عبدالله عبدالسلام أحد أسباب توقف الحروب وسيادة السلم في فترات زمنية معينة أن البشر لم يكونوا يتقاسمون المنافع والخيرات فقط؛ بل الحقائق المشتركة أيضًا. الآن، لم تعد هناك حقائق مشتركة؛ بل حقائق أحادية ومعلومات مضللة يؤمن بها البعض، بينما الآخرون لديهم ترسانة حقائق مضادة كاملة. في تحقيق استقصائي ضخم، كشفت وكالة أسوشيتدبرس، أن كبار السياسيين والإعلام بأمريكا والصين وإيران أغرقوا العالم بملايين الأخبار والتقاريرالمضللة حول مصدر كورونا. فور ظهور الوباء نهاية 2019، سارعت واشنطن والإعلام الأمريكى باتهام مدينة يوهان الصينية، وكان ترامب يصفه بالفيروس الصينى. أصبح ثلث الأمريكيين يعتقدون أن كورونا جرى تحضيره بمختبر علمى بالصين. لم تتأخر بكين وشنت حملة دولية أنفقت خلالها أموالًا هائلة متهمة واشنطن بتخليق الفيروس لأهداف الحرب البيولوجية. أما إيران، فإن بعض رجال الدين فيها أوغلوا بتبنى نظريات المؤامرة لدرجة رفض لقاحات اعتبروها امتدادًا لحرب أمريكا على بلادهم. المؤرخ البريطاني البارز تيموثى جارتون آش يعتقد أن الديمقراطية فى خطر لأن الحد الأدنى من الحقيقة المشتركة بين مواطنى الدولة الواحدة لم يعد موجودًا. لقد تم الدفع بعشرات ملايين الأمريكيين لإنكار حقيقة فوز بايدن وخسارة ترامب. أصبح لنصف الأمريكيين تقريبًا حقيقة وللنصف الآخر حقيقة مخالفة. رغم كل محاولات مسئولى مواقع التواصل فلترة المحتوى والتخلص من الكم اللانهائى من المعلومات الكاذبة والتحريضية إلا أن سوق هذه السلع الفاسدة يزدهر. العلاج الناجع يبدأ، حسب آش، باستعادة دور إعلام الخدمة العامة، الذى لا ينحاز للحكومات ولا للأحزاب بل للحقيقة أو ما يعتقد أنها كذلك. ذلك الإعلام المستقل الذى يساعد فى خلق مجال عام يشارك فيه المواطنون وممثلوهم على أساس الحقائق المشتركة. هذا الإعلام تعرض لضربات موجعة من حكومات اعتقدت أنه إعلام عفا عليه الزمن كالبى بى سى مثلا، حيث يجرى تقلص الميزانية وتأسيس إعلام خاص بديل. ليس غريبًا أن الشائعات وتشويه الحقائق قد تكاثرت مع تراجع إعلام الخدمة العامة الذي يدعو البعض للتخلص منه، مع أنه الحل الأهم لاستعادة الذين انصرفوا عن الإعلام الوطني ولجأوا لإعلام آخر.