د. نوال السعداوي كيف نقضى على العنف والإرهاب سياسيا وأمنيا، ثم ندعمه فكريا ونغذيه ثقافيا واجتماعيا وتعليميا ودينيا ومدنيا من المهد إلى اللحد؟. كيف نقضى على العنف دون أن نقضى على أسبابه الحقيقية العميقة المتجذرة فى الفكر المدنى السائد وليس الدينى فقط؟. أصبح معروفا أن أشد الجماعات إرهابا وعنفا ( داعش والقاعدة والطالبان وبوكو حرام وغيرها) هى صناعة استعمارية تخدم أهدافا مادية، بمساعدة القوى الدينية بالداخل والخارج. ويشهد تاريخ الأديان، من اليهودية إلى المسيحية الى الإسلام كيف تراق الدماء وتشتعل الحروب تحت اسم الدين، القوة السياسية الاقتصادية المادية هى التى تحكم الدولة لم ينفصل الدين عن السياسة فى العالم، كله وإن تشدقت بعض الدول بالمدنية والعلمانية والديمقراطية والحداثة، فإن الدين يظل الأرضية التى يرتكزعليها الحكم. ألم تعلن دولة إسرائيل يهوديتها بعد أن ادعت الديمقراطية دهرا؟. والولايات المتحدةالأمريكية، ألا ترتكز فى حكمها وانتخاباتها على القوى المسيحية اليهودية الأصولية العنصرية حتى اليوم؟. من الخداع أو الجهل السياسى أن نفصل بين العنف والإرهاب فى العالم الأول والثانى والثالث، أو بين الحضارة الغربية والحضارات الأخرى فى الشرق والجنوب، فنحن نعيش فى عالم واحد، فى ظل حضارة واحدة رأسمالية أبوية، قائمة على القوة والعنف، رغم شعارات الديمقراطية والعدالة والحرية والسلام. وكم من ثورات شعبية انفجرت شرقا وغربا, ضد العنف والقهر، وكم أجهضت هذه الثورات، وتم إخضاع الشعوب، نساء ورجالا وشبابا وأطفالا، بوسائل قمع متجددة، تنتجها تكنولوجيا العنف المتطورة، أحدثها وسائل التعذيب الأمريكى الجديدة. أول مفاهيم العنف فى المجتمع، تترسخ فى عقل الطفل الذكر ، ليكتسب صفات الرجولة، وتعنى القوة والسيطرة، وتتعلم الطفلة البنت مفهوم الأنوثة القائم على الضعف والخضوع والاستسلام، هذه القيم والمفاهيم سائدة فى كل مكان فى العالم، فى البيت والمدرسة والجامع والكنيسة والحزب والعمل والشارع والراديو والتليفزيون وجميع مؤسسات الدولة والمجتمع، هذه القيم تولد أول أنواع العنف تحت اسم اختلاف الجنس، العنف الذى يسلب البنت كرامتها كإنسانة، كاملة الإنسانية مثل أخيها، ويفقدها الثقة فى نفسها إن رفضت الخضوع والطاعة، على حين تتلقى أختها المطيعة المنكسرة كل المدح والثناء واعتبارها صاحبة الأنوثة المثالية، ويحظى أخوها الذكر بالمدح والثناء كلما ازداد قوة ورجولة وسيطرة على أخته وأمه أيضا. تحدث هذه التطورات السلبية للشخصية منذ الطفولة، خوفا من الاتهام بالنقص فى الرجولة أو النقص فى الأنوثة، يتعود الولد على الغطرسة، وتتعود البنت على الخنوع، يوما وراء يوم، لحظة بعد لحظة، تتراكم الإهانات تدريجيا داخل عقل البنت الواعى وغير الواعي، تترسب فيما يسمى الوجدان والشعور واللاشعور، حتى أنها لا تشعر بالإهانة ولا تعترض على العنف إن ضربها أخوها أو زوجها، أما الطفل الذكر فيتلقى التعليمات بأن يكون الرجل، مثل أبيه قويا دكرا يضرب أخته أو زوجته، إن لم تخضع لأوامره، يتعود الأخ الكبير أن ينظر إلى أخته وأمه باستخفاف أو عدم احترام، تدعم الثقافة والقوانين والأخلاق والفنون والروايات والمسرحيات والتمثيليات هذه القيم التى تولد العنف فى الأسرة والمجتمع والدولة. قد يرفض الرجل العنف نظريا أو عقليا، بعد أن يقرأ بعض الكتب الثورية عن المساواة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة، إلا أن شعوره ووجدانه يظل رافضا المساواة بينه وبين زوجته، وبينه وبين الخادم فى البيت أو المرءوس فى العمل، كلمة الأب أو الرئيس تبلغ حد التقديس فى الوجدان الفردى والجمعي، خاصة فى بلادنا، يتوارث الرجل العنف عن أبيه وجده، ويرث المجتمع القيم والتقاليد ذاتها تحت اسم الحفاظ على التراث أو الأصالة أو الخصوصية أو الهوية. وقد يخف العنف الطبقى الأبوى لدى بعض المتأثرين بأفكار كارل ماركس أو قصص تشيكوف وجورج أورويل أو حكايات ألف ليلة، ليصبحوا ضد العنف الدموى للملك شهريار، الذى لم يعاقب فى التراث الأدبى على قتله البنات، بل تمت مكافأته بزوجة مسلية (شهرزاد) تحكى له الحكايات كل ليلة، ثم تلد له ثلاثة ذكور ليس منهم بنت واحدة. وصالون مى زيادة الأدبى كان ملتقى الرجال، أغلبهم عجائز متزوجون، بعضهم يفخر بعدائه للمرأة ( عباس العقاد ) لم يشمل صالونها امرأة واحدة، مع ذلك لم يتركها المجتمع إلا حطاما فوق سرير بالمستشفى النفسى. نقلا عن صحيفة الأهرام