زينب عبد الرزّاق "الرحمة جوهر القانون ، ولا يستخدم القانون بقسوة إلا للطغاة".. مقولة للكاتب الإنجليزي وليام شكسبير طبقها ضابط مصري بحذافيرها، ويستحق عليها في رأيي وسام الشرف، تذكرت هذه الحكمة بعد قراءة ماكتبه العديد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي عن هذه القصة، وأشادوا بصنيع الضابط المصري، وتغليبه إنسانيته على نصوص ومواد القانون: فعندما ذهب برفقة دورية شُرطية لتنفيذ حكم قضائي بحق أحد الرجال الكبار في السن، وكان القرار يقضي (بإخلائه من منزله بالقوة) بسبب الديون التي تراكمت عليه. وكان من رأي الضابط أحمد صبري أنّ العدالة لا تتطلب اليد الحديدية والسيف، بل تتطلب البصيرة وبُعد النظر، فأحضر الرائد أحمد صبري قوة شرطية، وتوجه إلى أحد الأحياء الشعبية في مصر، ولدى طرقه الباب الخشبي للمنزل المراد إخلاؤه خَرَجَ له رجل عجوز لا يقوى على الوقوف على قدميه، فسأل العجوز الضابط قائلاً: جيت ترميني في الشارع يا ابني؟! عندها كان الضابط أمام خياريْن لا ثالث لهما: إما القانون أو الإنسانية، فكانت الإنسانية هي خيار الضابط الذي استجاب لنداء قلبه. وكان الرجل العجوز غير قادر على دفع إيجار بيته الذي يُقيم فيه؛ لضيق حالته الاجتماعية، مما دفع صاحب البيت لرفع دعوى قضائية في المحاكم المصرية، وحصل بموجبها على حكم إخلاء الرجل العجوز للشقة، فقام الأخير ببيع ما تبقى من أثاث منزله كي يسدد الإيجار، لكنَّ ثمن أثاث منزله لم يكفِ ليسدد كامل المبلغ المطلوب. وأوضح العجوز للضابط الشاب ظروفه المعيشية الصعبة والضائقة المالية التي يمر بها، فهو يعاني من أمراض مزمنة عديدة، ولا يقوى جسده على تحمل طرده خارج المنزل، إذ وصل لمرحلة عمرية لا يقوى فيها على العمل أو تدبير شؤون حياته، واختتم العجوز شرح أوضاعه الصعبة بسؤالٍ وجهه للضابط: "إنت جاي تطردني من البيت.. مش كده؟! فردَّ الضابط: لا أبدًا أنا جئت أنا وزملائي في الدورية نطمئن عليك. لقد شاهد الضابط المصري أحمد صبري حالة الرجل البائسة؛ وهي واضحة للعيان، فذهب لصاحب العقار وسدَّدَ ما تبقى على الرجل العجوز من المبالغ المستحقة والمتراكمة، والتي كادت أنْ تدخله السجن أو تلقيه على قارعة الطريق في فصل الشتاء القارس. ولم يكتفِ الضابط المصري عند حد دفع المبالغ المستحقة والمتراكمة على العجوز، بل نقل الأخير إلى عيادة طبية لإجراء فحوصات عدة للاطمئنان على صحته والتعرف على المشاكل الصحية التي يعاني منها، وبعد أنْ اطمئن على صحة الرجل، أحضر له الدواء اللازم.. وعندما عادتْ الدورية بالرجل العجوز إلى منزله، اغرورقتْ عيناه بالدموع وقال للضابط ولدوريته متسائلا: هتزوروني تاني؟!، فما كان من الضابط إلاّ أنْ أخرج ورقة وكتب عليها أرقام تليفوناته واعدًا إياه بزيارته من حينٍ لآخر، والاطلاع على وضعه الصحي وعلى ما يحتاجه. تحية وشكر وعرفان لابن مصر البار الضابط أحمد صبرى. حقًا إذا كانت العدالة تعني عدم الانحياز في محاكمة أي إنسان لأي أمر، وهي رؤية إنسانية للمحيط الذي يعيش فيه کل فرد، شرط أنْ يُنظم هذه الرؤية قانون وضعي، يُشارك في صياغتها أبرز رجال القانون، لأنّ العدالة عكس الظلم والجور والتطرف، إنّ أهداف العدالة الإنصاف والمساواة، والتوازن وعدم التعدي، وحماية المصالح الفردية والعامة، وهي مفهوم أخلاقي يقوم على الحق والأخلاق، والعقلانية، والقانون الوضعى، والقانون الطبيعي والإنصاف. نظريات العدالة لا تختلف اختلافًا كبيرًا من مجتمع إلى آخر، ولكن تطبيق مفاهيمها هو الذى يختلف، وعند اختلاف المفاهيم لا يمكن أنْ تتواجد العدالة ، ف العدالة هي القوانين الطبيعية التي وُجدتْ مع وجود المجتمعات الإنسانية، وتحقيقها فيما يتعلق بالبشر يرتبط بمدى إدراكهم وفهمهم للرسالات السماوية التي توضح ما أراده خالقهم منها. إنّ العدالة سبب تعايش الفقير والثري في مجتمع واحد، وهي حق يتمتع به الفقير والثري، وليس بالضرورة لتحقيقها في المجتمع أنْ تُطبق القوانين الموجودة في المحاكم، لأنها من صنع البشر وتخدم مصالح الأقوى ومصلحة من يضعها، فالقانون يختلف عن العدالة ، حيث إنّ العدالة هي القانون الإلهي، أما القانون فهو من صنع البشر، وقد ينسجم مع العدالة وقد لاينسجم معها. وتُعتبر العدالة قاعدة إجتماعية أساسية لاستمرار حياة البشر مع بعضهم البعض، ف العدالة محور أساسي في الأخلاق، وفي الحقوق وفي الفلسفة الاجتماعية، وهي قاعدة تنطلق منها بحوث المقاييس والمعايير الأخلاقية والقانونية. و العدالة لا تتحقق بالعنف والسيف. [email protected]