شهدت منطقة مصر الجديدة خلال الأشهر القليلة الماضية ، طفرة تنموية حقيقية تمثلت فى إنشاء عدد كبير من المحاور والكبارى وشبكات الطرق، والتى ضخت فيها الدولة مبالغ طائلة بهدف تسيير الحركة المرورية ، وفك عقدة الزحام والتكدس التى كانت تتسبب فى شلل مرورى بمنطقة شرق القاهرة بأكملها. ولا تكف القيادة السياسية عن المتابعة على مدار الساعة لعمليات التطوير و إنشاء المحاور والكبارى فى تلك المنطقة الحيوية من العاصمة، دون أن يؤثر ذلك على الطابع المعمارى الفريد الذى تمتاز به مصر الجديدة، وكانت توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى جولته التى قام بها بمنطقة شرق القاهرة ، تتركز على الإسراع بضرورة تنفيذ تلك المشروعات وفق أعلى المعايير الهندسية. وبينما أحدثت المشروعات التنموية فى قطاع الطرق والكبارى التى نفذتها ولا تزال تنفذها الدولة بمنطقة شرق القاهرة، سيولة مرورية واختصارًا للوقت لمسه كل مواطن من المترددين على مدينة نصر ، ومصر الجديدة ، فإن هناك شوارع فى حى مصر الجديدة العريق لا تزال تتلمس الأمل فى تلك الانفراجة المرورية، وذلك بعد أن تعددت شكاوى المواطنين من التكدس والزحام فى مناطق و شوارع إبراهيم اللقانى ، والمعهد الاشتراكى ، وبطرس غالى ، ودمشق، والحجاز.. ، فما السبب فى ذلك التكدس؟ وما المطلوب حتى تكتمل الصورة الجمالية بهذه المنطقة ، ويستفيد المواطن من ثمار ما تنفذه الدولة من مشروعات واعدة ، لتسيير الحركة المرورية ؟ «الأزمة الكبيرة التى نعانيها هنا هى الانتظار فى نهر الطريق والجزيرة الوسطى «.. هكذا بدأ أحمد صالح -موظف بأحد البنوك - حديثه ل «الأهرام»، مؤكدًا أن الوضع الراهن يبدو مأساويًا، فعلى الرغم من الطفرة المرورية التى تحققت فى مصر الجديدة، لكنها لم تصل إلى شوارع إبراهيم اللقانى ، والمعهد الاشتراكى وبطرس غالي، حيث يبدو السايس هو المسيطر على الشارع ، ويتسبب فى تعطيل حركة المرور وتوقف الشوارع بما يقدم عليه من تحدي الجميع ، وركن عشرات السيارات مقابل ما يتحصل عليه من مبالغ. ويضيف محمود خطاب -موظف- :» لا يمكن إلقاء اللوم على السايس وحده ، رغم ما يمارسه من نفوذ وما يفرضه على السيارات من إتاوات، ولا يمكننا كذلك إعفاء إدارة المرور من المسئولية، فالمنطقة حيوية جدًا، وما تتسبب فيه عملية ركن السيارات وقيام السياس بتعديل وضعها مرة ، وإخراج السيارة مرة أخرى ، والتشاجر مع أصحابها مرة ثالثة، تدفع ثمنه كل الشوارع المحيطة التى تتحول بعد وقت قصير إلى «ماراثون لإطلاق الكلاكسات فضلا عن التكدس الذى يرهق الجميع»-حسب قوله- لافتًا إلى أن «ونش المرور» لا يتدخل لإنهاء تلك الفوضى والعشوائية التى تحكم الشوارع فى هذه المنطقة، ولا يرفع السيارات التى يستعرض بها السايس عضلاته فى نهر الطريق ، وفى الجزيرة الوسطى « فى عز الضهر»- حسب تعبيره. أما عائشة محمود -موظفة- فتقول: إنه فى أوقات الذروة يصل التكدس المرورى فى شارعى إبراهيم اللقانى والمعهد الاشتراكى إلى درجة لا تحتمل ، حيث يتجاوز عدد السيارات التى تنتظر فى المخالف فى أيام العمل الرسمية 300 سيارة ، أصحابها يعملون فى الشركات والمكاتب والبنوك، ويتضاعف هذا العدد فى شوارع الأهرام ، ودمشق ، وبطرس غالى ، الأمر الذى يؤدى إلى خنق نهر الطريق وخلق التكدس والزحام