احتفل العالم مؤخرا باليوم العالمى الأول للمساواة فى الأجور عن العمل ذى القيمة المتساوية، وهو الاحتفال الذى ينظمه التحالف الدولى للمساواة فى الأجور لتبادل الأفكار والأدلة حول كيفية مكافحة التمييز على أساس النوع الاجتماعي، والالتزام بمزيد من الإجراءات لتحقيق المساواة فى الأجور بين النساء والرجال لتعزيز العمل الإنتاجى والعمل اللائق،وهو مفهوم يشير الى توافر فرصة عمل مناسبة وبدخل ملائم وتتيح الاستقرار فى العمل وسط ظروف عمل آمنة وحماية اجتماعية للأسر وآفاقا أفضل للتنمية الذاتية للأفراد. اذ مازالت الفجوة فى الدخل بينهما تبلغ نحو 20% على الصعيد العالمي. وانضمت مصر إلى التحالف، والذى تقوده منظمة العمل الدولية وهيئة الأممالمتحدة للمرأة، ويضم مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة فى المجال، فى بداية عام 2020 وتتمتع بعضوية لجنة تسيير الأعمال الخاصة. وهنا يجب التفرقة بين التساوى فى الاجور اى حصول الجميع على نفس الأجر بغض النظر عن طبيعة العمل او الإنتاجية، والمساواة التى تعنى حصول العاملين الذين يؤدون مهام متشابهة وفى نفس ظروف العمل، وذوى الإنتاجية المتماثلة، على أجور مماثلة. ولذلك تتفاوت الأجور بالنسبة للمهام المختلفة والمحددة بمهن معينة، وتعكس الفروق فى الأجور بين الأفراد إلى حد كبير اختلاف ظروف العمل او اشتراطات الوظيفة. وبالتالى يحظر التمييز فى الاجر بسبب اختلاف الجنس او الأصل او اللغة او الدين او العقيدة. وجدير بالذكر ان هناك العديد من الاختلالات الاجرية فى مصر يأتى على رأسها ان إجمالى قيمة الأجور المدفوعة فى الاقتصاد المصرى تشكّل نحو 30% من الناتج المحلى الإجمالي، وهو ما يمثّل خللاً هيكليا فى التوزيع الأوّلى للدخل مصلحة أصحاب الأعمال ورءوس الأموال والأصول (الأرباح والفوائد والريع) ولغير مصلحة العمال، علماً بأن هذه النسبة تصل إلى نحو 60% فى البلدان المتقدمة. وعلى الجانب الآخر تشير الإحصاءات إلى انه وعلى الرغم من استيعاب القطاع الخاص لنحو 70 % من العمالة إلا أن نصيبه من الأجور على المستوى القومى قد وصل إلى 55 % من الإجمالى مما يعكس انخفاض متوسط الأجر لديه مقارنة بقطاعات الاقتصاد القومى الأخري. وهنا تشير النشرة السنوية لاحصاءات التوظف والاجور وساعات العمل، الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إلى أن المتوسط الاسبوعى للأجور النقدية لدى القطاع العام ( والذى يصل الى 1479 جنيها) أعلى من مثيله فى القطاع الخاص (الذى يصل الى 1019 جنيها) وذلك على الرغم من ارتفاع عدد ساعات العمل فى الثانى الى 57 ساعة مقابل 49 ساعة لدى القطاع العام. وتزداد هذه المسألة بشدة بين الذكور والإناث إذ بينما يصل المتوسط للإناث الى 1649 جنيها فى القطاع العام، فانه فى القطاع الخاص لايزيد على 906 جنيهات. مع ملاحظة ان حجم القوة العاملة من الاناث يصل الى 3.943 مليون (بنسبة 14.8% من الاجمالى البالغ 26.689 مليون فرد). ورغم ان سوق العمل استطاعت استيعاب نحو 102 ألف وظيفة عام 2019، الا انها كانت كلها من الذكور حيث تم استيعاب 843 ألفا منهم مقابل نقص742 ألفا من الاناث.