ماهى طبيعة هذا النوع من التعليم ؟ وهل يمكن أن يرى الطالب المعلم وزملاءه والتحدث معهم ؟ وما مدى قدرة متابعته لهذا النظام، خاصة فى ظل صعوبة الدراسة ؟ تساؤلات عديدة فرضها نظام « التعليم عن بعد » الذى تم اللجوء إليه بعد تفشى فيروس كورونا «كوفيد 19» لضمان التباعد الاجتماعي. فما بين ليلة وضحاها أعلنت كثير من الحكومات فى كافة أنحاء العالم إغلاق المؤسسات التعليمية فى أعقاب انتشار الوباء مما أدى إلى انقطاع ملايين الأطفال والشباب عن الذهاب إلى المدارس والجامعات .واتجهت الدول إلى ضرورة التوسع فى التعليم عبر الانترنت، وتقديم حزم تعليمية جديدة تتلاءم مع الأوضاع الجديدة بعد الإغلاق الكامل للمؤسسات التعليمية. و استطلع تقرير نشرته صحيفة « نيويورك تايمز» آراء العديد من الطلاب فى العديد من الولاياتالأمريكية المختلفة حول نظام « التعليم عن بعد « حيث أعرب عدد منهم عن استمتاعهم بالتجربة الجديدة خاصة مع امكانية تحديد الجدول الزمنى الملائم لهم والتحرر من «البيئة المدرسية المجهدة» على حد تعبيرهم .و يقول «أوين ميدجيت» من ولاية فرجينيا «: كنت اعتبر يومى المدرسى روتينا مسلما به إلا أن الوضع تغير للأفضل الآن حيث يوفر يومى الدراسى فى المنزل امكانية الاستيقاظ من النوم فى الساعة 10 صباحا بدلا من 6 صباحا ، ثم العمل على الكمبيوتر المحمول وأنا جالس فى قمة الاسترخاء بمنزلى .أما «ستيفان تي» بولاية كانساس فيقول :» أستمتع بالجدول الزمنى الجديد الذى أعطتنى إياه مدرسة الإنترنت ، لأنه أتاح لى أخيرا الوقت الكافي للنوم والشعور بالراحة والاستعداد للمذاكرة «. أما «ديفيد فاليجو» من ولاية ميامى فيقول : « استطيع حاليا التخطيط ليومى بنفسى ولذلك أشعر أن هذا النظام يناسبنى أكثر بالرغم من صعوبة تعلم موضوعات جديدة لبعض المواد دون شرح مباشر من المعلم» . على الجانب الآخر يرى آخرون تحديات كثيرة فى نظام التعلم عن بعد حيث هناك صعوبة فى فهم الدروس و المحاضرات أحيانا. كما أن فرص التعرض للتشتيت أكبر بسهولة. أما التحدى الأكبر فهو مشاكل شبكة الإنترنت والأعطال المفاجئة وأحيانا عدم توافرها لبعض الطلاب.وتقول «هانا ناشفيل « طالبة بولاية كاليفورنيا : «إذا أخبرتنى قبل بضعة أشهر أننى سأصلى للذهاب إلى المدرسة ، لضحكت واتهمتك بالجنون ، لكننى سأفعل أى شيء للعودة إلى مدرستي». مضيفة :« افتقد الحافز وأفتقد المناقشات المثيرة للتفكير التى كنت أجريها مع زملائى فى الفصل أثناء المدرسة حيث يعد التفاعل فيما بيننا جزءًا محوريا فى عملية التعليم». أما «زوى ناشفيل» ، مقيمة فى ولاية تينيسى تقول : « أجد أنه من المستحيل تعلم أى شىء جديد من خلال التعلم عن بعد فقد واجهت كثيرا من المتاعب فى متابعة التكليفات التى حددها أساتذتى لانى فى الغالب أبطأ من زملائى الآخرين». ويشير التقرير إلى أن تنظيم دورات تعليمية لتحميلها