حياة الملوك داخل القصور الملكية تظل دائماً سراً مقدساً لا يطلع عليه سوى المحيطين بالعائلة المالكة سواء أكانوا من الحاشية أو العاملين والموظفين بالقصور، أما عامة الشعب فلا يعرفون سوى ما تسمح به التقاليد الملكية أن يُنشر، ولذا ظلت حياة الملوك وكيفية تربيتهم أولادهم من الأمراء والأميرات وإعدادهم لتولى الحكم وسلوك هؤلاء الأمراء سراً يحاول الفضوليون كشف أسراره. كشفت وثيقة من بين مقتنيات بائع كتب فى مصر القديمة عن بعض هذه الأسرار. والوثيقة المكتوبة بخط اليد تحمل عنواناً مثيراً هو «مذكرة عن زيارة حضرة صاحب السمو الملكى الأمير فاروق وشقيقتيه لمتحف القطن بالجمعية الزراعية الملكية فى أول يونيو سنة 1935 ». ويقول كاتب المذكرة، الذى يبدو أنه مسئول بالجمعية: «أنه فى يوم الخميس 30 مايو 1935 اتصل بى تليفونياً حضرة صاحب العزة أحمد محمد حسنين بك الأمين الأول لحضرة صاحب الجلالة الملك معلناً رغبة صاحب السمو الملكى الأمير فاروق وشقيقتيه فى زيارة متحف القطن بالجمعية فى صباح يوم السبت أول يونية 1935». ويستكمل صاحب الوثيقة سرده للأحداث: «وفى يوم الجمعة 31 مايو 1935 اتصلت تليفونيا بدائرة حضرة صاحب السمو الأمير عمر طوسون رئيس الجمعية لإبلاغ سموه بهذه الزيارة ، فرأى حضرة صاحب السمو الرئيس دعوة الموجودين من حضرات أعضاء مجلس إدارة الجمعية بمصر لاستقبال سمو الأمير الملكى وشقيقتيه عند الزيارة ، وبالاتصال بحضرة صاحب السعادة محمد طاهر باشا رئيس لجنة متحف القطن وعضو مجلس الإدارة علمت من سعادته أن السراى ترغب فى أن تكون الزيارة بسيطة حتى يتمكن سمو الأمير والأميرات من دراسة موضوع القطن». أما عن وقائع الزيارة ذاتها، فأوردت : «وفى الساعة التاسعة والربع من صباح يوم السبت أول يونية سنة 1935 شرف سمو الأمير فاروق وشقيقتاه الأميرتان فوزية وفائزة بزيارتهم المتحف وكان فى استقبالهم مدير عام الجمعية الزراعية ومدير متحف القطن وتوليا شرح موجودات المتحف، واستعرضا عملية زراعة القطن من بدايتها إلى عملية الجنى ثم عملية حليج الأقطان وغزلها ونسجها مرتبة، وقد أعجب بها كثيراً كما أعجب بعملية عرض أطوال تيلة الأقطان فى العالم، وقد مر سموه وشقيقتاه على جميع ما بصالات متحف القطن ثم مر سموه على حديقة الفاكهة بالجمعية ومنها إلى قسم تربية الحيوانات حيث استعرض سموه الخيول الأصايل والأبقار والجاموس الموجودة بالجمعية وسُر بها كثيراً . وقد قدمنا لهم بعض هدايا صغيرة من سن الفيل تمثل حيوانات السودان وقد تقبلوها مسرورين وهى موضحة بالكشف طيه. وفى الساعة 10 و15 دقيقة صباحا انصرف الأمير والأميرتان مودعين بالحفاوة والاحترام بعد أن وقع سمو الأمير فى دفتر الزيارة بالمتحف. وبعد انتهاء الزيارة كما تشير الوثيقة «توجه حضرة صاحب العزة فؤاد أباظة بك مدير عام الجمعية وسعيد بهجت أفندى مدير متحف القطن إلى السراى الملكية وقيدا اسمهما شكراً على هذه الزيارة المباركة وقد أشار معالى سعيد ذو الفقار باشا الى أن سمو الأمير والأميرات كانوا فى غاية السرور وقد كتبت عن ذلك بعض الجرائد وأُخذت لهم بعض الصور» . إلى هنا انتهت المذكرة التى قدمت وصفاً مفصلاً لزيارة ولى العهد والأميرتين للمتحف والقت الضوء على اهتمام القصر والملك بتعليم أبنائه أهمية القطن المصرى الذى كان الركيزة الأساسية لاقتصاد البلاد، فكان لزاماً على ولى العهد الذى لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره أن يزور هذا المتحف ليعرف أهمية هذا الذهب الأبيض لبلاده فى جو يتسم بالبساطة والبعد عن القيود الملكية. وتبين المذكرة أدب الأمير وشقيقتيه وسلوكهم المنضبط واهتمامهم بكل ما قدم لهم من معلومات كذا زيارة باقى أقسام الجمعية التى كانت صرحاً زراعياً هاماً فى العصر الملكي.. والله على مصر ومتاحفها وذهبها الأبيض زمان والآن. الوثيقة الخاصة بزيارة فاروق وفوزية وفائزة