ذاع صيت السحرة المصريين قديما بين الشعوب المجاورة كافة حيث كان المصريون يمارسون السحر فى شؤون حياتهم بجانب عبادتهم للآلهة وقد أشارت كل الكتب السماوية إلى السحر المصرى، حيث كان السحرة لا يعرفون غير السحر الأبيض الذى يستخدمونه فى حماية أرض مصر وفيضان النيل بوفرة وحماية الإنسان من الشياطين، ولذلك فالساحر الفرعونى كان مثقفا وضليعا فى علوم الدين والسحر والأدب والفيزياء ولا يعرف استخدام السحر الأسود كما يفعل سحرة اليوم الجهلاء ولذلك ظل عالم السحر والسحرة فى مصر القديمة خالدا عبر كل الأزمنة حتى رأينا آثاره اليوم فى كتابات الأدباء ومسلسلات الدراما والأفلام. عشرات الرَّحالة القدماء أسهبوا فى الحديث عن شهرة السحر وبراعة السحرة المصريين فى الحضارة المصرية القديمة أكثر من غيرها فى كل الحضارات الأخرى لدرجة أنه ذاع صيت السحرة المصريين بين الشعوب المجاورة كافة آنذاك وكان المصريون القدماء يمارسون السحر فى شؤون حياتهم كافة وفى أنحاء المجتمع المصرى كافة بدءا من أكواخ الفلاحين والصيادين البسطاء وانتهاء بالمعابد والقصور الفرعونية ولذلك تحتوى المواقع الأثرية فى مصر خصوصا على ضفاف النيل على تمائم وتعاويذ ورسومات وتماثيل حتى للساحرات وقد عثر عليها الباحثون أخيرا فى أقصى أعماق قرى الصعيد، وقد أشارت الكتب السماوية جميعا إلى السحر المصرى باعتباره نوعا من الإيهام وكما يذكر الباحث إيڨان كونج فى كتابه المترجم إلى العربية (السحر والسحرة عند الفراعنة) أن السحرة المصريين قديما كانوا لا يعرفون فى الغالب إلا السحر الأبيض ويستخدمونه فى حماية مصر من أعدائها وفيضان النيل بوفرة والوقاية من الشياطين والقوى الشريرة التى تصور القدماء أنها تتربص بهم ولذلك كان الفلاح إلى جانب أدائه الصلاة للإله لكى ينعم عليه بمحصول زراعى وفير يعلق فى رقبته التمائم والتعاويذ لاتقاء شر الشياطين وحتى الطبيب فى مصر الفرعونية كان يصف العلاج للمريض ولكنه يمنحه تعويذة لحمايته من القوى الشريرة التى تسلط عليه المرض وفى هذا الصدد يذكر فانج فى كتابه أن الحكيم الفرعونى (مرى كارع) يقول فى تعاليمه: (لقد خلق السحر الأبيض من أجل الناس حتى يبعد عنهم نوائب الدهر والتأمين والدفاع ضد أى اعتداء ظاهر أو خفى، ومن أجل الشفاء. خدع شجر فرعون ويؤكد فانج أن سحرة الأمس فى مصر الفرعونية ليسوا كسحرة اليوم الجهلاء والذين يخدعون العوام بحركاتهم البهلوانية وألاعيبهم الدنيئة لابتزاز ضحاياهم وسلب أموالهم كما كان يفعل بعض سحرة فرعون الذين كانوا أحيانا يقومون بعمل خدع سحرية لإدخال السرور على قلوب البعض. أما السحر عند المصريين القدماء فكان بمثابة علم مستمد من المعارف والكتب وكان الساحر المصرى القديم مثقفا ثقافة رفيعة المستوى ويمتلك معارف واسعة المدى فى العديد من المجالات الأدبية والدينية والفيزيائية والسحرية وكان الساحر يحمل لقب كاتب نصوص الإله وكان المكان الذى يتم فيه نسخ هذه الكتب التى يستمد منها الساحر المصرى القديم ثقافته يسمى بيت الحياة وكانت النصوص السحرية الموجودة فى هذه الكتب تعتبر سرا من أسرار بيت الحياة وقد تطور اللقب الذى كان يحمله الساحر مع مرور الوقت من كاتب نصوص الإله إلى لقب كاهن ويضيف إيڨانج فى كتابه: إن أول من