تكتب صدق أو لا تصدق.. سوق الشطار والنصابين ازدهر وانتعش، وتوغل لدرجة أن الثقافة لم تسلم منه، لنرى ظواهر جديدة تندرج تحت اسم الاحتيال أو النصب الثقافى! «مطلوب مؤلف.. دعنا ننشر إبداعك.. نحن ننشر كل الأشكال الفنية..» تلك صور طبق الأصل من الإعلانات التى باتت تقفز فى وجهنا على صفحات الإنترنت لتغازل أحلام شباب الكتاب والمغمورين فى طباعة أعمالهم. عند هذا الحد الامر لا غبار عليه. لكن المشكلة أن هذا الطموح المشروع كثيرا ما تحول إلى كابوس بعد أن اكتشف الكتاب الحالمون بالشهرة والمجد الأدبى أن الأمر ليس أكثر من عملية نصب تعيد للذاكرة حكايات نسجت تفاصيلها الغفلة والطمع، وصفقات بطلها محتال يدعى بيع أو تبديل مشغولات ذهبية، وطامع غافل يكتشف بعد فوات الأوان أنه اشترى الوهم ويكرر مشهد إسماعيل يس فى فيلم العتبة الخضراء!. المؤسف أن هذه النوعية الجديدة من الاحتيال ضحاياها ليسوا جهلاء أو طامعين فى ذهب المعز، فأحلامهم لا تتجاوز رؤية كلماتهم مطبوعة ورقيا. الأمر الذى استغلته كيانات للحصول على أموالهم من خلال عمليه نصب لا يعاقب عليها القانون!. لا أحد يعرف بالضبط من كان له فضل السبق فى ابتكار فكرة الإثراء من خلال استغلال حلم الكتاب المغمورين لنشر أعمالهم، لكن المؤكد أن إقبال هؤلاء الكتاب على تلك الدور، خاصة أولئك الذين امتلأت أدراج مكاتبهم بقصاصات رفض أعمالهم من دور النشر الكبرى ودفع مبالغ مالية لها، بات قضية مطروحة على الساحة الثقافية سواء محليا أو دوليا..بدأت القضية التى كشفت الأيام عن حقيقتها السوداء عندما ظهرت تجمعات للنشر أشبه بالتعاونيات يمكن من خلالها لأى شخص أن يدفع بمخطوطه للمطبعة بعد دفع مبلغ من المال لطبع عدد من النسخ، وانتشرت إعلاناتها فى وسائل التواصل الاجتماعى ووسائل الاعلام التقليدية «من حقك ان تكون كاتبا، ومن حق القارئ ان يستمتع بإبداعك، ونحن نقدم الخدمة للجمهور». وبمرور الوقت وتكدس النسخ الورقية التى لا تجد من يشتريها داخل منازل الُكتاب، اكتشف كثيرون منهم أنهم وقعوا ضحية عملية نصب وانهم خسروا أموالهم، ولم يتحقق لهم الحلم الموعود بالانتشار والشهرة. وهكذا بدأت فى بريطانيا المعركة بين دور النشر المزيفة الكبرى وبين الضحايا والصحف التى شاركت بغفلتها فى الترويج لعملية الاحتيال المبتكرة، خاصة بعد أن أعلن النقاد تشككهم فى قيمه الكتب الصادرة عن تلك النوعية من دور النشر التى تضمن عقودها وتوقيع المؤلف عدم وقوعها تحت طائلة القانون ، خاصة أنها تبرر تقاضيها الاموال بأن كثيرا من المؤلفين المعروفين مثل «جين أوستن» و«بياتريس بوتر» و«رديارد كيبلنج» و«برنار دشو»، مولوا مؤلفاتهم الأولى.وتؤكد دور النشر المتهمة أنها تنتقى من خلال مستشاريها أفضل الكتب وتقدم خدمة ثقافية فى عالم اليوم الذى تتحكم فيه دور النشر بأفكارها العتيقة التى أجهضت أكثر من موهبة أدبية مدللين على ذلك بالصعوبات التى واجهها الروائى وليام جولدنج عند نشر روايته «إله الذباب». والحقيقة أن دفاع هذه الدور لا ينقصه منطق، ولكن يظل السؤال المؤرق لمن دفعوا ال 5 آلاف أو 10 آلاف جنيه: «ما مصير المخطوط الذى تحول الى ألف نسخة لا يشتريها أحد! والحقيقة أن ظاهرة استغلال بعض المحتالين للثقافة واللعب على أوتار حلم الكتاب الشباب تطرح تساؤلات عديدة حول صناعة الكتاب وطرق تمويله ومشروعية مشاركة الكاتب فى تمويل طباعة كتابه، خاصة بعد اكتشاف أن مشكلة النشر عند الكتاب الشبان ليست قصرا علينا وحدنا. الأكثر من ذلك أنها تطرح سؤالا تفرضه طبيعة مجال النصب المختارة الثقافة أيهما أقسى وطأة على الضحايا: ضياع اموالهم أم الإجهاز على أحلامهم؟.