من بين إنجازات كثيرة شهدتها مصر فى السنوات الأخيرة فى الطرق والكهرباء والمدن الجديدة والمنتجعات الراقية ومواجهة العشوائيات .. يطل علينا مشروع الرئيس عبدالفتاح السيسى لتطوير الريف المصرى وإنقاذ 4500 قرية، حيث بدأ المشروع الطموح فى 1500 قرية معظمها فى صعيد مصر أكثر القرى فقرا فى المحروسة.. منذ سنوات بعيده ونحن نتحدث ونحلم أن مصر فى حاجة إلى مشروع قومى يترك آثاره ونتائجه على الملايين من أبناء مصر .. كان الخيال يسبح كثيرا وراء هذا الحلم، كان البعض يراه فى صورة منتجعات جديدة للقادرين .. وهناك من رآه صناعة متطورة تزيد حجم الصادرات وتوفر الإنتاج .. وهناك من رآه فرصا واعدة لجيل جديد فى العمل والتفوق وتكافؤ الفرص، وهناك من رآه فى عدالة اجتماعية تحقق الكرامة لكل أبناء الوطن.. وسط كل هذه الأحلام غاب الريف المصرى تماما، وكانت لهذا الغياب شواهد كثيرة .. أولها الأرض التى أهملناها حين تحولت إلى مبان وخسرت ملايين الأفدنة .. ثم كان التخبط فى زراعة المحاصيل الرئيسية وفى مقدمتها القطن والأرز .. ثم كان هروب الفلاح من أرضه ليشترى الطعام من المدينة .. ثم كان الهروب الأعظم من الريف إلى المدن .. وهنا كان التكدس البشرى فى المدن الكبرى وظهور العشوائيات وما ترتب على ذلك كله من مظاهر الخلل الاجتماعى والسكانى.. كانت مصر فى حاجة إلى مشروع قومى كبير يعيد للإنسان المصرى تاريخا طويلا من الانتماء والحب لهذا الوطن .. أمام برامج وخطط كثيرة وحكومات متعددة مرت على الريف المصرى وجوه كثيرة .. ما بين أحلام فى الاشتراكية غابت عنها العدالة وانفتاح أنجب طبقة جديدة مشوهة بلا ملامح .. وتجربة فى الخصخصة وبيع القطاع العام لم تنجح أمام سوء الإدارة وغياب الشفافية ..لم يحصل الفلاح المصرى على شيء من هذه التجارب السابقة باستثناء الفدادين الخمسة التى وزعها عبدالناصر ومجانية التعليم أغلى هدايا ثورة يوليو للمصريين.. وبقى الريف المصرى على حاله بكل أزماته ومشكلاته.. من هنا لابد أن نتوقف أمام هذا الحلم الذى يشهده الريف المصرى والفلاح المصرى لأول مرة فى حياته .. وهو مشروع حضارى وإنسانى واجتماعى يغير ملامح وطن ويخلق عالما جديدا .. نحن أمام تحول معمارى تشهده القرية المصرية لأول مرة فى تاريخها الحديث بعد أن تحولت إلى كتل طينية عشوائية جعلت الفلاح المصرى يهرب منها باحثا عن ملاذ.. إن هذه القرية المظلمة المتخلفة هى التى خرجت منها مشاكل وأزمات مصر، ابتداء بالتطرف الفكري، وانتهاء بالزيادة السكانية والتكدس البشرى حول نهر النيل.. إن إهمال الريف المصرى سنوات طويلة كان سببا فى ظواهر سلبية كثيرة فى التعليم والصحة والإنتاج والوعى .. إن البلايين التى تنفقها الدولة على الأمراض المنتشرة فى القرى فيروس «سى» والسرطان والكبد والفشل الكلوى كلها أعباء بسبب الإهمال وغياب الرعاية الصحية .. إن فشل ما كان يسمى المجانية فى التعليم كان وراء التطرف وغياب الوعى .. كما أن التكدس والزحام كان وراء سلبيات كثيرة اقتحمت المجتمع المصرى تجسدت فى سلوكيات غريبة مثل العنف والجريمة والمخدرات والعنف الأسرى. نحن الآن أمام مشروع حضارى يتبناه رئيس الدولة بشخصه ويضع له أهمية خاصة فى برامج الحكومة .. الأهم فى ذلك كله أن الدولة خصصت 500 مليار جنيه فى ثلاث سنوات لإعادة بناء 4500 قرية .. نحن أمام مشروع حضارى لم