يبدو أن السنوات الكثيرة التى مرت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية فى عام 1945 وحتى الآن إلى جانب العلاقات المتميزة اقتصاديا وسياسيا بين كوريا الجنوبيةواليابان لم تنجح فى إنهاء ملف ما يسمى "نساء المتعة"؛ وهو الملف الشائك شديد الحساسية بين البلدين؛ ويقصد به النساء الكوريات اللائي تم إجبارهن من قبل القوات اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية على أعمال السخرة وممارسة الرذيلة، وهو ما كان له تداعيات مؤلمة على المجتمع الكورى، استمرت سنوات عديدة؛ لدرجة أن كوريا أقامت متحفا تحت مسمى "نساء المتعة" لتخليد تلك الواقعة المؤلمة. وعلى الرغم من قيام اليابان باتخاذ خطوات إيجابية لتسوية هذا الملف؛ سواء بتقديم اعتذار أو بدفع تعويضات للمتضررين من تلك الواقعة، والتى تم تسويتها تماما باتفاقية بين البلدين عام 1965، إلا أن ما حدث مطلع العام الحالى أعاد البلدين إلى المربع رقم صفر فى ذلك الملف الشائك- والذى ينظر إليه الكوريون على أنه يمثل انتهاكا لكرامتهم، بينما ينظر إليه اليابانيون على أن ما حدث كان تجاوزات أثناء الحرب، وتم تسويتها تماما برضاء الطرفين - حيث قضت المحكمة العليا فى كوريا الجنوبية بتعويضات مالية ضد عدد من الشركات اليابانية؛ وذلك بسبب إجبار العمالة الكورية على أعمال السخرة خلال الحرب العالمية الثانية، وهو ما أثار ضجة كبيرة فى البلدين على حد سواء، ويبدو أن العلاقات المتميزة بين طوكيو وسول -خاصة على المستوى الاقتصادى- لم تشفع لهما؛ حيث تحول الأمر إلى حرب تكسير عظام بين البلدين. فقد اتخذت اليابان خطوات تصعيدية ضد كوريا بمنع تصدير مواد ومنتجات يابانية تستخدم فى صناعة الإلكترونيات، وهو ما لخصه "أن كي – هيون" نائب رئيس الجمعية الكورية لصناعة نصف الموصلات بقوله: "إن كوريا هي الأولى عالميا فى إنتاج الشرائح، واليابان هى الأولى عالميا فى إنتاج المواد الأساسية لصنع الشرائح، ومع هذا الخلاف تخسر اليابان وكوريا -على حد سواء- أفضل شريك لها، ولن تجد بديلا جيدا لفترة طويلة". ولم تتوقف الخطوات التصعيدية من قبل اليابان عند ذلك الحد؛ بل اتخذت اليابان خطوة أكثر جرأة بشطب كوريا الجنوبية من قائمة الشركاء التجاريين الموثوق بهم؛ وهو ما دفع الرئيس الكوري الجنوبي "مون جاى إن" إلى القول بأن ما يحدث مع اليابان هو "وضع طارئ غير مسبوق"؛ بينما أوضح رئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى أن السبب الرئيسي لتصاعد التوترات بين البلدين هو فقدان الثقة بأحكام المحاكم التى تأمر الشركات اليابانية بتعويض الكوريين عن أعمال السخرة خلال الحرب العالمية الثانية. والمثير فى تلك القضية الاقتصادية الهامة هو الموقف الأمريكي الذى لم يتحرك حتى الآن بالصورة المرجوة منه؛ خاصة أن واشنطن تعتبر حليفا إستراتيجيا لكل من طوكيو وسول؛ بل إن التواجد الأمريكي سواء الاقتصادي أو العسكري فى البلدين يمكن أن يحسم تلك القضية سريعا؛ ولكن يبدو أن واشنطن – كالعادة – تبحث عن الاستفادة القصوى من أي خلافات بين الدول حتى لو كانت حليفة لها؛ بغض النظر عن الخسائر التي سوف تتعرض لها تلك الدول، وهو ما يؤكده الدور المتواضع الذي تلعبه الإدارة الأمريكية حتى الآن فى تلك الحرب الاقتصادية بين كوريا واليابان. والمؤكد أن الصين – الاقتصاد الثانى على مستوى العالم – تراقب ما يحدث عن كثب؛ بل من الممكن أن يتحول الوضع كاملا لصالحها؛ حيث ستبحث الشركات الكورية المتضررة عن بديل للمنتجات اليابانية، وربما تكون الأسواق الصينية هى المنقذ لها فى ظل استمرار الإجراءات التصعيدية من جانب اليابان ضد كوريا، واتخاذ واشنطن موقف "المتفرج"، وتزايد الضغوط الشعبية على الرئيس الكوري الجنوبي بسبب قضية "نساء المتعة"؛ والتي قد تصبح سببا رئيسيا في استمرار الحرب التجارية بين كوريا واليابان لفترة طويلة. [email protected]