نفي محمد كامل عمرو، وزير الخارجية، فى حوار مع "بوابة الأهرام" أن يكون الموقف المصرى من سوريا قد تغير مؤخرًا مؤكدًا أنه ثابت منذ البداية، وأن عدم استجابة النظام السورى للمبادرة العربية، هو السبب خلف الخطوات المصرية و سحب السفير المصرى من دمشق. وشدد عمرو على أن السيناريو الليبي لن يتكرر في سوريا، وأن مصر ترفض التدخل العسكرى الأجنبى فيها، وأكد ضرورة أن يكون الحل عربيًا. وقال عمرو إن مصر أكدت بوضوح للجانب الامريكى أنه لا تدخل فى التحقيقات أو عمل القضاة فى ملف المنظمات غير الحكومية الأجنبية معربًا عن اعتقاده بأن الطرفين حريصان على عدم تأثر العلاقات المصرية الأمريكية بهذا الملف، مشيرًا إلى إن المعونة الأمريكية تصب لصالح الطرفين لأنه لا أحد يقدم المعونة بلا مقابل بل هى مصلحة متبادلة. وأشار وزير الخارجية،إلى أن دبلوماسية التنمية لها الأولوية حاليًا فى وزارة الخارجية، و لهذا يأتي حرصه على طمأنة كل المسئولين الأجانب والمستثمرين الذى يلتقي معهم على التزام مصر بحماية الاستثمارات الأجنبية وجذب استثمارات جديدة مشيدًا بالموقف الإيطالي والتركى الذى رفض الانسحاب من السوق المصرى على الرغم من المعوقات التى واجهته خلال العام الماضى. وفيما يلي نص الحوار: --- هناك حرص من جانبكم على تأكيد الالتزام بتأمين الاستثمارات الأجنبية فى مصر فهل يمثل هذا عودة لفكرة دبلوماسية التنمية ؟ ----- بدون شك فإن التنمية بالنسبة لنا فى وزارة الخارجية لها أولوية عالية جدًا منذ فترة كبيرة وسفاراتنا بالخارج تعمل فى خدمة الاقتصاد المصرى إلى حد كبير جدًا وتكتسب هذه المهمة أهمية أكبر فى المرحلة الحالية لأن الأحداث التى تمت نتج عنها بعض الآثار السلبية التى نحاول إصلاحها وإعادة تأكيد التزام مصر بحماية الاستثمارات الموجودة بها وجذب استثمارات جديدة وبرغم التأثر الذى حدث إلا أن هناك بعض النقاط المضيئة مثل استمرار الاستثمارات الإيطالية وزيادة حجم التبادل التجاري بيننا خلال العام الماضى وكذلك مع تركيا وعموما فإن المرحلة الانتقالية التى تمر بها مصر حاليًا تتسم بالسرعة وأعتقد أن مناخ الاستثمار سيتحسن فى الفترة القادمة. --- يرى بعض المحللين أن الموقف المصرى من الملف السورى حدث به تغير فى الفترة الماضية خاصة أن مصر قررت سحب سفيرها فجأة من دمشق وقبلها بأيام قدمت قرارًا للجمعية العامة للأمم المتحدة حول الملف السورى فهل بالفعل حدث تغير فى الموقف المصرى وما أسباب هذا التغير؟ ----- الموقف المصرى لم يتغير بل هو موقف ثابت ولو عدت لثمانية أشهر مضت ستجدين أنه نفس الموقف المتسق تمامًا، فقد كنا أول دولة عربية فى أغسطس الماضى تصدر بيانًا علنيًا طالبنا فيه الحكومة السورية بالتفاوض مع جميع أطياف الشعب، وقلنًا إنه لا بديل عن المفاوضات ولا يوجد حل أمني، و لا بديل عن الاستجابة لطلبات الشعب المشروعة وبعدها عندما لم نجد استجابة أصدرنا بيانًا آخر قلنا فيه إننا نخشى أن يصل وضع سوريا إلى نقطة اللاعودة وحذرنا من حدوث ذلك