قبل أيام من ذكرى رحيل "الأب الروحى للسينما المصرية" المخرج الكبير محمد كريم، التى تحل فى 27 من هذا الشهر، حيث رحل فى 27 مايو عام 1972، وقبل أن تتذكره أقلام كتَّاب أو ذاكرة سينمائى.. واجه تمثاله، الذى لم يكتمل بعد، محاولة لحرقه. هذا التمثال يُعد أول بادرة من وزارة الثقافة وأكاديمية الفنون لرد بعض من جميل هذا المخرج الكبير، الذى كان أول من وضع لبنة السينما المصرية الخالصة، عندما طلب منه رجل الاقتصاد الأول طلعت حرب فيلما عن "حديقة الحيوان". من حاولوا حرق تمثال محمد كريم لم يعرفوا شيئا عن هذا الرجل ولا عن تاريخه، فهو لم يكن يومًا داعيًا إلى سينما العري ولم يقدم عملا أو حتى مشهدا واحدا يؤخذ عليه. ويبدو أنها البداية، فمحاولات حرق التمثال الذى يقام فى مدخل أكاديمية الفنون للأب الروحى للسينما المصرية محمد كريم وهو يتكىء على كاميرته يعد أول إنذار بأن هناك ما هو أسوأ للسينما المصرية، اليوم حرق تماثيل وغدا حرق أفلام. رفض كل دعاوى المخرجين لتقديم سينما تجارية وكان مهتما بتقديم أفلام تحمل قيمة وتؤثر فى المجتمع ويكفى أنه صاحب اول فيلم ناطق وهو فيلم "زينب" المأخوذ عن رواية الكاتب محمد حسين هيكل. ولد محمد كريم في حي عابدين بالقاهرة بمصر، بدأ عشقه للسينما في سن العاشرة، عندما كان يتردد على سينما "أمبير" التي كانت من أوائل دور العرض السينمائي في القاهرة.. بهره هذا الفن الجديد والغريب الوافد من الخارج، وشد انتباهه واهتمامه كثيرًا، وملك عليه كل مشاعره، خصوصًا بعد أن شاهد فيلمي "أسرار نيويورك وفانتوماس". وفي برلين استطاع أن يلتحق باستوديوهات "أوفا" السينمائية، حيث عمل في قسم المونتاج. وفي خلال سنة ونصف سنة فقط أصبح أحد مساعدي المخرج الألماني "فريتز لانج"، مما أكسبه خبرة ودراية بفن الإخراج السينمائي، وعاد محمد كريم إلى القاهرة بعد غياب دام سبع سنوات، ومعه زوجته الألمانية "نعمة اللّه" الذي كان قد تزوجها أثناء عمله في ألمانيا، التي أصبحت فيما بعد مساعدته في جميع أفلامه واعلنت اسلامها. ويعتبر محمد كريم هو أول من صور أفلامًا سينمائية لبعض المناظر الخارجية التي تقع في بعض مسرحيات يوسف وهبي، ودمجها في المسرحية أثناء العرض . وفعلًا نجحت هذه التجربة الرائدة، ونجحت بالتالي محاولات محمد كريم في إقناع صديقه بدخول مجال السينما، حيث نشأت فكرة رمسيس فيلم، وكان الإتفاق مع كريم على إخراج فيلم يكون باكورة إنتاج هذه الشركة . فاختار محمد كريم رواية "زينب" للأديب محمد حسين هيكل، لتكون بداية العلاقة بين الأدب والسينما المصرية. قدم من خلاله ولأول مرة الوجه الجديد "بهيجة حافظ" أمام سراج منير وزكي رستم، وكان الفيلم صامتًا بطبيعة الحال لآن السينما المصرية لم تكن قد نطقت بعد، ولهذا فقد أعاد كريم إخراج هذا الفيلم ناطقًا في عام 1952، بعد أن عهد ببطولته إلى راقية إبراهيم ويحيى شاهين وفريد شوقي. وبعد أن نطقت السينما العالمية، أقدم محمد كريم على إخراج مسرحية رمسيس الناجحة ( أولاد الذوات ) في فيلم سينمائي من إنتاج وبطولة يوسف وهبي مع أفراد فرقته المسرحية، وصورت أغلب مشاهد الفيلم في باريس، لأنه لم تكن قد أقيمت بعد استوديوهات مجهزة بمعدات الصوت أو حتى الإضاءة، أما بقية المشاهد فقد صورت صامتة في أستوديو رمسيس، وأدخلت عليها مؤثرات صوتية فيما بعد. ولم تكن صناعة السينما في مصر قد عرفت فن المونتاج إلا عندما أُخرج هذا الفيلم، حيث تم عمل مونتاجه في باريس وتحت إشراف كريم نفسه . وقد لاقى فيلم ( أولاد الذوات) نجاحًا كبيرًا، عندما عرض في سينما "رويال" في الرابع عشر من مارس عام 1932. وعندما طلب محمد عبدالوهاب من كريم أن يخرج له فيلمًا غنائيًا، إسوة بالمطربة نادرة في فيلمها ( إنشودة الفؤاد )، قام محمد كريم بإخراج فيلم ( الوردة البيضاء ) عام 1933، والذي صور الجزء الأكبر منه وسجلت أغانيه في أستوديو "توبيس لانج" بباريس، وعرض في سينما رويال وحقق إيرادات قدرت بحوالي مائة ألف جنيه، وتقاضى كريم خمسمائة جنيه عن الإخراج، وقد أخرج محمد كريم فيمابعد جميع أفلام محمد عبدالوهاب، وحتى عام 1959، كان محمد كريم قد أخرج تسعة أفلام تسجيلية قصيرة، وسبعة عشر فيلمًا روائيًا طويلًا. كان محمد كريم مثالًا للفنان الملتزم بفنه، وهو أيضًا صاحب مباديء لم يحيد عنها طوال حياته، عاش طوال حياته فقيرًا بالرغم من مكانته الرفيعة فنيًا .. كان يستخدم الترام ويسكن شقة متواضعة بالإيجار، ولم تفلح كل وسائل الإغراء في إقناعه بالتنازل عن أيٍ من مبادئه، وفي عام 1943، تم اختيار محمد كريم ليكون أول نقيب للسينمائيين، وذلك تقديرًا لجهوده وريادته في السينما المصرية، واختاره الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة، ليكون أول عميد لمعهد السينما في الوطن العربي، وذلك في عام 1959. وقبل وفاته بأربع سنوات، قدمت له الدولة منحة تفرغ لكتابة تاريخ السينما المصرية، حيث عكف على البحث والدراسة معتمدًا في ذلك على ذكرياته وذكريات أصدقائه المقربين إليه، وذلك لعدم وجود مصادر أخرى يعتمد عليها في بحثه هذا، ومات قبل أن يكمل كتابة هذا التاريخ، الذي عُهد بتكملته الى المخرج أحمد كامل مرسي.