أغلبية القوى والفصائل تراهن على أهمية الاستحقاق ومخاوف من عرقلة الاحتلال أبو الغيط: إنهاء الانقسام يعزز من قوة الموقف الفلسطينى جوتيريش: ضرورية لمنح شرعية متجددة للمؤسسات الوطنية جاء إصدار الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبو مازن»، المراسيم الخاصة بتحديد توقيتات الانتخابات، بمراحلها الثلاث: «التشريعية 22 مايو، والرئاسية 31 يوليو، ثم المجلس الوطنى 31 أغسطس»، وفق آلية التتابع التى وافقت عليها حركة حماس فى مطلع يناير الجارى، بعد أن ظلت لفترة طويلة تطالب بإجرائها بآلية التزامن، ليجسد بداية مرحلة مغايرة فى المشهد الفلسطينى ترمى لإعادة صياغته، على أساس من التوافق الوطنى، والذى بات يضم كل الفصائل الفلسطينية، إلى جانب فتح وحماس، وصولاً إلى إعادة بناء النظام السياسى الفلسطينى، وفى الآن ذاته ضخ الحيوية فى شرعية النخبة السياسية الحاكمة، سواء فى الضفة الغربية أم قطاع غزة، تحسبا لإدارة أمريكية جديدة تولت مقاليد الأمور يوم الأربعاء الماضى. حظيت مراسيم أبو مازن، بترحيب أغلب القوى والفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، التى أكدت حرصها الشديد على إنجاح هذا الاستحقاق، بما يحقق مصلحة الشعب الفلسطينى صاحب الحق المطلق فى اختيار قيادته وممثليه، لكنها شددت على أهمية تهيئة المناخ لانتخابات حرة نزيهة، يعبر فيها الناخب عن إرادته دون ضغوط أو قيود، وبكل عدالة وشفافية، مع ضرورة المضى دون تردد فى استكمال العملية الانتخابية كاملةً فى القدس والداخل والخارج، خصوصا أنه لم تُجر أى انتخابات فلسطينية عامة منذ إجراء انتخابات المجلس التشريعى (البرلمان) مطلع عام 2006 التى فازت بها حماس، ما سهل من عملية سيطرتها على قطاع غزة فى يونيو 2007، ومن ثم وقوع الانقسام مع السلطة الوطنية فى رام الله، فيما جرت قبل ذلك - 2005 - آخر انتخابات رئاسية وفاز فيها عباس. وثمة إجماع لدى أغلب التنظيمات والفصائل الفلسطينية على ضرورة المضى قدما، باتجاه إنجاح العملية الانتخابية بمراحلها الثلاث، حيث تشكل مدخلا لإنهاء الانقسام عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية، بعد الإعلان عن نتائجها والقبول بها سعيا لبناء التوافق الوطنى الشامل، فى مواجهة التحديات والمخاطر الناتجة عن استمرار الاحتلال الإسرائيلى والانحياز الأمريكى السافر له، الذى لا يتوقع أن ينتهى أو ينخفض منسوبه، فى أعقاب وصول بايدن الديمقراطى إلى البيت الأبيض، وإن كان سيحد من وتيرته المتسارعة التى انتهجتها إدارة دونالد ترامب، خلال السنوات الأربع المنصرمة، على نحو جعلها فى حالة تشابه مع مشروع نيتانياهو، لفرض أمر واقع كاد يفضى إلى تصفية القضية الفلسطينية. لكن الكثير من الرموز السياسية الفلسطينية، ومن بينهم واصل أبو يوسف الأمين العام لجبهة النضال، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، يصرون على أن الخطوة التالية المطلوبة بإلحاح بعد صدور مراسيم تحديد مواعيد الانتخابات، تتمثل فى إجراء مشاورات وطنية حول كيفية بناء حوار فلسطينى شامل لإنجاح الانتخابات، وترتيب الوضع الداخلى. وهو ما سيكون متاحا - وفق معلومات “الأهرام العربى” - فى جولة جديدة من الحوار بين فتح وحماس للاتفاق على كل الخطوات اللوجيستية والترتيبات، التى من شأنها أن تفضى إلى عملية انتخابية تتسم بالسلاسة وبدون تعقيدات، وفى ظل محددات النزاهة التى توفرها حزمة من أدوات الرقابة الإقليمية والدولية، وهو ما تم التأكيد عليه خلال الزيارة المهمة، التى قام بها اللواء عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة، لرام الله يوم الأحد الماضى، والتقى خلالها الرئيس أبو مازن، وبرفقته رئيس جهاز المخابرات العامة الأردنية، اللواء أحمد حسنى، بحضور رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية اللواء ماجد فرج، وكلاهما - أى عباس وحسنى - رحب بإصدار الرئيس المرسوم الرئاسى المتعلق بتحديد موعد الانتخابات العامة، وأكد دعم بلديه الثابت والدائم للقضية الفلسطينية . وإذا كان مرسوم تحديد مواعيد الانتخابات، ينطوى على اختراق لجدار الانقسام الطويل فى المشهد الفلسطينى، فإن ثمة من يعتقد أنه غير كاف فى حد ذاته، لأن القفز على هذا الجدار يستوجب - وفق منظورالدكتور أيمن يوسف، أستاذ العلوم السياسية فى الجامعة العربية الأمريكية بالضفة الغربية - بذل مجهود مضاعف خلال المرحلة المقبلة،لتجاوز