د. أحمد عاطف دره أصبح النوع البوليسى هو الاسلوب الاكثر انتشارا فى اغلب الاعمال الفنية العالمية سواء فى افلام الميزانيات الضخمة او اعمال منصات البث اون لاين. والتى رأت جميعها ان البحث عن اسرار جريمة ما فى عمل فنى هو الاكثر جذبا لكل الاعمار. ربما لان الجميع يحب حل الالغاز او ربما لان غريزتى الفضول وتحدى الذكاء متأصلتان بقوة فى النفس البشربة. وربما يكون شيوع النوع البوليسى للكافة هو إلهاء ما بعده الهاء عن المزعج والمعضل والمحير فى مشكلات الزمان، الفلسفى منها او السياسي. وربما تستغله ثلة اخرى من الفنانين ليكون كاشفا لاسرار عميقة فى ميكانيزمات المجتمعات او لاسرار كامنة فى النفس البشرية. ومن افضل الاعمال البوليسية التى عرضت مؤخرا على المنصات العالمية، المسلسل الفرنسى لوبين الذى احتل المرتبة الاولى فى الاعمال الاكثر مشاهدة فى العالم. ورغم ان الموسم الاول من المسلسل لم يتجاوز الحلقات الخمس، فإنه استطاع ان يقدم درسا فى استمرارية طزاجة هذا النوع وأكد الفكرة الدائمة التى تقول بأنه ليس المهم هو الاسلوب الفنى المستخدم، بل المهم هو كيفية استخدامه. تبدأ احداث المسلسل بحادث سرقة عقد الملكة مارى انطوانيت من متحف اللوفر الشهير بباريس. ومارى انطوانيت هى آخر ملكة فرنسية حكمت قبل ان تعدمها الثورة الفرنسية بالمقصلة عام 1793، واشتهرت بأنها كانت لا تعرف شيئا عن معاناة الشعب وهو رمز قوى سيتضح فيما بعد. فى بداية الحلقة الاولى نتعرف على سارق العقد وهو الفرنسى من اصل سنغالى حسن ديوب الذى تنكر فى صورة عامل نظافة باللوفر ثم فى صورة ملياردير امريكى يربح المزاد الذى يقام لبيع العقد والذى يتضح انه مملوك لعائلة فرنسية من الاثرياء تدعى بليجريني، ثم يهرب بالعقد الحقيقى ويترك لهم نسخة مزورة. سرعان ما نعرف ان ديوب مهووس بمغامرات شخصية السارق الفرنسى الاسطورى ارسين لوبين الذى تم تخليده فى 12 رواية مختلفة على يد الروائى موريس لوبلان. فى سيناريو محبوك جيدا نعرف ان الهدف الرئيسى لسرقة العقد هو الانتقام من عائلة بليجرينى الذى تسبب عائلها الملياردير فى سجن وموت والد حسن ديوب المهاجر السنغالى البسيط الذى كان يعمل لديهم سائقا. ورغم ان الحلقة الواحدة من المسلسل لا تزيد على 45 دقيقة، فإنها مليئة بالاحداث التى تتراكم ، لتكشف سرا وراء الآخر تباعا ليثير شهية المتفرج ويدخله فى لعبة لا نهائية من الاحجيات، مما يضمن تشويقا متواصلا واندماجا متناهيا مع البطل وقصته. وضع مؤلفا المسلسل جورج كاى وفرانسوا اوزان هدفا نبيلا لشخصية حسن ديوب وهو تبرئة والده الذى اتهم وقتل ظلما. ويكمل السيناريو الصفات النبيلة لبطله الذى يحب ابنه وكانت لديه قصة حب رائعة مع ام هذا الابن منذ كان مراهقا. يكتشف حسن ان والده تم اجباره على امضاء اعتراف وهمى بانه سرق العقد من عائلة بليجريني. شيئا فشيئا نعرف ان رب العائلة اختلق قصة السرقة ليخرج من عثرته المالية مضحيا بسائقه الافريقى الطيب الذى لم يفعل الا كل خير. لكن المغامرة الاكبر خاضها ديوب الذى يغير هويته كل لحظة عندما دخل السجن استبدالا مع صديق له ليعرف الحقيقة من شخص عجوز كان يرافق والده فى غرفته قبل ان يقتل. يتأكد حسن من براءة والده فعلا ويوجه جهوده لاختطاف واستجواب الضابط الذى زور التقارير عن والده فى الماضي. ثم يصل لصحفية مخضرمة استطاعت كشف فساد بليجرينى لكنه هزمها بمحاميه. يقرر بليجرينى الاب قتلهم جميعا لنبشهم وراءه ويقتل الصحفية العجوز بالفعل. ثم يبعث بمن يقتل حسن الذى ينجو بمعجزة، لكن الحلقات الخمس تنتهى بخطف راؤولابن حسن لننتظر فصلا اخر من الصراع بين اللص النبيل فى مواجهة رجل الاعمال الفاسد. فضح حسن فى مغامراته بيع بيليجرينى اسلحة لعصابات فى شرق آسيا استخدموها فى تفجير السفارة الفرنسية حسب الحلقات، لكن تم محو شريط الفيديو التى يحمل الحقيقة بعدما رشا بليجرينى صناع احد اشهر البرامج التليفزيونية هناك. وهنا مكمن قوة المسلسل، لانه استخدم الاسلوب البوليسى ليحلل حقائق مسكوتا عنها عن المجتمع الفرنسي. يحدثنا مسلسل لوبين عن رجل اعمال فرنسى فاسد صديق لكبار رجال السياسة يهدد صغار الضباط ويستخدمهم فى اعمال غير مشروعة ويرشى اعلاميين، ويقتل ولا يلاحقه احد لسنوات. وشرطة يتم التغرير بها اغلب الوقت. ويقدم لنا مهاجرين افارقة مظلومين على الدوام ويعانون عنصرية تجاههم فى الماضى والحاضر. وعربا يدفعهم الفقر والتهميش فى فرنسا الى الجريمة. مما يدعونا للتساؤل المهم عمن هو المجرم الحقيقي: هل هو حسن ديوب او بليجيرينى ام المجتمع بآلياته المعطوبة؟