عفوا، فلست سعيدا على الإطلاق بهزيمة الأهلى أمام البايرن! إليكم هذه القصة الصغيرة، حتى نعرف، ونتأكد، من أنه كان فى الإمكان أفضل مما كان. بعد مباراة مصر وهولندا فى كأس العالم 1990، التقيت، ومجموعة من الصحفيين، الكابتن صالح سليم رئيس النادي الأهلي، وكان جالسا في المبنى الاجتماعي بالجزيرة. كانت مصر كلها وقتها تحتفل بالتعادل مع هولندا بطلة أوروبا 1-1، لدرجة أن المظاهرات والاحتفالات عمت شوارع القاهرة بعد انتهاء المباراة فجرا! كانت الصحافة كلها تحتفى بمنتخبنا، وكانت عبارة «ليس فى الإمكان أفضل مما كان»، غير موجودة، فقد كنا نحتفل وكأننا فزنا بالفعل على فريق يفوقنا فى الأجسام والقدرات والمهارات والخبرات. كان الجميع وقتها يتغنى بدهاء الجوهرى مدرب منتخبنا الذى استطاع أن «يمسح الأرض» حرفيا بالفريق الهولندي، بل وأهدرنا أكثر من فرصة لتحقيق الفوز، رغم أن التوقعات قبل المباراة كانت هزيمة مصر بنصف دستة أهداف على الأقل! رغم ذلك كله، فوجئت بأن «صالح» كان غاضبا، فقد كان يرى التعادل مع هولندا خسارة كبيرة لنا! وعندما سألناه عن وجهة نظره، أجاب: «هولندا أمامى منهارة، ولا أهاجمها، لأحرز هدفين وثلاثة»؟!. كان صالح وقتها على خلاف كبير مع الجوهري، رحمهما الله، وكان رأيه هذا يبدو وكأنه جزء من هذا الخلاف، ولكن مرت الأيام، وخرج منتخبنا من الدور الأول للمونديال، بعد تعادله مع ايرلندا، ثم هزيمته من إنجلترا بهدف، وكان السبب فى خروجه النقطتين اللتين خسرهما بعدم الفوز على هولندا!. هكذا، يفكر العظماء والمبدعون يا سادة!. تذكرت هذه القصة عندما فوجئت بعبارة «ليس فى الإمكان أفضل مما كان» تنهال على رءوسنا عبر وسائل الإعلام والسوشيال ميديا بعد هزيمة الأهلى بهدفين أمام بايرن ميونيخ فى مونديال الأندية! الهزيمة نفسها لم تحزنني، ولكن ما أحزننى بحق أن الأهلى لم يقدم مستوى مقبولا أمام بطل أوروبا، الذى كان يلعب المباراة بأقل مجهود. من الممكن أن تخسر بهدفين أو ثلاثة أمام فريق أفضل منك، ولكن عليك أن تفعل أى شيء يدل على أنك تقاوم، وتحاول، وتقاتل، ليس للتعادل، ولا للخروج بأقل نتيجة، ولكن للفوز، فلست ناديا صغيرا على الإطلاق، بل إنك بطل إفريقيا، ولديك من الإمكانات ما يكفيك لتقارع بطل أوروبا، بلا خوف! دخل لاعبو الأهلى المباراة خائفين، متوترين، وظهر كل واحد منهم أقل من مستواه الطبيعى الذى يقدمه فى المسابقات المحلية والإفريقية، مثل الشناوى وقفشة وكهربا والشحات. عيب كبير ألا يهدد الأهلى مرمى البايرن إلا مرة واحدة فى الشوط الأول، وعيب كبير أيضا أن يظهر الفريق عاجزا عن الخروج بالكرة من الثلث الدفاعى إلى الهجومي، نتيجة «الذعر»، وسوء التمرير، وبطء التحرك، واللعب للخلف، وأداء الموظفين الخالى من الجرأة والإبداع، فضلا عن أنانية بعض اللاعبين فى كل المحاولات الهجومية. أما المدرب موسيماني، فلم يكن هو المدرب القادر على إدارة تشكيل وخطة مباراة كهذه، ظهر فيها موسيمانى بالفعل أقل من الأهلي! ما قاله الأسطورة صالح سليم بعد مباراة هولندا، أثار غضب كثيرين وقتها، ولكنه كان على حق. لن تفلح عبارات التشجيع والإطراء للاعبى الأهلى فى إقناعنا بأن أصحاب الزى الأحمر قدموا ما لديهم، ولن تقنعنى على الإطلاق فكرة أن يخرج «أهلاوي» حقيقى من مباراة البايرن سعيدا بالنتيجة أو بالأداء، لأن الرياضة لا تعرف إلا الفوز، أو الهزيمة بشرف، أو بصعوبة، وهو ما لم يتحقق. أيام الجوهري، تعادلنا مع هولندا، والفوارق بيننا وبينها أكبر بكثير من الفوارق بين الأهلى والبايرن. أيام «المعلم» حسن شحاتة، فزنا على إيطاليا فى بطولة القارات بجدارة واستحقاق رغم الفوارق أيضا، لدرجة أن الصحف الإيطالية خرجت صبيحة المباراة بعناوين تقول: «إيطاليا تخلع ملابسها»!! وأيام المعلم أيضا، حولنا تأخرنا أمام البرازيل 3-1 إلى تعادل 3-3، ويومها شجعتنا قارة إفريقيا كلها، رغم انتهاء المباراة بالخسارة 4-3، فهذه هى الهزيمة بشرف!. وفى مونديال اليد، قاتل منتخبنا للفوز على الدنمارك بطل العالم، أيضا رغم الفوارق، وعندما خسرنا، خرج لاعبونا من الملعب يبكون، وصفقنا لهم جميعا!. أما فى مونديال الأندية، فقد خسر الأهلى «مسبقا»، لأنه دخل المباراة بلا طموح، وتعامل معها على أنها مواجهة «ورا مصنع الكراسي» مع عملاق أو مارد، كما جاء فى حملة البايرن الإعلامية، وكانت النتيجة أننا خضنا مواجهة غير متكافئة، بين طرفين أحدهما واثق ومبدع، والآخر «خائف» وراضى بقليله!.