في يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من أبريل الجاري، عقد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام جلسة تحقيق مع مالك المصري اليوم، ورئيس مجلس الأمناء، ورئيس التحرير، والممثل القانوني، وخلص المجلس إلى مجموعة من القرارات والجزاءات التأديبية وفقًا لأقصى العقوبات التي يمكن أن يوقعها والمخولة له، وفقًا للدستور والقانون. غير أن ما يهمنا كمتابعين لآثار مقال (نيوتن) - والذي طالب فيه بحاكم ل سيناء - ليس العقوبات التي وُقعت، بقدر ما كان يعنينا إثبات أن الأمر يستحق تحقيقًا في شقه الجنائي، بالإضافة إلى الوصف التفسيري للمجلس للأسباب التي دفعته لاتخاذ هذه القرارات التي كنا نتوقعها رادعة، وساطعة كالشمس، كي يتوقف هذا التيار من المفكرين والمستشارين المحيطين بمالك الصحيفة عن الخوض في ثوابت الأمن القومي مجددًا. وقد ورد في النص التفسيري ما يلي: "إن الصحيفة ارتكبت مخالفات جسيمة تنتهك أحكام الدستور، والقانون، وتخالف ميثاق الشرف المهني، والمعايير والأعراف المكتوبة (الأكواد)، بقيامها بحملة ممنهجة تنتهك أحكام الدستور والقانون، وتنشر وتبث الضغينة، قادها صاحب سلسلة المقالات المُشار إليها مؤسس الصحيفة والمساهم في ملكيتها، السيد / صلاح الدين أحمد طه دياب – وشهرته / صلاح دياب – والتي لم يستدرج إلى تأييدها سوى بعض الكتاب العاملين بذات الصحيفة، وبعض الشخصيات المجهولة التي تم نشر آرائها المؤيدة لهذه الحملة، مما يعصف بمصداقية هذه الحملة، ونبل الهدف منها، وحسن نية الصحيفة . وأضاف المجلس: "أنه قد توقف طويلا أمام إحدى المقالات التي نُشرت خلال هذه الحملة، وعجز المجلس عن وصف مدى انعدام المسئولية الوطنية، أو معرفة غاية الحملة الحقيقية، عندما ذُكر أن ما حدث من إنجازات خلال فترة إدارة سيناء إبان احتلالها بين عامي 1967 و 1973 لم تستطع مصر فعله خلال تاريخها المديد، فهذه الكلمات ما الغاية منها وما هو مدلولها، ألم يرَ كاتب المقال كم الجهود والإنجازات التي قامت بها الدولة لتنمية سيناء ، والتي لا تدخر جهدًا في سبيل الارتقاء بها، ألا يدري أن الدولة تعمر سيناء وتواجه الإرهاب في ذات الوقت. وبالرغم من ذلك لم تتوقف جهود التنمية ب سيناء ." وأوضح المجلس وهو يوقع الجزاءات والتدابير الواردة بالقرار: "أنه كان أمام انتهاكٍ صارخٍ لأحكام الدستور، وتمردٍ على مبادئه من خلال تلك الحملة الممنهجة التي تبنتها الصحيفة." وارتأى المجلس: "أن تلك الحملة الممنهجة شكلت سقطة مهنية جسيمة، تستوجب الجزاء واتخاذ التدابير اللازمة نحو ذلك، حيث قدمت الحملة نموذجًا سلبيًا لحرية الرأي والتعبير، يستهدف الهدم لا يستهدف البناء، يضر بالوطن لا يقدم مصلحته، ينشر الفرقة لا يعزز تلاحمه وصلابته، ولم تُقدر الصحيفة أنه من المبادئ المسلم بها، أن حرية الرأي والتعبير وإن كانت مكفولة، إلا أنها ليست مطلقة، ليحتمي بها من يخالف أحكام الدستور، ويهدم قيم وثوابت المجتمع، وإنما الحرية المصونة هي التي إطارها الحفاظ على ثوابت المجتمع وقيمه وتقاليده والتراث التاريخي له. فحرية الرأي والتعبير لا يقتصر أثرها على صاحب الرأي وحده، بل يمتد إلى المجتمع ككل، فتكون مصونة إذا كانت في إطارها المشروع، دون أن تتجاوزه إلى الإضرار بالغير أو بالمجتمع، فلا صون للآراء التي تنعدم قيمها والتي ترمي إلى الفرقة ونشر الأحقاد والضغائن أو التي تمس وحدة الوطن وتهدد أمنه القومي." أعتذر منكم لو أطلت في سرد الإطار التفسيري للقرارات والجزاءات نصًا، ولكنه كان أمرًا لا خيار عن ذكره، فلو أتحنا لطفل في المرحلة الإعدادية قراءة ما سبق، من المؤكد أنه سيفهم أن هناك جريمة ما تم تدبيرها بين مجموعة من الشركاء، وأن الجهة المنوط بها التحقيق وقعت أقصى ما يمكنها من عقوبات، وأحالت ما هو خارج نطاق اختصاصها إلى الجهات المنوط بها استكمال التحقيقات، ترسيخًا لمبدأ أن مصر دولة مؤسسات، وهو الأمر الذي يبدو مازال غائبًا عن مجموعة نيوتن. ما العمل؟ على غير المعتاد، أصدرت المصري اليوم بيان الاعتذار الذي ألزمه به المجلس، وفقًا لتعريفات القراء والمتابعين العاديين، وليس خبراء تحليل المضمون، متعاليًا متغطرسًا، تشتم فيه رائحة استقواء ناتجة عن فهم خاطئ لتلك الهيئة الاستشارية والكتاب الذين يدورون في فلكها لما ورد من تصريحات على لسان السيد رئيس الجمهورية يوم الثالث والعشرين من سيناء في مناسبة ذكرى احتفالات تحرير سيناء ، أخذت هذه المجموعة التصريحات - وفقًا لمنطقها - بأنها تعد انتصارًا لها، ولم تتبين أن سيادته هو الحكم بين السلطات، وأنه ليس المقبول من موقع سيادته أن يبدي رأيًا صريحًا فيما جرى، ولكنه طالب بتعميق التناول بما يثري الهوية الوطنية ويزيد من تلاحم واندماج المواطن في النقاش العام البناء، لو تدخل سيادته وأبدى رأيًا قاطعًا سيفتح الباب أمام تأثير السلطة التنفيذية على قرارات سلطة النيابة العامة، تلك المنوط بها التحقيق جنائيًا فيما ورد من مخالفات، وهو أمر كنتم تتمنونه ولكنه لن يفوت على رئيس بحجم الوطن والوطنية المصرية. انطلقت بعدها صفحات المصري اليوم لتعج بمعالجات متنوعة ومتعددة، حاولت خلالها أن تنفض يدها مما ورد في مقال نيوتن، بدءًا من المانشيت الرئيسي إلى مجموعة من المقالات على استحياء، والتحقيقات، والحوارات، والأرقام الإحصائية، تمتلئ جميعها بالجوانب الإيجابية لعملية التنمية في سيناء ، وذلك بالتزامن مع تحركات مضنية من أطراف محيطة بالمجموعة المهيمنة على مجريات التحرير والإدارة في المصري اليوم، لجس النبض حول ما إذا كانت الأمور جادة، وأن الأمر سيحال بالفعل للنائب العام، بل إن البعض حاول أن يتنصل ويغسل يديه من علاقته بهذه المجموعة، ويعلن عبر اتصالات مع أطراف متعددة أنه مختلف كثيرًا مع ما ورد في مقال نيوتن، والأدهى محاولة التعرف على ردود أفعال الكتلة الوطنية من الصحفيين والإعلاميين التي تصدت لهذا المقال، ومن يقف داعمًا لهم. وعندما تيقنوا من أن الأمر جاد، وأن هذه الكتلة الوطنية تتحرك من منطلقات ثوابتها وقيمها الوطنية والقومية، وأن الأمر جاد وماض في طريقه للتحقيق الرسمي في التهم الجنائية أمام النائب العام، كان التفكير السريع في يوم عاصف جديد من المصري اليوم. فماذا فعلوا؟ حملة ترهيب جديدة، هذا هو ظاهرها، وفي باطنها رعبٌ وارتجافٌ شديدان، قادها مجموعة من أبرز كتاب المصري اليوم ومستشاري وأمناء وكتاب المصري اليوم، حملة أركان فكر تلك المؤسسة، حملة كنا نرجو أن تكون في صيغة اعتراف بالخطأ، والتكفير الحقيقي عما ورد بمقال نيوتن في العديد من المراجع الخاصة بكل من كتب في صورة أبحاث أو دراسات أو كتب، ولكنها أتت لتعيد طرح ما ورد في مقال نيوتن مجددًا مع التهديد المسبق لكل من سيأخذ مبادرة الرد بأنهم يكتبون حرصًا منهم على تطبيق تعليمات الرئيس، وبالتالي، فكل من سيرد هو من الخارجين عن تنفيذ هذه التعليمات. واحد من تلك المقالات إطالة وإعادة وتكرار لنفس المصطلحات، الخلاصة التي تخرج بها بعد كل هذا اللف والدوران أن الفيدرالية أو اللامركزية هي الحلول الجوهرية التي أثبتها العلم والنظريات التنموية باعتبارها العلاج الأنجع لمشكلة نظم الحكم المحلية المركزية. وأنه إذا كانت هناك رغبة جدية في تحديث الدولة المصرية فلا حل إلا اللامركزية. يا للهول، إنها إعادة إنتاج مقال نيوتن مباشرة مرة أخرى، ولكنها هذه المرة دون إشارة لحاكم مستقل، وأيضًا مع الاعتراف بجهود الدولة في التنمية التي خصصت فيها ل سيناء فقط 600 ألف جنيه، ولكن مع ذلك وكما يقول الكاتب استمعوا فقط للعلم الذي يقول إن "اللامركزية هي الحل"، لا أدري هل هي متلازمة كمتلازمة الإخوان "الإسلام هو الحل". وإذا سلمنا بإيمان الكاتب الشديد بطرحه الذي أفاض وشرح في مراجع وأبحاث أخرى، أن لامركزيته ينبغي أن تكون متلازمة مع نظام ديمقراطي حقيقي للقضاء على فساد أنظمة الحكم المحلي المركزية، ألم يكن ينبغي عليه أن يجيبنا إلى أين أوصلت اللامركزية والفيدرالية والديمقراطية أنظمة ودولًا من حولنا، تمتد من المحيط إلى الخليج؟ كاتبنا شديد التمسك بلامركزيته ألم يكن من الأجدى أن يراجع نفسه بكل ما منحه الله له من قدرة تحليلية جل أفكاره السابقة، خاصة وأننا استمعنا له مؤخرًا محاضرًا عن نظرية المؤامرة وتطبيقاتها على مسار الأحداث في مصر والإقليم، ومن ثم يخرج لنا بنظرية تنموية جديدة تراعي خصوصيتنا الهوياتية والثقافية والمجتمعية والاقتصادية والسياسية. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، لنفاجأ بطرح لكاتب آخر، طالما حدثنا كثيرًا عن الحوار المجتمعي، وعن حتمية القضاء على سيطرة مؤسسات الدولة العميقة على مقدرات الأمور، ليطرح علينا - بعد مدخل إسلامي لم يعد غريبًا على المنتمين لليسار الإسلامي القومي كما يسمون أنفسهم - أفكارًا تتعلق بفضيلة النقاش العام، كمصطلح جديد مستمد من مصطلح سيء السمعة في المجتمع ألا وهو الحوار المجتمعي، أما بنود هذا النقاش العام كما يطرحه فتتمحور حول أهمية تحديث النقاش وأدواته حول أولويات الاستثمارات الاقتصادية بعد انقضاء جائحة كورونا، وكيف يمكن للمجتمع اعتمادًا على النقاش العام لنظم إدارة هذه الاستثمارات وتوجيهها أن يخرج أكثر تماسكًا وإندماجًا. أي أولويات وأي استثمارات سيدور حولها النقاش؟ له أقول، لا تتصور أنها ستدور حول سيناء ، ولا تتصور أنها ستتحكم في الإدارة الرشيدة لموارد الدولة وتوجيهها تلك الخاضعة لرقابة مؤسسات الدولة وسلطاتها وأجهزتها الرقابية، اللهم إلا إذا كان الكاتب لا يعترف بكل تلك الجهات، ويرغب أن يعيدنا إلى دائرة الفوضى الهدامة تلك التي سادت من 28 يناير إلى 30 يونيو، والتي شهدت طعنات قاتلة وجهت للدولة في ملفات أمنها القومي، وعلى رأسها ملف الأمن القومي المائي المصري الذي أخضعوه لإدارة المبادرات الشعبية فكان ما كان. هذان مثالان على ما ورد في الصحيفة من مقالات وأعمدة رأي، متزامنة بالطبع مع تحقيق مصور عن نفق الشهيد أحمد حمدي 2، فهذه هي طريقة دس السم في العسل، وهذه هي الطريقة التي يتصورون أنهم بها ينجون من دائرة الاتهامات الموجهة لهم من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ، وكأنهم مصرون على ما يلي: • خرق توجيهات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ، الجهة المنوط بها ترشيدهم وتصويب خطواتهم وفقًا للدستور والقانون. • تبييض وجه مالك المؤسسة الذي فداهم جميعًا أمام لجنة التحقيق في المجلس، وأقر بأنه نيوتن، وهو أمر يشير إلى أنهم يقيمون له حسابًا أكثر من وطن ما زالوا يلتفون ويحاولون توريطه في نظام لا يتناسب مع مكوناته الإدارية ولا البيروقراطية ولا السياسية ولا العسكرية، والأهم أنه لا ينسجم مع الدعوة للحفاظ على الهوية الوطنية وتمتين النسيج المجتمعي. • استباق التحقيق الذي سيجري باكرًا بمعرفة النائب العام، ومحاولة بيان الثبات الانفعالي، وأن مواقفهم تتسق مع ما نص عليه الدستور، وهو الأمر الذي لم يروه وإن رأوه أغفلوه، أن ما أقدم عليه نيوتن مخالف للدستور والحرص على التراب الوطني كما نص القرار التفسيري للائحة قرارات وجزاءات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام . أتمنى أن أكون بذلك قد شاركت، وأسهمت في وأد النقاش العام أو الحوار المجتمعي، حول أرض مصرية يمثل المساس بها وبنظام حكمها - الذي يربطها بالدولة المصرية كباقي محافظات الجمهورية - مخالفة دستورية واضحة. حفظ الله الوطن، ووقاه شر النقاشات العامة الرامية للفوضى، والمحتمية بأغراض غير معلنة إلا في نفوس وهوى كتابها، ومفكريها، ومنظريها، ومالكها.