كانت أكبر وأشهر حجرة بالدور الرابع ب جريدة الأهرام في أوائل السبعينيات .. عشت فيها نحو عشر سنوات.. بين جدرانها تعلمت الصحافة أكثر مما تعلمت في قسم صحافة جامعة القاهرة التي تخرجت فيها .. كانت تضم 16 مكتباً لمن أصبحوا فيما بعد عمالقة وأساتذة الصحافة المصرية.. من كان يدخلها كان يري أمامه « عبد الوهاب مطاوع » الذي نصبه القراء ملكا علي عرش بريد الاهرام وهي الصفحة التي رفعت توزيع أهرام الجمعة بجانبه كان يجلس « محمود مراد » الذي تولي إدارة الندوة الشهيرة التي كانت تعقد في الأهرام ويحضرها أهم الشخصيات في جميع المجالات.. بجانبه يجلس «محمد زايد» الذي تولي رئاسة القسم بعد أستاذ الاساتذة « صلاح هلال » وذلك قبل أن يطلق واحدة من أهم صفحات الجريدة وهي صفحة «اهتمامات الناس» .. يليه «محمود مهدي» الذي تولي رئاسة القسم الديني.. إذا دخلت هذه الحجرة ونظرت إلي الشمال ستجد «بهيرة مختار» التي استطاعت بفضل موهبتها وحسها الصحفي العالي أن تصبح أول امرأة تتولي «رئاسة هذا القسم المهم والخطير» بجانبها يجلس «رياض توفيق» الذي تولي ايضاِ رئاسة القسم قبل أن يشرف علي ملحق الجمعة الاسبوعي وبجواره كان يجلس «حسن الشرقاوي» يليله «حسين غانم» يليه «ابراهيم عمر» والثلاثة تولوا فيما بعد رئاسة قسم الحوادث. اذا سمعت صوت ضحكات صادرة من هذه الحجرة فاعرف أن «عزت السعدني» صاحب الاسلوب الرشيق والعناوين الجذابة موجود بداخلها .. علي شماله كانت تجلس رقيقة الاحساس «نادية عبدالحميد» وبجوارها «شويكار علي» صاحبة أنقي قلب في «الاهرام» علي يمين «السعدني» مكتب »عبد السلام عوض» يليه مكتب «لميس الطحاوي» صاحبة التحقيقات المميزة والروح المرحة والتي كان من حظي الجميل أن أجلس بجوارها وبجوار الرقيقة الجميلة «أميرة عبد المنعم» كان هذا حال الحجرة.. كاملة العدد لامكان لمكتب فيها حين التحقت بالقسم خريجة كلية السياسة والاقتصاد «دلال العطوي» والتي اختارت أن أجلس علي كرسي أمام مكتبي لتبدأ بيننا صداقة طويلة وعميقة.. رحيلها المفاجئ قبل أيام أدمي قلبي وأعاد لذاكرتي ذكريات تلك الفترة الثرية التي عشتها داخل هذه الحجرة التي قسمت فيما بعد إلي ثلاث حجرات.. تذكرت الضحكات العالية والحوارات الصاخبة التي دارت داخلها.. والصمت الذي كان يسودها حين تتحرك الأقلام علي الورق.. لست أدري كيف ربطت هذه الحجرة الجالسين فيها برباط الصداقة الذهبي.. كيف جعلتنا رغم التنافس والغيرة نكن لبعضنا البعض كل هذا التقدير والود والذي ظل كامنا في أعماقنا حتي بعد أن تفرقنا وتولي أغلبنا مراكز قيادية بالجريدة.. برحيل «دلال العطوي» وقبلها بأسبوع الصديق العزيز « محمود مراد » ازداد الاحساس المؤلم بأن الشجرة المزدهرة التي نمت داخل هذه الحجرة تتساقط أوراقها ورقة وراء الأخري.. وفي النهاية لا أجد ما أقوله سوي الحب كله والتقدير لكل الذين عشت معهم في تلك الحجرة الواسعة والمضيئة بأشعة الشمس وبمواهب الجالسين فيها.