وأكدنا إننا لا نريد أبدًا أى تدويل للأزمة وأى تدخل أجنبى، وأكدت مصر ضرورة أن يحل الشعب السورى المشكلة بنفسه. من هذا المنطلق ساهمنا فى جهود الجامعة العربية مساهمة فعالة وحرصنا على الانضمام للدول الخمسة التى فوضتها الجامعة للعمل فى هذا الملف وساهمنا فى كل اجتماعاتها وقراراتها، كما ساهمت مصر بفاعلية فى صدور خطة الجامعة العربية لحل المشكلة السورية وكذلك ساهمت فى بعثة المراقبين التابعة للجامعة العربية إلى سوريا، ثم قدمت مصر مشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة تمت الموافقة عليه فى الأسبوع الماضى، وجاءت الخطوة التى تليها وهى استدعاء السفير المصرى فى دمشق إلى حين إشعار آخر.. و كلها خطوات متسقة مع موقفنا الثابت منذ البداية عندما أكدنا أن الوضع المأساوي فى سوريا وسفك الدماء لا يمكن أن يستمر ويجب أن توقف الحكومة استخدام العنف ضد المواطنين والدخول فى مفاوضات بين الحكومة وجميع أطياف المعارضة وتشكيل حكومة وحدة وطنية على حسب قرار الجامعة العربية وهذا كان على طول الخط هو الموقف المصرى. --- هل لا يزال الموقف المصرى غير محبذ استصدار قرار من مجلس الأمن خوفًا من تكرار السيناريو الليبي وتدخل قوات الناتو فى سوريا؟ ----- السيناريو الليبي لن يتكرر وقرار الأممالمتحدة كان يعبر عن تأييد لكل ما تقوم به الجامعة العربية ولم يكن هناك أى إشارة لتدخل عسكري بل على العكس كان القرار يشير بوضوح فى السطور الأولى برفض أى تدخل عسكري أجنبى فى سوريا وكان الهدف من مجلس الأمن وقرار الجمعية العامة هو تأيد المبادرة العربية وإعطاء قوة أكبر للمبادرة العربية وهذا هو موقفنا منذ البداية. ---أعطت تصريحات السيناتور جون ماكين فى القاهرة الانطباع أن هناك ميلًا للتهدئة-- فهل هناك بالفعل مسار للتهدئة مع واشنطن بعد الأزمة الأخيرة بسبب بعض منظمات المجتمع المدني الأجنبية العاملة فى مصر؟ ---- القضية فى يد قضاة التحقيق والتعامل مع الوضع القانونى يتم من خلالهم ولا يمكن للحكومة المصرية أن تتدخل فى القضية وهذا هو ما قلناه بوضوح منذ البداية وما حدث نتج عن وجود تقرير من لجنة تقصى الحقائق وتمت إحالته إلى القضاة للتحقيق ولا يمكن أن نتدخل، أما العلاقات المصرية الأمريكية فهي استراتيجية و قوية وتصب لصالح الطرفين وليست لصالح طرف واحد فقط بل لصالح الطرفين و اعتقد أن كلًا من القاهرةوواشنطن حريصتان على أن لا تتأثر هذه العلاقات بما يحدث لأنها فى صالح الطرفين، وأمريكا قوة كبرى وعظمى ومن المصلحة أن نكون على علاقات طيبة معها كما أن مصر فى منطقتها قوة كبيرة ومؤثرة ويتعدى تأثيرها حدودها بكثير ومن مصلحة الأطراف الأخرى أيضا أن يكون لها علاقات متوازنة وتصب فى صالح البلدين. --- لكن كانت هناك تهديدات من جانب الكونجرس الأمريكى بتجميد المعونة الأمريكية بينما جاءت أصوات داخلية مصرية تطالب برفض هذه المعونة و ربطها باتفاق السلام المصرى الإسرائيلى؟ ----- لا أريد الدخول فى هذه النقطة، لكن المعونة فى العالم كله جزء من عناصر إدارة السياسة الخارجية لأى دولة وبالتأكيد فإن الدولة التى تقدم المعونة تفعل ذلك لأنها ترى أن لها مصلحة فى هذا ولا أحد يقدم معونة كحسنة أو ( ببلاش) بل هى مصلحة متبادلة فإذا كانت مصر تستفيد فإن الطرف الآخر يستفيد ونحن فى مصر نعطى معونات لدول إفريقية لأن لنا مصالح فى إفريقيا ولا يصح أن ننظر لموضوع المعونة من جانب واحد بل هو موضوع يفيد الطرفين. --- هل هناك أى أمل فى استئناف مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية فى ظل حكومة نتنياهو الحالية ؟ ----- الحقيقة أن الموقف الإسرائيلى الحالي لا يدفع الإنسان إلى التمسك بالأمل فمن الواضح أن الطرف الفلسطيني مستعد للتفاوض والدخول فى حوار بشرط أن يكون له معنى أما الطرف الإسرائيلى فبتصرفاته الحالية وبرفضه الاعتراف بالمحددات و مرجعيات سبق أن اعترف بها قبل ذلك مثل حدود 1967 ومنع بناء المستوطنات على الأراضى الفلسطينية خاصة القدس يعطى مؤشرًا قويًا بأنه ليس جادًا فى عملية المفاوضات أما إذا كان التفاوض سيتم من أجل التفاوض فقط فلا أعتقد أن الإخوة الفلسطينيين سيوافقون على ذلك. --- ما هو البديل ؟ ----- لابد من وجود مصالحة فلسطينية وأن تتم على أسس سليمة لأنه بدون شك فإن هذا سيعطى قوة جديدة للجانب الفلسطيني، و يجب استمرار الدفع نحو التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني، و العرب عامة ومصر خاصة يقفون خلف الشعب الفلسطيني والمواقف المصرية معروفة والحقيقة أن عملية السلام متوقفة إلى حين أن يغير الجانب الإسرائيلى من مواقفه. --- كيف تنظرون إلى الدور الإيرانى وتأثيره على حماس وانعكاس ذلك على العلاقات المصرية الإيرانية؟ ----- إيران قوة موجودة فى المنطقة ولا يمكن تجاهلها وعلاقتنا معها مستمرة و لديهم مكتب لرعاية المصالح فى مصر ولدينا مكتب فى طهران وهناك بالقطع اتصالات مع إيران وهذا أمر عادى سواء من خلال الاتصالات الدبلوماسية أو من خلال المحافل الدولية التى نشترك فيها معًا. --- إذا ما هى رؤيتكم لتصريحات المسئولين الإيرانيين مؤخرًا والتى عبروا فيها عن استعدادهم لمساعدة مصر اقتصاديا وأنهم يقفوا خلف مصر على عكس دول أخرى؟ ----- كل طرف يحاول تحقيق مصالحه ومصر تعيي وتدرك مصالحها جيدًا جدًا و هذا أمر طبيعي. --- هل هناك تغير فى مواقف دول حوض النيل خاصة بعد الاجتماع الأخير الذى لم تشارك فيه مصر والسودان على الرغم من تشكيل لجنة خبراء مشتركة لبحث سد النهضة الإثيوبى، فما هى أسباب الردة فى المواقف؟ ----- لا توجد ردة بل على العكس فقد قمت بجولة فى ست دول لحوض النيل و كانت جولة جيدة جدًا على كل المستويات حيث التقيت الرؤساء وكبار المسئولين فى تلك الدول والجميع معترف بأن مصر هى النيل وهم لديهم مصادر مياه أخرى كما أن هناك تطورًا كبيرًا فى علاقتنا مع إثيوبيا خلال الفترة الأخيرة وقد التقيت وزير الخارجية الإثيوبى ثلاث مرات خلال الشهور الخمس الماضية كما زار رئيس الوزراء الإثيوبى مصر وتحدث عن فتح صفحة جديدة