عبر شبكة الإنترنت بصورة جيدة يستغرق وقتا طويلا، مما يتطلب قدرا هائلا من المهارات خاصة أن الإخفاق فى تقديم المعلومات للطلاب يتسبب فى الإضرار بمصلحتهم ،وبمدى قدرتهم على التحصيل. وبشأن ذلك تقول «سارة جيدينجز» مدرسة ثانوى فى ولاية ميشيجان الأمريكية : « إن التعليم عبر الإنترنت يحتاج إلى موضوعات واتجاهات مكتوبة بشكل أكثر وضوحا للطلاب»، مضيفة: «يمكنك أن تكون معلمًا رائعًا، لكن صياغة المناهج وبثها عبر الإنترنت أمر صعب». ويضيف التقرير أن الأطفال فى المراحل الأولى من التعليم فى حاجة إلى الإشراف المستمر من قبل آبائهم حيث يحتاج الطلاب الصغار إلى المساعدة فى التعليم عبر الإنترنت وذلك من خلال مساعدتهم فى تشغيل الأجهزة الإلكترونية ،وتسجيل الدخول إلى التطبيقات التى يتم من خلالها متابعة الدراسة ، وقراءة الإرشادات الخاصة بها . وبخصوص ذلك يقول د. بيكى فرانسيس بجامعة كاليفورنيا : « إن التعليم فى المنزل فى الوقت الحالى يتعلق بتشجيع الآباء من خلال مساعدة أطفالهم على إنشاء روتين منتظم وإرساء عادات دراسية جديدة لهم « . ومع عمل معظم الآباء من المنزل،يتسنى لكثير منهم الإشراف على أبنائهم الصغار وهم يتعلمون عن بعد. أما الآباء الذين يعملون فى قطاع الخدمات فإن الأمر يكون أكثر صعوبة حيث لا يمكنهم تعديل مواعيد عملهم بسهولة من أجل إيجاد وقت لرعاية أطفالهم .ولذلك تؤكد د.هيلينا جيليسبى ، بجامعة الإمارات: «إن إعادة بناء البيئة المدرسية أمر صعب حقا». مضيفة : « هناك أشياء لابد من القيام بها لجعل التجربة مفيدة وغير مجهدة». على الجانب الآخر يحذر العديد من خبراء التوعية من مخاطر التعلم عن بعدحيث يشكل الإغلاق الكامل تهديدا خطيرا للتقدم الأكاديمى للأطفال بالإضافة إلى سلامتهم النفسية وحياتهم الاجتماعية ، علاوة على ذلك فإنه يؤثر بشكل كبير على الطلاب ذوى الدخل المنخفض والاحتياجات الخاصة ، فلا يوجد داخل كل منزل أجهزة كمبيوتر أو إنترنت عالى السرعة مما يظهر الفوارق الكبيرة بين الأطفال حسب الدخل والعرق ومستوى تعليم الآباء.ونتيجة لذلك فمن المرجح أن تعتمد العائلات ذوات الدخل المنخفض على استخدام الهواتف الذكية للوصول إلى الإنترنت ، ولكن لن يتمكن الأطفال فى تلك الأسر من استخدام برامج تعليمية أكثر تعقيدا تتطلب جهازا لوحيا أو جهاز كمبيوتر، بالإضافة إلى ذلك فإنه يصعب على الأشقاء إكمال دراستهم على هاتف محمول واحد. ويشدد الخبراء على أهمية التفاعل الحى بين التلاميذ فيما بينهم وضرورة تفاعلهم المباشر مع المعلم وذلك لضرورة تطوير مهارات الطلاب واكتسابهم للمعرفة . كما أنه عند إغلاق المدارس ، يفقد الأطفال منفذا اجتماعيا بالغ الأهمية حيث يعتمد العديد من الأطفال على المدارس للحصول على وجبات مجانية أو بأسعار معقولة وتقديم المشورة وأنشطة ما بعد المدرسة أثناء عمل الآباء. * نقلا عن صحيفة الأهرام