ماذا تخبئ الأقدار لليابان في عصر"رييوا" الجديد؟ هذا السؤال ظل يطاردني، ورددته، بإلحاح، على كل من صادفته طوال الأسبوع، الذي أمضيته في اليابان أوائل شهر نوفمبر الحالي. شاءت الظروف أن أشهد بنفسي، وعلى الطبيعة، جانبًا من الاستعدادات المراسمية لانتقال السلطة في اليابان؛ حيث وصلتها بعد نحو أسبوع من تتويج الإمبراطور، ناروهيتو، خلفًا لوالده، المتنحي، أكيهيتو، وغادرتها قبل يوم واحد من استعراض الموكب الإمبراطوري المهيب في ضواحي العاصمة طوكيو . للحقيقة، فقد تولدت لدي فكرة الكتابة عن العصر الياباني الجديد "رييوا" في لقاء ودي جمعني مع نائب السفير الياباني بالقاهرة "كوتارو سوزوكي" فور أن تقدمت بأوراقي للقسم القنصلي للحصول على تأشيرة دخول منتصف شهر أكتوبر الماضي. سيطرت الفكرة على كل جوارحي طوال مدة إقامتي في اليابان، بالرغم من أن الهدف من الزيارة كان ينصب- أساسًا- على السياحة والاستجمام، واستعادة ذكريات جميلة، لأربع سنوات أمضيتها كمراسل مقيم للأهرام في اليابان، تبعتها 12 زيارة متتالية، وقد وفرت لي هذه الزيارات الفرصة للبقاء عن قرب، إلى حد ما، تجاه التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اليابان، لمدة تقترب من 18 عامًا. في شهر أبريل الماضي، وبعد عصف ذهني عنيف، ومجهودات شاقة، أقرت حكومة رئيس مجلس الوزراء الياباني، شينزو آبي، اختيار اسم "رييوا" لإطلاقه على العصر الذي يبدأ بتولي الإمبراطور ناروهيتو مهامه، وهذا الاسم يحمل رقم 248 في سلسلة أسماء العصور التي مرت بها اليابان منذ "تايكا" عام 645 ميلادية. في الماضي، وحتى عصر"هيسي" رقم 247، جرت العادة على اختيار أسماء العصور، في بلاد الشمس المشرقة، نقلا عن كتب منسوخة بلغة صينية قديمة، إلا أن حكومة شينزو آبي أقدمت على تغيير تاريخي، وأقرت "رييوا" نقلا عن معنى ورد في مقطع ضمن مجموعة من قصائد شعرية" وطنية" دونت في عصر نارا. اسم "رييوا" يعنى "وليمة أزهار الخوخ"، وفسره شينزو آبي بأنه يبشر بغد أفضل وبمستقبل واعد ومزهر لليابان، بالضبط كما تزهر أشجار الخوخ بعد برد شديد. إذن.. ووفقًا لهذه التسمية، فمن المفترض أن يحمل عصر "رييوا"، الذي بدأ تطبيقه، فعليًا، في أول مايو 2019، مستقبلا مشرقًا، وغد أفضل، لمواطني اليابان، مكملا لعصر الإمبراطور المتنحي، هيسي، الذي امتد ل 30 عامًا، وقد نعم فيه المواطنون اليابانيون، حقًا وصدقًا، ب"السلام في الأرض وفي السماء وفي داخل البلاد وفي خارجها"، كما شهدت اليابان المزيد من التقدم التكنولوجي والازدهار الاقتصادي، مهما يشار إلى حدوث العديد من الكوارث الطبيعية ومظاهر للركود. فهل يستقبل اليابانيون عصر "رييوا" بتفاؤل وبثقة في غد أفضل كما يؤشر إليه هذا العصر الوليد من مضمون ومعنى ومغزى؟ هذه المرة، وطوال المدة التي أمضيتها في اليابان، لم أكتف بطرح السؤال على من التقيتهم وقابلتهم من أصدقاء وزملاء- يابانيون وأجانب مقيمون وزائرون- بل وجهته - أيضًا- إلى عامة الشعب، الذين صادفتهم في المكاتب والحدائق والمتنزهات والطرقات والأسواق، وغيرها، وقد آليت على نفسي ألا أضيع ثانية من الزيارة بدون الاستمتاع بهذه الأماكن الفريدة، أولا، وبإجابات شافية وافية على السؤال. إمبراطور اليابان الجديد، ناروهيتو، نفسه، تلقى تسمية "رييوا" لعصره، قبل شهر واحد من تسلمه لمهامه، قائلا كلمة واحدة: حسنا. أما الشعب الياباني فقد استقبل اسم "رييوا" بترحيب وفرح، كبيرين، ليس لأنها المرة الأولى التي يطلق فيها اسم ياباني صميم، ومن الكتب الوطنية على عصر جديد، ولكن - وهو الأهم - لإحساسهم بالاطمئنان على سلامة وسلاسة انتقال العرش. يردد الجميع القول بأن الإمبراطور ناروهيتو، السادس والعشرين بعد المائة، ما هو إلا رمز لليابان ووحدتها وسلامتها، ولا سلطات له في تسيير أمور الدولة، غير أنه - في الوقت نفسه - لا ولن يدخر جهدًا في التقرب من مواطنيه ومشاركتهم السراء والضراء، على درجة المواطنة ذاتها، دون المساس بمكانته العالية والمحفوظة. الاستثناء الوحيد والمدهش، الذي سمعته – بأذنيَّ - من إحدى المواطنات اليابانيات، اليساريات هو وجوب البحث عن وسيلة لتغيير نظام الحكم وإقامة جمهورية(!!) ينتخب فيها رئيس لليابان، كما يحدث في العديد من دول العالم الديمقراطية الحديثة. بواعث هذا الرأي المدهش، والاستثنائي، تنطلق من أزمة فعلية تواجه الأسرة الإمبراطورية في اليابان، وتتردد في كل الأوساط، حتى المؤيدة منها للنظام المتبع، وتتركز الأزمة في تناقص عدد أفراد العائلة الإمبراطورية؛ لدرجة أنه لا يوجد – الآن - سوى شخص وحيد من الجيل المقبل، المؤهل لوراثة العرش، هو الأمير "هيساهيتو"، ابن ولي العهد " أكيشينو"، وهو- للغرابة - المولود الذكر الوحيد للعائلة الإمبراطورية في عام 2006، بعد مرور 40 عامًا من الانتظار المقيت!! فى شهر فبراير الماضي، وعندما كان لا يزال وليًا للعهد، قال الإمبراطور ناروهيتو، الأمير وقتها، بمناسبة الاحتفال بعيد ميلاده التاسع والخمسين: "إن انخفاض نسبة الرجال في العائلة الإمبراطورية، وازدياد شيخوخة أفرادها، ووجوب تخلي النساء في العائلة الإمبراطورية عن مكانتهن في داخل العائلة، بعد الزواج من عامة الشعب، هي مشكلات تتعلق بوضع العائلة الإمبراطورية في المستقبل". لهذه الأسباب، وبعد أن استقر الإمبراطور الياباني الجديد على العرش، بدأ يشار إلى استعدادات حكومية، سيجري طرحها - من جديد - لمناقشة السماح للأميرات باعتلاء العرش، وأيضًا، الدعوة للحفاظ على مكانتهن داخل العائلة، حتى بعد الزواج من عامة الشعب، ولما لا؟ فقد تولت 8 إمبراطورات عرش اليابان في السابق. [email protected]