"من أبى أن يتعلم اليوم من أخطائه بلا مقابل فسوف يشترى غدًا الاعتذار بأغلى ثمن".. تلك حكمة قالها أحد الفلاسفة القدماء، وجاء اليوم الذى تنطبق فيه على حزب النور السلفى، بعدما كثرت اعتذارات نوابه تحت قبة البرلمان، وبات نادر بكار المتحدث الرسمى باسم الحزب، بمثابة "المعتذر الرسمى" الذى أصبح خروجه للاعتذار عن أداء النواب السلفيين، عادة تتكرر كل بضعة أيام. على مدار نحو 40 يومًا تقريبًا، ومنذ أن بدأت أولى جلسات البرلمان الحالى، يوم 23 يناير الماضى، اعتذر حزب النور نحو 6 مرات عن سلوك أعضائه فى مجلس الشعب، وزاد على ذلك اعتذاره عن تصريحات أعضاء تابعين له، لكنهم لايمثلونه تحت قبة البرلمان، أمثال الشيخ عبدالمنعم الشحات، المتحدث باسم الدعوة السلفية فى الإسكندرية. كان الاعتذار الأول لحزب النور، على لسان المتحدث باسمه نادر بكار، حين كان مجلس الشعب يناقش أحداث وزارة الداخلية عقب "مجزرة بورسعيد"، وقام أحد نواب الحزب "محمد مصطفى" بشن هجوم شرس على المتظاهرين أمام الوزارة، واتهمهم وقتها بالعمالة وأنهم يتعاطون مخدر "الترامادول". وضعت الكلمات السابقة، حزب النور فى أول "ورطة" مع المتظاهرين، فلم يجد وسيلة للخروج من الموقف سوى بخروج نادر بكار، لتقديم الاعتذار، وقال وقتها إن الاتهامات التى وجهها نائب الحزب للثوار، جاءت على خلاف توجه كتلة "النور" فى مجلس الشعب، التى حملت "الداخلية" مسئولية ما يحدث فى محيط الوزارة، وقال بكار: "سيعقد الحزب اجتماعا لبحث ما سيتم اتخاذه ضد النائب محمد مصطفى.. ونرفض بشكل قاطع هذا الاتهام".. وطبعا كان يقصد التراماودل. كانت اللغة الإنجليزية، سببًا فى الاعتذار الثانى من حزب النور للمصريين، وذلك بعدما تحدث النائب السلفى محمد الكردى أثناء مناقشات البرلمان عن المنح الأوروبية للتعليم فى مصر، وفاجأ وقتها جميع النواب، قائلا إن اللغة الإنجليزية، ما هى إلا لغة "كفار"، ولا يجب أن يتعلمها أبناؤنا الصغار. تناسى النائب السلفى أن يتحدث عن اللغات الأجنبية الأخرى، ومن بينها الألمانية والفرنسية والإيطالية والعبرية، واختص "اللغة الإنجليزية"، واعتبر أن تعليمها للصغار يمثل اختراقًا لعقولهم، بل وتدخلاً أمريكيا فى السياسة التعليمية المصرية. فور انتهاء جلسات البرلمان فى هذا اليوم، انتشرت التعليقات الساخرة على "فيسبوك وتويتر" تعليقا على كلام النائب السلفى، فما كان من نادر بكار المتحدث الرسمى باسم حزب النور، إلا أن يكتب على صفحته الشخصية على "فيسبوك" فى الساعة الثانية فجرًا، مهاجمًا نائب الحزب بشراسة، وقال إن هذا الموقف "غريب وسطحى ولا ينطلق من شرع أو علم"، ورد "بكار" على النائب بحديث نبوى شريف: "تعلموا لغة اليهود فإنى لا آمنهم على كتابنا".. وأضاف: "وماذا بعد الحق إلا الضلال". من الضلال إلى الأحضان التى تبادلها نواب حزب النور، مع مصطفى بكرى، بعدما رفض مجلس الشعب محاسبته على إهانته للدكتور محمد البرادعى، حينما وصفه بالعميل، وتسبب هذا الموقف فى أن يعتذر نادر بكار عن موقف "الأحضان والقبلات"، قائلا بالنص على صفحته على "فيسبوك" :"أرفض بشكل قاطع الموقف المؤسف لنواب النور الذين هنأوا النائب مصطفى بكرى". لم تمضِ أيام قليلة حتى أعلن عدد من نواب "النور" مبايعة الحزب للشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل رئيسا للجمهورية، وهو ما اعتذر عنه نادر بكار، مؤكدًا أن تأييد النواب لأبوإسماعيل، ما هو إلا تأييد بصفتهم الشخصية، دون أن يوجههم الحزب لذلك، وأنه سيتم إعلان الموقف النهائى من مرشحى الرئاسة بعد غلق باب الترشح. كان الاعتذار الخامس، بعد ثبوت كذب ادعاءات النائب السلفى أنور البلكيمى، الذى كان قد قال إنه تعرض لمحاولة اغتيال، واتضح أن الإصابات الموجودة بوجهه، ناتجة عن عملية تجميل أجراها فى الأنف، بأحد المستشفيات الخاصة بمنطقة العجوزة، بمحافظة الجيزة، وهو ما نفاه "البلكيمى"، لكن بعد تضارب أقواله فى النيابة كشف الحزب أنه يكذب، فقرر فصله من الحزب نهائيا، ويسعى حاليا لإسقاط عضويته فى البرلمان، ورفع الحصانة عنه، ثم خرج "بكار" باعتذار رسمى للمصريين عن كذب "البلكيمى". أما الاعتذار السادس ل"بكار" فجاء بعدما اتهم النائب محمد مصطفى عضو الكتلة البرلمانية لحزب النور, زميله النائب محمد أبوحامد بالتضليل، بعدما رفع الأخير "خرطوشة" فى مجلس الشعب ليؤكد اتهام وزارة الداخلية بقتل المتظاهرين، ووقتها قال "بكار" إن رأى النائب السلفى لا يعبر عن رأى كتلة حزب النور. الدكتور جمال سلامة رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، فسّر كثرة اعتذار حزب النور عن أداء نوابه فى البرلمان، وقال إنها أزاحت الستار عن سوء اختيار الحزب لمرشحيه فى مجلس الشعب، وأكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الاختيار كان بناءً على الشعبية والعواطف فقط، مضيفًا: "ده مش ذنب الحزب.. ده ذنب الناس اللى اختارتهم فى صناديق الانتخابات". وبمقارنة بسيطة أجراها "سلامة" بين نواب الإخوان، ونظرائهم السلفيين، قال إن الإخوان كيان تنظيمى مارس السياسية منذ فترة طويلة، "وفاهمين سياسة صح"، بينما التيار السلفى "ملوش كيان تنظيمى"، وتم تشكيله فى وقت قصير، بعد الثورة مباشرة، ولم تتاح الفرصة أمامه لاختيار الأصلح لتمثيله. "التيار السلفى شاطر فى الحركة الدعوية.. وضعيف جدًا فى الممارسة السياسية".. هكذا وصف أستاذ العلوم السياسية حال النواب التابعين لحزب النور، بينما كشف عن أن السلفية بطبعها "عاطفية"، وقال: "مش أى واحد مربى دقنه وسايب لحيته يبقى سلفى.. واعتذار الحزب لا هيكون الأول ولا الأخير.. واللى جاى أسوأ". فيما قال الدكتور عبدالله الأشعل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، حين تحدث عن كثرة "الاعتذار السلفى": "والله الناس دى أنا مشفق عليها، ونفسى أساعدهم.. لكن الاعتذار مش هيحل مشكلة، ونقص الخبرة السياسية سبب أساسى فى زيادة اعتذارات الحزب عن أداء نوابه فى البرلمان.. وياريت يكونوا زى الإخوان أصحاب الخبرة لأن مصر محتاجة الناس اللى فاهمة سياسة صح".