة بتفجيرات غامضة للمواقع النووية. الرئيس الأمريكى جو بايدن ربما يكون أكثر ميلا للتفاوض عن توجيه الضربات المؤثرة والموجعة التى اتبعها الرئيس السابق دونالد ترامب، وإيران من جانبها أبدت استعدادا للدخول فى مفاوضات تعتبرها بمثابة فرصة جديدة لمواصلة برنامجها بإيقاع أبطأ لقدرتها المعروفة على إطالة أمد التفاوض، وليست استجابة للجهود الدولية لإجهاض برنامجها النووي.