عبدالله عبدالسلام يوما بعد يوم، تثبت التجارب العملية أن نموذج العمل التقليدى للصحف، والمعتمد على الإعلانات والتوزيع، لم يعد يصلح بعد انهيار عائدات كليهما بشكل منتظم منذ سنوات، ليأتى وباء كورونا ويوجه ضربة قاصمة لصناعة أبصرت الحياة قبل 4 قرون وتواجه المجهول حاليا. البحث عن نموذج جديد فرض كفاية على المجتمع، وتحديدا الجماعة الصحفية باعتبار الصحافة شريان التطور وعين الرأى العام. الحديث عن خسائر الصحافة الورقية وعمليات تسريح الصحفيين التى لا تتوقف داخل وخارج مصر، يثير الأسى والشفقة على زملاء أصبحوا فى الشارع، ومهنة تتقاذفها أمواج الفشل والإحباط لدرجة أننا نشهد ما يمكن أن نطلق عليه « موت معلن» دون قدرة على عمل شىء. عشرات الصحف الأمريكية، فى محاولة منها للبقاء لم تكتف بخفض العمالة والنفقات بل تخلت مؤخرا عن صالات تحريرها ليقوم الصحفيون المتبقون بأعمالهم من المنزل. ظلت صالات التحرير، كما تقول الصحفية الأمريكية دانييلا ألتمارى، مصنعا للأفكار التى تتوالد بنقاشات الصحفيين، لكن لابد مما ليس منه بد. إنها سنوات حرب وبلاء، كما قال نجيب محفوظ على لسان الحكيم المصرى القديم أيبور، فى «ثرثرة فوق النيل». النموذج الجديد، كما أجمع الخبراء، أساسه الهجرة للانترنت، أى أن تصبح الصحافة إلكترونية مع زيادة الاستثمار فيها وتقليل تكاليف الصحافة الورقية لأقصى قدر، واتخاذ تدابير اقتصادية عاجلة مع الحكومات لمنح الصحف أقصى إعفاء ضريبى وتأجيل دفع أقساط الضرائب وتخصيص حزم اقتصادية لمواجهة الأزمة. لكن العبء الأكبر يقع على الصحف، فما حك جلدك غير ظفرك. فلا يعقل رؤية نموذج عاشت عليه طويلا ينهار ثم تتشبث به، مدعية أن الأزمة طارئة والخطر زائل. الخطر قائم ويتفاقم. النشر عبر الانترنت ذاته ليس حلا سحريا لكنه الخيار الوحيد. لن تستعيد الصحافة ألقها وتزدهر كالأيام الخوالى، فالمطلوب إنقاذ ما يمكن إنقاذه لتستقر السفينة وترفع أشرعتها تمهيدا للانطلاق. التلكؤ فى الإصلاح يعنى ترك الصحافة لمصيرها المحتوم. الأزمة الوجودية ضربتها بعد مئات السنين من ظهورها. الآن هذه الأزمة لن تعطى مهلة طويلة. إما التحرك وإما الفناء.