يحدث من قبل ولم تشهد مصر إنفاق مثل هذا المبلغ على مشروع واحد .. ونأمل أن يتواكب مع إقامة المنشآت والبيوت، وتغيير نظام الرى والترع وأساليب الزراعة.. مشروع ثقافى مواز للمشروع الحضارى .. بحيث لا تقام البيوت وهى تحمل الأمراض القديمة.. لا يعقل أن نترك الأمية تعشش فى عقول الملايين وللأسف الشديد لا توجد جهة فى مصر تعرف الأرقام الحقيقية لضحايا الأمية فى مصر .. باستثناء أرقام أعلنها اللواء ابو بكر الجندى حين كان رئيسا للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء منذ سنوات .. لا أتصور برنامج الرئيس السيسى لإنقاذ آلاف القرى دون أن تكون هناك خطة للقضاء تماما على الأمية بحيث نحتفل بتسليم البيوت لأصحابها ومنهم آخر مواطن أمى.. إن بناء بيوت جديدة شيء حضارى، ولكن لابد أن يواكب البيت الجديد مواطن أكثر ثقافة وأكثر وعيا .. إن مشروع إعادة بناء آلاف القرى لابد أن يكون نهاية أخطر أمراض مصر وهى الأمية .. إن القضاء على فيروس «سي» كان معجزة إنسانية، والأمية ليست أقل خطرا من الأمراض المتوطنة .. إن القضاء على الأمية سيكون فرصة لمواجهة أوكار كثيرة للتطرف ومنابع الإرهاب .. إن إهمال الدولة للريف كان بداية احتلال الفكر المتطرف للعقل المصرى.. إن السنوات الثلاث التى ستشهد تنفيذ هذا البرنامج الحضارى فى القرية المصرية يجب أن تشهد نزول النخبة المصرية بكل مثقفيها إلى الريف المصرى فى مسيرة للوعى والفكر والاجتهاد.. يبقى بعد ذلك دور رجال الدين فى تقديم صورة الدين الصحيح الذى شوهته أفكار غامضة وصلت به إلى التطرف والإرهاب .. لقد جاء الوقت لكى يعود الاهتمام بالريف المصرى .. خاصة نحن أمام رئيس يدفع بقوافل البناء إلى ريف مصر الذى أهملناه فى كل العصور .. نحن أمام فرصة تاريخية لبناء وطن وإنسان جديد فى ريف جديد، وعلينا أن ننتهز هذه الفرصة لأنها لا تتكرر كثيرا فى حياة الشعوب.. حين تتوافر صور الحياة الجديدة للإنسان المصرى فى ريفه وقراه الجديدة سوف نرى إنسانا جديدا مختلفا فى كل شيء .. سوف يعود الفلاح إلى قريته عاملا منتجا محبا لأرضه عاشقا لها كما كان يوما .. سوف يعود الإنسان المصرى أكثر وعيا، ويكون أكثر مشاركة فى قضايا وطنه .. فيكون له رأى فى انتخابات أكثر حرية، ويكون قادرا على أن ينال حقوقه ويعبر عن رأيه .. سوف تكون لدينا القدرة على أن نواجه مشاكلنا وندرك أسبابها ونجيب عن تساؤلات كثيرة .. لماذا اختلت موازين كثيرة فى حياتنا فى السلوك والأخلاق والجريمة ودرجة الوعى .. إن مشروع الرئيس عبدالفتاح السيسى لإعادة بناء القرية المصرية هو فى الحقيقة بناء مجتمع جديد .. أهملنا الكثير من أزماته وهمومه، وقد تكون هذه الفرصة التاريخية لبناء مجتمع حضارى يليق بنا وطنا وشعبا وتاريخا .. سوف تكون أمامنا فرصة فريدة أن نعيش فى وطن يحقق لنا العيش والحرية والكرامة الإنسانية .. ونذهب إلى قرى مصر ونجد فيها إنسانا آخر فى بيته وتعليمه وصحته ووعيه .. وقبل هذا كله أن نرى مجتمعا يحفظ له حريته وكرامته وحقه فى حياة كريمة.. إن توفير 500 مليار جنيه لأكثر من 4500 قرية محرومة من الخدمات والمرافق والتعليم والصحة ليس إنجازا بسيطا فى حياة المصريين فى هذه الظروف والتحديات الصعبة.. كان من الممكن أن يتجه إلى مجالات إنفاق أخري، ولكن أن يوجه إلى قرى مصر ونصف سكانها فهذا حدث لابد أن نقف عنده .. وننتظر اليوم الذى نحتفل فيه بهذا الإنجاز الحضارى والإنسانى الكبير.. عندى رجاء للإعلام المصرى بكل وسائله أن يقف وراء هذا المشروع .. لأنه يخص أكثر من نصف سكان مصر، ولأنه مشروع طموح لم تشهده مصر من قبل، ولأنه يحقق حلما قديما لنا أن نرى وطنا تتحقق العدالة فيه. . إن مشروع إعادة بناء هذا العدد الضخم من القرى يتطلب بجانب جهد مؤسسات الدولة الى جهود شعبية من أبناء هذه القرى فى المتابعة والرعاية .. ومن أثرياء مصر الدعم والمشاركة، وهو يحتاج من النخبة المصرية أن تكون عينا على هذا الإنجاز الحضارى الكبير فتقدم الخبرة والحس الجمالى والذوق الرفيع.. أكثر من ذلك فلا أتصور أن يغيب أعضاء مجلس النواب عن متابعة ما يجرى فى هذا المشروع الحضارى .. إن كل عضو لا بد أن يرى ما يجرى فى قريته.. نحن أمام مشروع قومى كان حلما من أحلام هذا الشعب، وهو إنجاز حضارى كبير يحتاج الى جهودنا جميعا.. نحن أمام حدث تاريخى كبير، ويجب علينا أن ندرك أهميته حتى نحتفل ببناء آخر قرية فيه.. هذه بعض الخواطر حول مشروع كان يمثل حلما أمام أجيال كثيرة كانت تنتظر دائما قطار العدالة رغم أنه تأخر كثيراً. ويبقى الشعر لا تَذكُرى الأمْسَ إنّى عِشْتُ أخفِيه إنْ يَغفِر القَلْبُ.. جُرحِى مَنْ يُدَاويهِ قَلْبِى وعينَاكِ..والأيَّامُ بَينَهُمَا دَربٌ طويلٌ..تعبْنَا مِنَ مَآسِيهِ إنْ يَخفِق القَلبُ كَيْفَ العُمْرُ نُرجعُهُ؟ كُلُّ الَّذى مَاتَ فينَا.. كَيْفَ نُحْييهِ؟ الشَّوقُ دَرْبٌ طويلٌ عشْتُ أسْلُكُهُ ثُمَّ انْتَهَى الدَّربُ.. وارْتَاحَتْ أغَانِيه جئْنَا إلَى الدَّرْبِ..والأفْرَاحُ تَحْمِلُنَا واليَوْمَ عُدْنَا بنَهر الدَّمْع ِ نَرْثِيه مَازلتُ أعْرفُ أنَّ الشَّوْقَ مَعْصِيتى وَالعِشْقُ واللّه ذنْبٌ لسْتُ أخْفِِيه قَلْبِى الَّذِى لَمْ يَزَلْ طِفْلا ً يُعَاتبُنِى كَيْفَ انْقَضَى العِيدُ .. وانْفَضَّتْ لَيَالِيهِ؟ يَا فَرْحة ً لَمْ تَزَلْ كالطَّيفِ تُسْكرنِى كَيْفَ انْتَهَى الحُلمُ بالأحْزَانِ.. والتِّيهِ حَتَّى إذا ما انْقَضَى كالعِيدِ سَامرُنَا عُدْنَا إلَى الحُزْن ِ يُدْمينَا .. ونُدْمِيهِ مَا زَالَ ثَوْبُ المُنَى بِالضَّوْءِ يَخْدَعُنِى قَدْ يُصْبحُ الكَهْلُ طِفْلا ً فِى أمَانِيهِ أشْتَاقُ فِى اللَّيل ِ عطْرًا مِنْكِ يَبْعَثُنِى ولْتَسْألِى العِطْرَ: كَيْفَ البُعْد يُشْقِيهِ؟ ولتسْألِى اللَّيْلَ: هَلْ نَامَتْ جَوانِحُهُ؟ مَا عَادَ يَغْفُو وَدَمْعِى فِى مآقِيهِ يَا فَارسَ العِشْق ِهَلْ فِى الحُبِّ مَغْفِرَة ٌ حَطَّمتَ صَرْحَ الهَوَى والآنَ تَبْكِيهِ الحُبُّ كالعُمْر يَسْرى فِى جَوانِحِنَا حَتَّى إذَا مَا مَضَى.. لا شَىْءَ يُبْقِيهِ عاتَبْتُ قَلْبِى كَثيرًا: كَيْفَ تَذكُرهَا وعُمْرُكَ الغَضُّ بيْنَ اليَأس ِ تُلْقِيهِ؟ فِى كُلِّ يَوْم ٍ تُعيدُ الأمْسَ فى ملَل ِ قَدْ يَبْرأ الجُرْحُ .. والتذكارُ يُحْييهِ إنْ تُْرجعِى العُمْرَ هَذا القَلْبُ أعْرفُهُ مَازلتِ والله نبْضًا حائِرًا فيهِ أشْتاقُ ذنْبى..ففِى عَيْنيكِ مَغْفِرتِى يَا ذنْبَ عُمْرى .. ويَا أنْقَى ليَاليهِ مَاذا يُفيدُ الأسَى؟ أدْمَنْتُ مَعْصِيَتِى لا الصَّفْحُ يُجْدِى..وَلا الغُفْرَانُ أبْغِيهِ إنِّى أرَى العُمْرَ فى عَيْنَيكِ مَغْفِرَة ً قَدْ ضَلَّ قلْبِى فَقُولِى..كَيْفَ أهْدِيهِ؟! قصيدة «لأن الشوق معصيتى» سنة 1989