وتدلنا هذه البيانات على ظاهرة أساسية وهى انسحاب المرأة من هذه السوق وتفرغها للأعمال المنزلية إما نتيجة للأوضاع السائدة او لأسباب اجتماعية تتعلق بأنماط القيم السائدة فى المجتمع. ومن الاختلالات المهمة فى سوق العمل التطبيق الخاطيء للحد الأقصى للدخول وذلك بعد صدور العديد من الفتاوى الخاصة بعدم إخضاع بعض الفئات للقانون رقم 63 لسنة 2014، فضلا عما جاء فى المادة الثالثة عشرة من القانون رقم 79 لسنة 2019 الخاص بربط الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019/2020 والتى رفعت الحد الأقصى إلى خمسة وثلاثين مثل الحد الأدنى للدرجة السادسة فى بداية التعيين والذى يتقرر بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء.وبالتالى فإن تطبيق هذه المادة ترتب عليه وجود عدة حدود قصوي، أولها 42 ألف جنيه صافى دخل يطبق على المجموعة الثانية، والثانى 70 ألفا يطبق على أجهزة الموازنة، فضلا عن وجود هيئات ليس لها حد أقصى من الأساس. تضاف الى ماسبق سياسات الزيادة فى الاجور الحكومية خلال العامين الماضيين، والتى جاءت مخالفة للمنهج المعمول به من قبل، حيث كانت نسبة زيادة الحد الأدنى وفقا للقرارات السابقة تزيد لدى الدرجات الأدنى فى السلم الوظيفى عنها لدى الدرجات الأعلى،وذلك فى محاولة لتضييق الفجوة فى الأجور. أما القرارات الاخيرة فقد جاءت بالعكس من ذلك تماما، حيث كانت نسبة الزيادة للدرجات الأعلى فى السلم الوظيفى أكثر بكثير من الدرجات الأدني. وهنا نلحظ ان الضريبة على الأجور تعانى تشوهات عديدة اهمها عدم مراعاة المقدرة التكليفية للممول والاختلال الكبير بين متحصلى نفس الاجر فى المعاملة، خاصة بين المخاطبين بالخدمة المدنية، وغير المخاطبين إذ أنه وبمقتضى الخدمة المدنية تم ضم كل من العلاوات الاجتماعية والعلاوات الخاصة والبدلات المعفاة بقوانين خاصة.. الخ. إلى الأجر الوظيفي، وبالتالى إلغاء الإعفاء الذى كانت تتمتع به وأصبحت ضمن الوعاء الضريبي، واصبح هؤلاء يدفعون ضرائب أكثر من زملائهم غير الخاضعين. فضلا عن وجود اعفاءات من هذه الضريبة يخضع لها البعض وليس الكل وهى الاعفاءات المقررة بقوانين خاصة مثل القانون الخاص باللائحة الداخلية لمجلس النواب، ناهيك عن البدلات المعفاة بقوانين خاصة، مثل بدل التمثيل لبعض الجهات، وكذلك للوظائف العليا.فى الجهاز الحكومى ..الخ. ويرتبط بهذه المسألة نسبة التأمينات المستقطعة سواء من الأجر الأساسى او المتغير والذى تحدد بقرار من الوزير المعنى ب التأمينات الاجتماعية، وبناء عليه يحدد الحد الاقصى لأجر الاشتراك والذى يحسب على أساسه قيمة التأمينات المعفاة من الخضوع للضريبة، وبذلك تختلف من جهة لأخري. وهكذا يتضح لنا التشتت الكبير فى سياسة الأجور بين جداول رواتب ولذلك فان إصلاح الخلل على المستوى القومى يتطلب العمل أولا على دراسة اسباب انسحاب المرأة من السوق وثانيا تعميم الحد الأدنى للأجور على المجتمع ككل. نقلا عن صحيفة الأهرام