وكان هناك اتفاق بين الدول الثلاث إثيوبيا والسودان ومصر على اللجنة الثلاثية لدراسة آثار سد النهضة، وقد انعقدت اللجنة وأرى أن هناك تطورًا، أما مسالة أن اجتماعًا قد تم تأجيله أو غيره فكلها مسائل ليست لها الأولوية الأولى لكننا نرى أن نهر النيل يجب أن يكون سببًا لتجميع دوله وزيادة التعاون بينهم ولا يكون سبباً للتفرقة، ومصر ليس لديها مصدرًا آخر للمياه سوى نهر النيل، وهذا يجب أن يكون واضحًا وحصتنا فى نهر النيل سنحافظ عليها إن شاء الله، و هناك أوجه كثيرة للتعاون وتوجد فوافد كثيرة للمياه تتم خاصة فى الحوض الجنوبي ويمكن أن نتعاون مع هذه الدول لتوفير الفاقد من المياه مما يساهم فى زيادة إيراد النهر ونحن مستعدون للمشاركة فى أى مشروعات تتم مع دول حوض النيل وليس بها أضرار بالمصالح المصرية أو بمصالح أى دولة أخرى وأتوقع أن تشهد الفترة القادمة تعاونًا كبيرًا بين مصر والدول الإفريقية عامة ودول حوض النيل بشكل خاص. --- كان هناك تشكك فى إمكانية أن تنجح وزارة الخارجية فى ملف تصويت المصريين بالخارج إلا أن النجاح كان كبيرًا برغم المدة القصيرة التى تم فيها الإعداد بالسفارات لعملية التصويت فكيف استطاعت الخارجية تحقيق ذلك؟ ----- هل تعلمين أن القواعد النهائية لتصويت المصريين فى الخارج تم وضعها يوم 23 نوفمبر الماضى وعقدت الانتخابات يوم 25 نوفمبر واستطاعت سفاراتنا فى أيام معدودة العمل بكثافة ولم نكلف خزينة الدولة مليمًا واحدًا و تبرع الدبلوماسيون بجهدهم ووقتهم وكانوا يواصلون الليل بالنهار كما ان إجراء الانتخابات فى سفارات مصر بالخارج غيَّر من شكل العلاقة بين المواطن المصرى والسفارة بعد أن وجد أن السفارة حريصة على مساعدته. --- هل هناك نظرة مختلفة لتعامل الخارجية مع ملف المصريين بالخارج خاصة أنك كنت حريصًا على لقاء أهالى المحتجزين فى ليبيا والسعودية مؤخرًا ؟ ----- تعلمين أن أول توجيه لى للسفارات بالخارج بعد تولى منصبي مباشرة كان ضرورة الاهتمام بالمصريين بالخارج وحسن معاملاتهم وهناك تغيير كبير فى شكل علاقة سفاراتنا بالمصريين بالخارج وأعتقد انه كان هناك من قبل شعور بالتوجس تجاه السفارات، و لكن عددًا كبيرًا من الجاليات المصرية بالخارج بدأت تدرك أن الخارجية وسيط بين الإدارات المختلفة والمواطن بالخارج فإذا حدث تأخير فى معاملة ما فليس معنى هذا أن السبب يرجع للسفارة أو الخارجية ولعل أوضح دليل على الاهتمام الموجود حاليًا ما حدث إثناء الاضطرابات فى ليبيا فى الشهور الماضية حيث طلبنا من الدبلوماسيين بالسفارة بطرابلس المغادرة خوفًا على حياتهم إلا أن دبلوماسيًا شابًا هو محمد وجدى أصر على عدم المغادرة والبقاء تحت خطر النيران ورفض أن يترك موقعه، وأكد أنه باق طالما لا يزال هناك مصريون بحاجة إليه على الرغم من رحيل كل البعثات الدبلوماسية من طرابلس فى ذلك الوقت، و كنا نحاول متابعته بالاتصالات الهاتفية ونستمع لأصوات إطلاق النيران حوله وهو من النماذج المشرفة للدبلوماسي المصري فى ظل الأزمات.