استخدم قوى السحر الأبيض لحماية أرض مصر، ومن أجل انتظام فيضان النيل الوفير هو الفرعون نفسه، وكان يقوم هذا النوع من السحر على قوانين ما يسمى بالسحر الودود وأنه كان يقوم على مبادئ الورع الشخصى والأخلاقيات والحكمة ويسهب إيڨانج فى القول: إن عالم السحرة يختلف عن عالم الدجالين والمشعوذين الذين يلقون بسحرهم الضار، ويدَّعون القيام بمعجزات. السحر الأسود ويضيف إيڨانج فى كتابه عن السحر الأسود الذى يلحق الأذى والضرر بالآخرين وينتهى فى الغالب بجريمة: لم يكن هذا النوع شائعا عند المصريين القدماء، ولم تكن هناك إشارات فى الوثائق والآثار المصرية عن استخدام السحرة المصريين للسحر الأسود باستثناء حالة واحدة تم ذكرها فى قضية محاولة اغتيال الملك رمسيس الثالث حيث ذكر حينذاك أن المتآمرين قد استعانوا بممارسات سحرية ترجع إلى السحر الأسود. وفى كتابه (طب وسحر) يقول الدكتور بول غليونجى الذى كان يعمل أستاذا للطب بجامعة عين شمس عن السحر عموما: من مقومات السحر الاعتقاد بوجود قوى خفية تنظم العالم تسمى (مانا) ويمكن للساحر أن يأسرها فى جسده ثم يحلها بدوره فى جسد غيره وأن يسخرها لأغراضه وأن العمل السحرى يقوم على بعض الأركان هى التعويذة وهى صيغة لفظية يتلوها الساحر، وترتكز على حركات معينة يقوم بها الساحر أو الكاهن لنقل التعويذة إلى المعوذ له بلون من التمثيل مستعينا بحرق بعض المواد وبعض الصور وصب الماء وغيره كما يقوم العمل السحرى على شخصية الساحر نفسه والمستمدة من عزلة الساحر القاسية وقوة ملكاته وحواسه وحالة الهيستريا التى يمتاز بها. سر بقاء السحر ويفسر الدكتور غليونجى سبب استمرار الإنسان مؤمنا بالسحر وبقاء مظاهر السحر وأثره إلى يومنا هذا رغم ازدهار التقدم الحضارى القائم على النزعة التجريبية والعقلية فيقول: إن أبرز هذه الأسباب قوة عقل ومنطق الإنسان نفسه وسلامة تفكيره الذهنى ومدى مسايرته للتقدم العصرى كما أن من بين هذه الأسباب شخصية الساحر نفسه ومدى امتلاكه الدهاء والمهارة فى انتهاز الفرص للقيام بعمله السحرى ويضيف الدكتور غليونجى أسبابا أخرى لبقاء مظاهر السحر فى حياة الناس حتى الآن هى طبيعة الإنسان التى تقوم على حب التوغل فيما وراء الطبيعة فضلا عن أن الكتب السماوية امتلأت بسرد قصص من السحر وتحدثت عن شجرة الخلود التى كانت حسب تفسير التوراة لها أنها تكسب آكلى ثمارها الخلود وقد استغل بعض الكهان تلك الملابسات وشجعوا الناس على الإيمان بها ولذلك فإن أغلب السحرة فى مصر القديمة كانوا من النوع اللاهوتى أو الكهنى وكانت وسائلهم السحرية المحضة هى الطلاسم والأحجبة والتعاويذ واستعمال المواد الغريبة كشعر التيس ومخلفات فرس البحر والتماسيح وكان يتم النظر إلى المرض على أنه من فعل روح شريرة دخلت جسم الإنسان ومن هنا يركِّز الساحر سحره على خروج هذه الروح الشريرة من خلال أوامره بالخروج ولا يستخدم وسيلة ضرب جسد المريض بالعصا حتى موت الضحية كما يفعل الدجالون اليوم فيخاطب الروح الشريرة قائلا: اخرجى يا كاسرة العظام يا متسللة إلى الشرايين ويضيف الدكتور غليونجى: وأحيانا يلجأ الساحر إلى طرد هذه الروح الشريرة من الجسد بالتوسّل إلى الآلهة فيقول: السلام عليك يا حورس يا أيها الموجود فى بلد المئات يا حاد