من دون أن يتحرك ونش المرور لإنهاء تلك المهزلة. وتضيف عائشة: الغريب فى الأمر، أنه فى ظل هذا الانتظار المخالف فى الشوارع، يوجد على مسافة خمس دقائق فقط جراج روكسى ، الذى فرحنا كثيرا عند افتتاحه قبل عام ليكون أول جراج ذكى تحت الأرض فى مصر والشرق الأوسط، ولكن الحقيقة أنه لم يحدث تغيير فى الأمر، ولا ندرى ما السبب فى ذلك. الكلام ذاته يؤكده محمد عمران من سكان المنطقة ، بقوله بالرغم من أن أنشاء جراج روكسى جاء لفض التكدس المرورى بالمنطقة ، وجدنا أن الشوارع كما هى تكتظ بالسيارات المركونة صفا أول وصفا ثانيا ، والغريب أن هذه الفوضى امتدت إلى محيط جراج روكسى الذى أنشئ أساسا لمنع الانتظار فى هذه المنطقة الحيوية»، مضيفًا: « من المستحيل أن تكون السيارات التى تنتظر فى شوارع ابراهيم اللقانى والمعهد الاشتراكى وغيرها من الشوارع المحيطة ب الجراج ، سيارات زائدة عن سعة الجراج ، فجميعنا يعلم أن السيارات التى تتوجه إلى الجراج لا تتناسب مع سعته ، وعددها ضئيل جدا يمكن ملاحظته للعابرين من أمام المدخل، الذى لم يسلم هو الآخر من الانتظار أمامه». أما محمود جبرى من سكان المنطقة- فيعبر عن الحل لتجاوز تلك المشكلة قائلا: لابد من تكثيف الحملات المرورية على الشوارع وتطبيق الغرامات الفورية والصارمة على السيارات التى تنتظر فى شوارع مصر الجديدة، فليس من المعقول أن يكون فى المنطقة جراج ضخم بهذه التكلفة الكبيرة والإمكانيات التكنولوجية المتطورة ، وفى النهاية نفاجأ بأن الشوارع ما زالت على حالها القديم من الانتظار العشوائى فى المناطق الحيوية ، والتى تؤثر على السيولة المرورية فى منطقة روكسى ومصر الجديدة كلها. ويقول محمد عامر -سائق تاكسي-: كنا نعانى كثيرًا أثناء عملنا فى منطقة مصر الجديدة ، وتحديدا فى روكسي، حيث المواطنون يأتون إلى المنطقة للتسوق ويقومون :»بركن» سياراتهم هنا، مما يؤدى إلى اختناق مرورى بالشوارع، وبعد إنشاء جراج روكسى ، كنا نظن أن الحال سيتغير لكنه للأسف ازداد سوءا وكأن شيئا لم يكن . ويرى عادل مصطفى -مدرس- أن الشوارع هى عنوان الانضباط والتحضر، وأن ما يحدث فى منطقة روكسى من انتظار عشوائى واستمرار ظاهرة السايس يتنافى تمامًا مع الجهود الكبيرة التى تبذلها الدولة لفرض سيادة القانون ، والتصدى للمخالفات بجميع أشكالها، مطالبًا بتنفيذ القانون ومواجهة العشوائية والتعديات التى تمثل تعديا على حق الدولة والمواطن فى آن واحد، ولذلك «فالحل فى فرض هيبة القانون على الشوارع وتسيير ونش المرور على مدار اليوم لإجبار السيارات على الانتظار فى جراج روكسى ، الذى كان هدفه تحرير الشوارع من السايس والانتظار على جانبى الشوارع ، أسوة بما حدث فى ميدان التحرير الذى لا تستطيع سيارة واحدة أن تنتظر فيه ، ولا فى الشوارع المحيطة منذ إنشاء جراج التحرير.. ، القانون وحده هو من يقر الانضباط فى الشوارع، ولا بد من حلول عاجلة لتحقيق الهدف من إنشاء هذه الجراج ات». «الأهرام» رصدت بالصورة انتظار السيارات بكثافة فى الشوارع المشار إليها مسبقًا، فى وقت يظهر فيه السايس منظما خروج ودخول السيارات إلى أماكن الانتظار المخالف، ودعوة السيارات التى تبحث عن مكان للانتظار لديه، لكن الغريب فى الأمر أن هذا الانتظار -كما رصدناه وتكشفه الصورة - جاء أسفل لافتة واضحة