كل نقاط الخلاف بين فتح وحماس، وضرورة وضع آليات تضمن عدم تكرار المشهد السابق من الانقسام بعد الانتخابات، مثلما جرى فى انتخابات 2006، فذلك هو المدخل الحقيقى لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، حسب تأكيده . ويتخوف مراقبون من عقبات وصعاب ربما تواجه المشهد السياسى، فى مرحلة ما بعد الانتخابات مثل طبيعة الحكومة التى ستتشكل إن كانت حكومة وحدة أو تكنوقراط أو يشكلها حزب واحد، إضافة لإشكاليات المفاوضات مع الجانب الإسرائيلى، لكن ما يبعث على الاطمئنان أن طرفى المعادلة الفلسطينية الرئيسيين فتح وحماس، بات يجمعهما فى الآونة الأخيرة قواسم مشتركة، فيما يتعلق بالتعاطى مع القضية الوطنية فى ضوء التمسك بالثوابت الرئيسية فيها، التى تتمثل فى بناء دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، وفق حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية وإنهاء الاحتلال، ورفض أى مشروعات خارجية لاتضع فى حسبانها المشروع الوطنى الفلسطينى، وذلك على الرغم مما يبدو من تعارض فيما يتعلق بعلاقات السلطة الوطنية مع الدولة القائمة بالاحتلال، التى أعادها أبو مازن أخيرا بعد فترة قطيعة قصيرة - خصوصا عودة التنسيق الأمنى الذى رفضته حماس - فى أعقاب إعلان نيتانياهو عن قرب تنفيذ خطة ضم أجزاء تبلغ 30 فى المائة من مساحة الضفة الغربية، غير أن الحوار القائم بين حماس وفتح، يمهد للتغلب على أى خلافات، لا سيما أن حماس تتعامل مع إسرائيل وتوصلت معها لاتفاقات تهدئة بوساطة مصرية غير مرة، فى الوقت الذى تتدفق فيه إلى قطاع غزة أموال قطرية، عن طريق الدولة العبرية ذاتها. لكن العقبات أمام العملية الانتخابية، لا تنبع من قبل بعض الفصائل أو القوى، التى تبدى تشككا فى جدواها وقدرتها على بلورة مسار وطنى جديدة، فالاحتلال الإسرائيلى من الممكن أن يضع عقبات عديدة لتعطيلها، فى القدسالمحتلة وفى الضفة عبر لجوئه إلى وسائل ذات طابع عدوانى من قبيل تهديد المرشحين أو اعتقال النواب، وغيرها من إجراءات ممكن أن تعرقل العملية الانتخابية، أو أن يسمح بإجرائها إن ضمن أنها ستكرس الاستمرار فى حالة الانقسام، ما يؤكد أن هذه العملية ليست معزولة عن تصعيد الاشتباك مع الاحتلال، وبالتالى فطريق الانتخابات ليست ممهدا كما يفترض البعض، وإن كانت مصر والأردن وأطراف إقليمية أخرى، قد تمارس ضغوطا على تل أبيب للتوقف عن عرقلتها. وحظيت مراسيم أبو مازن بتحديد مواعيد العملية الانتخابية بترحيب عربى وأممى، وهو ما يمكن أن يمثل قيمة مضافة لصالحها، فقد اعتبرها أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، دعمًا مهمًا للموقف الفلسطينى، وقرارًا حكيمًا بتوحيد الصف وإعادة ترتيب البيت من الداخل. ونقل مصدر مسئول بالأمانة العامة للجامعة - فى بيان يوم الأحد الماضى - عن أبو الغيط، تأكيده أن تجاوب الفصائل الفلسطينية، مع هذا التطور المهم يُشير إلى أن إجراء الانتخابات، سيمثل خطوة على طريق المصالحة الفلسطينية التى طال انتظارها، خصوصا أن الاحتلال كثيرا ما سعى إلى استغلال الانقسام لإضعاف موقف الفلسطينيين، وأن إنهاء الانقسام يعزز من قوة الموقف التفاوضى الفلسطينى، وفى هذا السياق يدعو أبو الغيط كل القوى الدولية، إلى دعم القرار الفلسطينى بإجراء الاستحقاقات الانتخابية، مؤكدًا أن المرحلة المُقبلة تحتاج إلى نهج جديد لإطلاق عملية سلمية على أرضية حل الدولتين، وعلى أساس المرجعيات الدولية والقانونية المعروفة، بما يقود إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. وفى بيان مماثل، رحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، بالمرسوم الذى أصدره رئيس دولة فلسطين محمود عباس، بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وانتخابات المجلس الوطنى الفلسطيني، ابتداءً من شهر مايو المقبل، مؤكدا أنها ستكون خطوة حاسمة نحو الوحدة الفلسطينية، وإعطاء شرعية متجددة للمؤسسات الوطنية، بما فى ذلك البرلمان والحكومة المنتخبان ديمقراطياً فى فلسطين. ويعرب “جوتيريش” عن أمله فى أن يسهم إجراء الانتخابات فى استئناف العملية نحو حل الدولتين المتفاوض عليه على أساس خطوط ما قبل عام 1967، ووفقاً لقرارات الأممالمتحدة ذات الصلة، والاتفاقيات الثنائية والقانون الدولي، معربا عن استعداد الأممالمتحدة لدعم الجهود المبذولة، من أجل تمكين الشعب الفلسطينى من ممارسة حقوقه الديمقراطية.