يبدو أن المآسي لا تأتي فرادى، وينطبق هذا القول على الحكومة الإسرائيلية، سياسيها وعسكرييها، وإن كان الاثنان واحدًا في مجتمع عنصري، رغم أن إسرائيل لم تفاجأ بقرار المحكمة الجنائية الدولية سريان صلاحياتها على الأراضي الفلسطينية، واعتبار تلك الأراضي حتى الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي. قرار المحكمة منح الفلسطينيين الأمل في استعادة كل شبر اغتصبه الإسرائيليون لبناء مستوطنات يهودية غير قانونية، ناهيك عن احتمالات إخضاع كل القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية أمام هيئة المحكمة. إسرائيل كعادتها سارعت برفض قرار المحكمة، ولكنها تعيش أجواء ساخنة بسبب حيثيات القرار، فثمة مخاوف تنتاب الإسرائيليين من احتمال إصدار أوامر اعتقال ضد من أصدر أمرا بهدم منزل أو قتل فلسطينيا، فما بالنا بمن قرر اغتصاب وطن وتسبب في مذابح للآلاف. ربما الطريق يبدو طويلا لمحاكمة القيادات الإسرائيلية المذنبة، ولكنهم في إسرائيل يعترفون بخوف وهلاوس بدأت تنتاب قيادات ليست قليلة، وأنهم يتعرقون من الآن خوفا من المجهول الآتي غدا، ومنهم من قرر عدم السفر للخارج خشية اعتقاله في أي مطار دولي. ولإظهار مدي مخاوف الإسرائيليين من قرار محكمة لاهاي، وصف بعضهم حالتهم النفسية بأنهم يشعرون كأنهم في طريقهم للذبح، وأن القرار بمثابة بطاقة صفراء يستبق إصدار أوامر اعتقال بالجملة ضد قادة وضباط إسرائيليين رفيعي المستوي في مطارات العالم. ومشكلة إسرائيل الحالية بعد إصدار القرار أنه ليس من حقها الاستئناف ضده، بسبب مقاطعتها المحكمة الدولية ورفضها التعاون معها، ناهيك عن أن قرار المحكمة يعترف بحدود دولة فلسطين التي تشمل جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل في الرابع من يونيو 1967، وبالتالي يكون الفلسطينيون قد استعادوا أرضا خسروها في اتفاق «غزة – أريحا أولا» وما تلاه من اتفاقيات. فالقرار رسم حدود الدولة الفلسطينية بدقة، ولن يكون بمقدور من أصدر أوامر اعتقال أو بناء مخالف علي أرض فلسطينية أو قتل وتعذيب فلسطيني بمنأي عن تنفيذ القانون ضده. من مميزات القرار الدولي أنه سيمنع القيادات العسكرية الإسرائيلية من التفاخر بقتل العرب ثانية، خاصة بعدما سن الرقيب الدولي أسنانه لتنفيذ القانون ضد مجرمي الحرب ومغتصبي حقوق الشعوب. الفظائع الإسرائيلية لن يمحوها التاريخ ولن تنساها الذاكرة العربية، وستكون كلها أمام المحكمة.