بألوان زاهية تحمل علامة «ممنوع الانتظار» وقد بدت السيارات تنتظر مخالفة أسفلها، والأغرب فى هذا المشهد ، أن تلك اللافتة التى تجرم الانتظار فى الشوارع حملت فى أسفلها أيضًا عبارة «جراج روكسي» وسهما يوجه السيارات إلى موقع الجراج الذى يبدو قريبا فى محيط هذا المشهد. وأمام انتقاد المواطنين لهذه المخالفات التى ألقوا باللوم فى انتشارها على غياب الانضباط المرورى ، و الحملات المرورية ، وحديثهم عن وجود جراج ضخم بالمنطقة غير مستغل ، بينما الشوارع تكتظ بالسياس والسيارات، وأمام اللافتة غير المفعلة التى تمنع الانتظار ، وتشير إلى موقع الجراج ، انتقلت «الأهرام» إلى جراج روكسى حيث فوجئنا فى محيطه بطوابير من الانتظار على جانبى الطرق ، وفى الجزيرة الوسطى أسفل لافتات «ممنوع الوقوف قطعيا».. فى حين لم يكن موجودا داخل جراج روكسى وفقا للسعة المعلنة سوى نحو 50 سيارة فقط، وهو ما يطرح تساؤلا مهمًا: ما فائدة هذا الجراج الذى تكلف ملايين الجنيهات، إذا كان المشهد بالخارج يبدو بهذه العشوائية، والانتظار المخالف و الجراج من الداخل شبه خاو من السيارات؟ وللتعرف على أسباب التناقض الغريب بين تكدس الشوارع، وخلو جراج روكسى من السيارات، يقول محمود فراج رئيس مجلس إدارته : بعد نجاح تجربة جراج التحرير فى ضبط المنظومة المرورية بقلب العاصمة، جاءت فكرة جراج روكسى لتحقيق نفس الهدف بمنطقة شرق القاهرة، وتحديدا فى منطقة مصر الجديدة، وتم اختيار مساحة كبيرة تصل إلى 10 آلاف متر بمنطقة روكسى ، كانت على مدى سنوات طويلة غير مستغلة رغم وقوعها فى منطقة حيوية بقلب مصر الجديدة ، ذلك الحى الراقى ذو المبانى الأنيقة التراثية، هذه المنطقة التى تحولت مع الوقت إلى موقف، قبل القرار الجريء الذى اتخذته الحكومة بتحويلها إلى أول جراج ذكى تحت الأرض فى مصر والشرق الأوسط.. ، ويضيف فراج ووفقًا للمخطط الحكومي، تبلغ السعة الإجمالية للجراج فى مرحلتيه الأولى والثانية 1700 سيارة، وقد افتتح الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء فى 21 يوليو من العام الماضى المرحلة الأولى من الجراج ، التى تستوعب 900 سيارة، وبلغت تكلفة المرحلة الأولى التى تم تنفيذها على 4 طوابق نحو 230 مليون جنيه. وقد تم تشييد الجراج وفقا لأحدث المستويات التكنولوجية وبنظام متميز، يهدف - كجراج ذكي- إلى توفير مناطق لانتظار السيارات فيه ومنعها من الانتظار بالشوارع ، والمناطق المحيطة بما يساهم فى تيسير الحركة المرورية بمنطقة روكسي، حيث يتم ركن السيارة أتوماتيكيا ، وكذلك عوامل الأمان والتقنيات الحديثة التى يعمل بها الجراج دون تدخل بشري، وبالرغم من هذه الإمكانيات التكنولوجية الضخمة والطوابق الأربعة التى تتسع لنحو 900 سيارة، ألا إن نسبة الإشغال لا تتجاوز ال10% من سعته نتيجة غياب الحملات المرورية التى تمنع الانتظار بالمنطقة أسوة بما تم بمحيط جراج التحرير، وهو ما ينص عليه العقد المبرم بين محافظة القاهرة وإدارة الجراج ، والذى يؤكد على أن المحافظة ملتزمة بمنع الانتظار فى مساحة 500 متر بمحيط الجراج ، وهو ما يخالف الواقع الموجود حاليا، وهو ما أدى للاسف للتكدس المرورى بالمنطقة ، فضلا عن انتشار ظاهرة السايس التى تستحوذ على حق الدولة وحق المواطن . نقلا عن صحيفة الأهرام زحام فى روكسى