القرنين يا بالغ الهدف إنى قصدتك لأمدح جمالك ألا فلتقض على الشيطان الذى يتملك هذا الجسد. السحر فى الفن ويتطرق الباحث إيڨان كونج فى كتابه إلى بداية ظهور السحر فى السينما فيقول: نقلت إلينا بعض الأفلام السينمائية التى استمدت من التوراة مثل فيلم (الوصايا العشر) صورة الفرعون وهو محاط بمجموعة من السحرة فى نطاق البلاط الملكى وبجوار الملك خلال حكم رمسيس الثانى حيث كان هؤلاء السحرة موجودين بين صفوف مستشارى الملك كخبراء فى خدمة الفرعون وبسبب نجاح هذه النوعية من الأفلام السينمائية اهتمت السينما والدراما العالمية بتجسيد قصص وحكايات السحر والسحرة والأساطير والحكايات والعوالم وأصبح عدد الأفلام التى تتناول مثل هذه الموضوعات فى السينما والدراما الأمريكية مثلا أكثر بكثير من الأفلام الواقعية وبسبب النجاح الذى حققته هذه النوعية من الأفلام والمسلسلات الدرامية فى العالم وإقبال الجمهور على مشاهدتها بدرجة كبيرة بدأت الدراما المصرية خلال السنوات الماضية تولى فكرة إدخال عوالم السحر والسحرة والحكايات الخرافية والعوالم الغريبة والخيالية فى الأفلام والمسلسلات اهتماما كبيرا، فبدأت تظهر على شاشات السينما وعلى القنوات الفضائية المصرية هذه النوعية من الأفلام والمسلسلات وكان آخرها مسلسل (جمال الحريم) الذى عرض على شاشة إحدى الفضائيات المصرية أخيرا ولاقى اهتماما ومتابعة كبيرة من جانب المشاهدين المصريين ومن قبله عرض عدد كبير من هذه النوعية من الأفلام والمسلسلات الدرامية فى دور السينما وعلى شاشات الفضائيات المصرية أبرزها أفلام «الإنس والجن والبيت الملعون والتعويذة والفيل الأزرق» ومسلسلات «الكبريت الأحمر وساحرة الجنوب والسبع وصايا وسراى عابدين وتفاحة آدم وحدوته مرة وعلامة استفهام وأبوجبل» وغيرها وكلها لا تخلو من مشاهد تقوم على فكرة السحر والسحرة والجان والعوالم الغريبة. السحر فى الأدب وفى مختلف العصور ظلت عوالم السحر والقوى الخفية تشحذ وتثير أذهان الكتّاب والأدباء والمبدعين فى شتى أنحاء العالم لدرجة أن الكتب والقصص والروايات والأشعار التى ألفوها عن هذه العوالم أكثر بكثير مما ألفوه عن الحياة الواقعية للإنسان فى مختلف المجتمعات ولعل كتاب (ألف ليلة وليلة) أكثر المصادر التى استلهم منها أبرز الأدباء والمبدعين والكتّاب فى العالم أفكار رواياتهم وقصصهم وأشعارهم التى اصطبغت بعوالم السحر والأساطير ومنهم الكاتب الكولومبى العالمى جابرييل جارثيا ماركيز الذى ارتبط اسمه بالواقعية السحرية وتعتبر روايات (هارى بوتر) للكاتبة البريطانية ج. ك. رولنج من أشهر الأعمال الأدبية التى استدعت العوالم الخرافية والأساطير والممارسات السحرية المثيرة وهناك عدد كبير من الأدباء والشعراء والكتّاب العرب والمصريين الذين تأثروا بعوالم التنجيم والسحر وقراء الفنجان فى رواياتهم وقصصهم وأشعارهم منهم الروائى حمدى الجزار فى روايته (سحر أسود) والكاتب الراحل سعيد الكفراوى فى قصصه القصيرة الكثيرة والشاعر السورى نزار قبانى فى رائعته «قارئة الفنجان» التي غنّاها عبدالحليم حافظ الذى يقول مطلعها «جلست والخوف بعينيها تتأمل فنجانى المقلوب – قالت يا ولدى لا تحزن فالحب عليك هو المكتوب - يا ولدى قد مات شهيدًا من مات فداء للمحبوب».