نظام أساسى جديد للانتقال السلمى للسلطة فى «عُمان الجديدة» خبراء وسياسيون: المرسوم السلطانى يرسخ الاستقرار السياسى جاء إصدار السلطان هيثم بن طارق، سلطان عُمان، مرسوما سلطانيا ينظم آلية انتقال الحكم، باستحداث منصب ولى العهد والنِّظام الأساسى للدولة، الصادر بالمرسوم السُّلطانى رقم 6/2021، كخطوة تعمل على ترسيخ الاستقرار السياسى. وبينت مواد من النظام الأساسى للدولة، أن «نظام الحكم سلطانى وراثى فى الذكور من ذرية السلطان، تركى بن سعيد بن سلطان، وفقا لأحكام تُفيد بأن ولاية الحكم تنتقل من السلطان إلى أكبر أبنائه سنّا، ثم أكبر أبناء هذا الابن، وهكذا طبقة بعد طبقة، فإذا توفى الابن الأكبر قبل أن تنتقل إليه ولاية الحكم، انتقلت إلى أكبر أبنائه، ولو كان للمتوفى إخوة». تبدو هذه الخطوة تاريخية، تضاف إلى عهده، بعد قرارات ومراسيم مهمة غير مسبوقة، أصدرها السلطان هيثم بن طارق، سلطان عُمان، منذ توليه مقاليد الحكم، خلفا للراحل قابوس بن سعيد مطلع العام الماضى، وربما كان أهمها استحداث منصب ولى العهد، ليدشن مرحلة جديدة تمس حياة ومستقبل عُمان وشعبها وأجيالها المقبلة، وقوبلت باحتفاء وترحيب شعبيين لافتين للنظر، فما يجرى فى مسقط اليوم هو بمثابة توجه جاد للقيادة الجديدة إلى إحداث تغيير فعلى وشامل على الأصعدة كافة، خصوصاً أن البلاد تنعم بحالة من بالاستقرار السياسى والتناغم المجتمعى، «هذا من ناحية ومن جانب آخر، فقد جاء المرسوم فى الذكرى الأولى لتولى السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم، ليضع آلية واضحة لانتقال ولاية الحكم فى عُمان، بينما كان الوضع سابقًا يشوبه الغموض، وتثار حوله العديد من الأسئلة حول من سيقود عُمان فى المستقبل، بعد أن كان الوضع غامضا خلال فترة حكم السُّلطان قابوس بن سعيد - رحمه الله - فعلى مدى ما يزيد على 49 عامًا، لم يكن أحد يعلم من هو السُّلطان القادم، وكان النظام الأساسى القديم ينص على أن يختار مجلس العائلة الحاكمة السُّلطان القادم، وأنه إذا لم يتمكنوا من التوصل إلى توافق فى الآراء، فإنَّ مجلس الدفاع الذى يضم عددا من كبار المسئولين، يفتحون خطابًا مُغلقًا يكشف اختيار السلطان قابوس لخليفته، ولعلنا نتذكر أنه مع مرض السلطان قابوس خلال السنوات الخمس الأخيرة من حكمه، كيف كان موضوع خلافته أهم قضية سياسية مثارة فى عُمان. الآن أصبح "ذى يزن" أكبر أبناء السلطان هيثم، أول ولى عهد فى التاريخ السياسى الحديث لسلطنه عُمان، وهو من مواليد 21 أغسطس 1990، عين بمنصب وزير الثقافة والرياضة والشباب، هذه الوزارة الجديدة التى تشكلت من اندماج وزارة الثقافة، ووزارة الشئون الرياضية، ووزارة شئون الفنون، واللجنة الوطنية للشباب، منذ شهر أغسطس الماضي، وعمل "ذى يزن" سكرتيرا ثانيا فى السفارة العُمانية لدى بريطانيا، وراعيا حفل يوم الشباب العُمانى فى أكتوبر 2019، وكذلك كأس السلطان لكرة القدم فى الشهر ذاته. يحمل ولى عهد السلطنة، درجة البكالوريوس فى العلوم السياسية من جامعة أكسفورد فى بريطانيا، كما أنه أصغر وزير فى حكومة سلطنة عُمان الجديدة، من ناحيه ثالثة فإن القراءة الموضوعية لما حدث فى عُمان، ترى أنه عندما تولى السلطان الجديد سدة الحكم، استشعر مسئولياته واستشرف المستقبل البعيد، فأقدم على تطوير نظام الحكم وغلق الثغرات، فالوضع السابق كان مقبولاً وفق ترتيبات معينة ومعروفة يقوم بها مجلس العائلة المالكة، وذات صيغة متفق عليها إبان فترة مؤسس عُمان الحديثة الراحل الكبير، السلطان قابوس بن سعيد (لم يكن له وريث فى الحكم)، وبالتالى الظرف ودقة المرحلة الراهنة تتطلبان