أتوقع أن يكون مشروع السيسي القادم هو «الأخلاق». حاربنا الإرهاب، واستعدنا الأمن والسيادة، وجذبنا الاستثمارات والسياحة، وواجهنا كورونا بشجاعة، وبدأنا مشوار تطوير التعليم والصحة، واقتحمنا «مغارة» العشوائيات، وأنشأنا عاصمة جديدة، ونطور عاصمتنا القديمة شبرا شبرا، وفي طريقنا الآن إلى المهمة الأصعب، وهي تطوير الريف، والآن، لم يعد أمامنا سوى ملف «الأخلاق». افرض الأخلاق يا سيسي فرضا، فالمواطن المسالم الملتزم بالقانون يعيش في مصر محتقنا، ويهان، وحقوقه تنتهك في اليوم مائة مرة، ومن ينتهكها ليست الدولة، ولا مؤسساتها، وإنما عجز القانون، وأحيانا غياب تطبيق القانون، وعدم وجود ضابط ولا رابط لسلوكياتنا المنفلتة. ادخل «عش الدبابير» الأخير يا سيادة الرئيس، ونحن معك. لا يقول أحد لي إن الأخلاق لا تفرض بالقوانين، أو تأتي من البيت والمدرسة والمسجد والكنيسة والإعلام، فهؤلاء فشلوا جميعا والحمد لله، والأخلاق التي لا تطبق طوعا، يجب أن تفرض فرضا، ولنا في قانون غرامة الخمسين جنيها ضد مخالفي ارتداء خير مثال! ماذا جنيت أنا كمواطن حتى يساء إليّ أو أتعرض لمضايقات وتحرشات وتنمرات مع كل خطوة أخطوها. أليست مصر هي الدولة الأولى التي دعت إلى تطبيق حقوق الإنسان بمفهومه الأشمل، بدلا من التركيز على حقوق الإرهابيين والثورجية والشواذ والممولين من الخارج؟ أليست الدولة الحالية هي التي نادت وطبقت حق الإنسان في الحياة والأمن والعبادة والتعليم والصحة والسكن، على أكمل وجه؟ أين الحق الأهم؟ أنا شخصيا صرت مقتنعا بفكرة وجود «شرطة أخلاق» مهمتها إعادة الضبط والربط، فليس عيبا أن يكون هناك شرطي في كل ميدان، وفي كل شارع، وفي كل حارة، بل لم يعد شعار «شرطي لكل مواطن» من قبيل الخيال والتندر، وإنما حقيقة تفرضها الظروف، طالما أن الأخلاق ليست اختيارنا. أبدا لن تكون الأخلاق للضعفاء فقط في بلدنا، ولن تكون القيم هي أصعب ما يمكن للمجتمع تغييره، كما يقول «نيتشه»، بحجة أنها قوية عميقة الجذور، فلم نر مجتمعنا المصري بهذا التردي الأخلاقي طوال تاريخه. لا تسألني عن قمع الحريات، فهناك «سفلة» يستحقون القمع، وهناك أخلاقيات مهدرة في حاجة إلى قوة جبرية لاستعادتها. إذا لم تكن هذه هي مهمة الدولة، فقولوا على مجتمعنا يا رحمن يا رحيم، وإذا لم تكن القيادة السياسية الحالية، بانضباطها وجرأتها وطموحها، وبعدم التفاتها إلى «هبد» السوشيال ميديا، هي القادرة على فتح هذا الملف «الآن» وإعادة الأمور إلى نصابها، فلا يحدثني أحد عن مستقبل أبنائنا وأحفادنا بعد اليوم. افرضوا الأخلاق بقوة القانون، وانسوا الإعلام، والمسجد، والأزهر، والمدرسة، فمن يتحدث عن دور هذه المؤسسات في استعادة الأخلاق يريد بقاءنا في متاهات وسفسطة أبدية لا طائل منها. هل تصدق أن بعض الشعوب تعتبر مجرد رمق النظر إلى وجهك في مكان عام «انتهاكا» لخصوصيتك؟! أين نحن من هذا؟! أين ذهبت «حضرتك» و«سيادتك» و«ربنا يسامحك» و«يا هانم» والابتسامة علىالوجه؟ الصوت المرتفع انتهاك، وإلقاء ورقة في الطريق انتهاك، وسماع «شتيمة» انتهاك، ونصب «صوان» وافتتاح محل وحفل زفاف في الشارع انتهاك. أنا كمواطن، أرى الأخلاق تنتهك مع كل طابور يتخطاه «نطع» دون أن يردعه أحد! تنتهك مع كل موظف «قرفان» أو «مكشر» في وجهي، وراتبه من جيبي! تنتهك مع كل جهة حكومية أو غير حكومية تتعامل معي على أني «عاطل» و«فاضي»، و«تعالَ بعد ساعة»، أو «فوت علينا بكرة». تنتهك مع كل «سيستم» واقع، ومع كل موظف غائب، ومع كل خطوة أتنقل فيها من شباك إلى آخر لإنهاء معاملات «حقيرة» يمكن إنجازها في شباك واحد أو من المنزل، أو لا أهمية لها من الأصل! تنتهك مع كل قصة إحباط لمبدع، ومع كل قصة صعود لفاشل أو كسلان أو «نصاب». تنتهك عندما أستيقظ من نومي فجرا على صوت «شنيور» في بيت جاري الذي يجدد شقته! تنتهك مع كل موتوسيكل يتسلق الرصيف، ومع كل توك توك يسير عكس الاتجاه، ومع كل ميكروباص يسد مطلع أو منزل كوبري، ولا تجد من يحاسب أيا منهم بحجة «البعد الاجتماعي»! تنتهك في كل شارع احتكره «سايس»، وفي كل رصيف احتله بائع، وفي كل متر من الشارع اقتطعه دكان يرفض ركن سيارتك لأنك «هاتقطع رزقه»! تنتهك مع كل سائق يتسبب في حادث أو اصطدام ولا أستطيع محاسبته، لا بالقانون، ولا «بالدراع»! تنتهك عندما أجد سلطة غير قادرة على محاسبة أي من هؤلاء، وعندما تحاول أن تفعل، يتهمونها بالظلم والقمع وقهر «الغلابة»، فتصاب بالزهق! .. افتحوا ملف «الأخلاق»، وافرضوا القيم والسلوكيات فرضا، بقوة القانون، الآن، وليس غدا، ولن يحدث هذا إلا في عهد السيسي!