قراءة جديدة تراعى الاستحقاقات المقبلة والمتغيرات الراهنة داخلياً وإقليمياً ودولياً، وهذا يعنى مواجهة ما قد ينشأ من ظروف واحتمالات تهدد بفراغ دستورى، ما يستدعى ترسيخ مؤسسة الحكم واستمراريتها بفاعلية لتحقيق مصالح السلطنة وحماية وحدتها الوطنية. يقول سالم بن حمد الجهورى - صحفى وباحث عُمانى فى الشئون الدولية - إن خطوة السلطان هيثم التى أعلنها أخيرا، بدءا من تعديل النظام الأساسى باستحداث منصب ولى العهد، ثم فى اليوم التالى الإعلان عن ابنه صاحب السمو السيد ذى يزن بن هيثم وليا للعهد، يراد لها أن تحقق مجموعة من الأهداف، لعل أولها هو الانتقال السلس للحكم فى عُمان دون أى مخاوف داخلية أو خارجية، وكذا سد الثغرات فى هذا الجانب عبر تأطير منظم، لذلك تشريعيا فى النظام الأساسى للدولة، طمأنة الداخل والخارج على مستقبل عُمان، وأن الأمر سيكون أكثر استقرارا، تدشين عُمان لرؤية 2040، تحتاج إلى جهد كبير لتنفيذ ما جاء فيها من أهداف عبر الخطط الخمسية، التى بدورها تحتاج إلى أن تستند إلى حالة من الاستقرار فى رأس الدولة، تطلع عُمان إلى المستقبل وتوجهها بمنح الشباب المزيد من الفرص والمهام لإنجاز الأهداف، والاتكاء على قدراتهم وإمكاناتهم كونهم أقرب إلى فهم لغة العصر ومتطلباته، وإطلاق العنان لهذه الفئة للتواصل مع العالم واكتساب المعارف والعلوم، والتحول إلى التقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي، أضف إلى أهمية أن تكون الرؤى واضحة وجلية أمام الشعب لا تتغير فيها الأهداف بتغير قيادات الدولة، وإنما التحديث والإكمال عليها. ويضيف ل«الأهرام العربى» أن خطوة استحداث منصب ولى العهد، تأتى فى إطار إعادة ترتيب البيت العُمانى من الداخل، بما يتوافق ويلبى متطلبات المرحلة المقبلة، فهناك الآن حكومة جديدة ووجوه جديدة موكل إليها تنفيذ هذه الرؤية، وهناك أيضا مراقبة مباشرة عليها من السلطان هيثم نفسه، كما أن هناك توجه تقليص النفقات لإعادة التوازن المالى للدولة، وأيضا المساءلة والشفافية والرقابة على أداء الحكومة، وماذا أنجزت خلال فترات زمنية محددة وليست مفتوحة، وهذا يعد من الخطوات المتقدمة جدا فى المساءلة والمحاسبة. ويضيف الجهورى، لأن السلطنة مقبلة على فتح مجال للاستثمار بشكل أكبر من أى وقت مضى، يراد له أن يشكل قاعدة مالية بديلة عن النفط فى العقود المقبلة، إلى جانب التوجه للاستقطاب الصناعى والإنتاج الزراعى والتطوير السياحى والابتكار العلمى، فإن كل ذلك يحتاج إلى دولة مكتملة الأركان، حتى تستطيع أن ترفع مداخيلها المالية، وتعتمد على ذاتها وقدراتها الذاتية، بهدف تجنب الهزات المالية، التى عصفت ليس بعُمان، وإنما العالم، من تراجع الأداء الاقتصادى خلال السنوات الأربع الماضية، وتهاوى أسعار النفط، وجائحة كورونا التى لم تبق ولم تذر، وكلها كشفت، واقع الدول وهشاشتها المالية خصوصا تلك التى تعتمد على إيرادات النفط والغاز، وهذا بدوره أعطى فرصة للدول أن تراجع نفسها فى ضرورة أن تكون هناك موارد بديلة. لذلك كله، فإن هذه الإصلاحات تحتاج إلى تنظيم مهم فى السلطنة، ومنها تسمية ولي للعهد، بهدف مساندة السلطان فى مهامه إلى جانب إدارة شئون الدولة، خصوصا مع تشعب المتابعات اليومية الداخلية والخارجية والالتزام ببرنامج إنجاز المراحل الزمنية فى رؤية عُمان، وبذلك فإن سلطنة عُمان تدخل بهذه الخطوة مرحلة جديدة من مراحل عهدها الحديث، الذى يحتاج إلى التحديث فى كثير من الأمور، وأولها تعيين ولى للعهد سيبعث برسائل مهمة جدا للقريب والبعيد، وهى رسائل سياسية واقتصادية واستثمارية، تعطى المزيد من الاطمئنان والاستقرار.