كانوا دائما يختلفون في طريقة التشجيع.. كل منهم يتفنن فى أسلوب الهتاف وتأليف الأغنيات.. فهى طريقة تنافسية اعتادوها، لهم طريقتهم الخاصة في التنظيم التي يتعجب أمامها الكثيرون، فكيف لمثل هذه المجموعات الضخمة أن تفعل نفس الشىء في وقت واحد دون أن يخرج أي منهم عن المتفق عليه. مجموعات الألتراس بمختلف انتماءاتها (أهلاوي.. زملكاوي.. إسماعيلاوي.. محلاوي..)، دائما ما يتنافسون في المدرجات، أما اليوم فاتفقوا جميعا على الحداد.. الحداد على أرواح زملائهم الذين راحوا ضحية الشغب والفوضى، دون أي ذنب سوى أنهم زحفوا وراء فريقهم لتشجيعه، ولم يتخيلوا أن تتحول مباراة في كرة قدم إلى ساحة قتال. منذ يومين قامت مجموعة ألتراس الزمالك "وايت نايتس" بدعوة نظيرتها في الأهلي للتوقف عن أعمال العنف والشغب، حيث شعروا بأنهم ينزلقون وراء المجهول.. فقام العقلاء منهم بهذه المبادرة ليتفقوا على التشجيع في إطار كرة القدم.. ولم يعرفوا ما يخفيه القدر. 74 فردا من الشباب ماتوا، بل قتلوا في أحداث مباراة المصري والأهلي في بورسعيد.. ومن المستحيل أن يقبل على هذا التصرف المشين أحد مشجعى كرة القدم. آلاف خرجوا من مختلف المحافظات، لتشييع جثامين المتوفين.. رافعين لافتات تندد بما حدث وتطالب بسرعة القصاص من الجناة.. كل منهم يدور داخل رأسه شريط يظهر فيه صديقه الذي توفى وكأنه تخيل نفسه مكانه، حتى لو لم يعرفه فمن يرضى بإزهاق روح دون أي ذنب، وكل منهم يتساءل عن روح صاحبه (بأي ذنب قتلت؟). تخلى الجميع عن انتمائه.. حتى الهتافات التي أطلقها الشعب منذ عام (الجيش والشعب إيد واحدة) تغيرت وتبدلت ب (الشعب والشعب إيد واحدة) اعتراضا منهم على أداء المجلس العسكري. في الإسكندرية خرج الآلاف لتشييع فقيدهم (الأهلاوي) فتلك المدينة الكبيرة مليئة بمشجعي الأهلي والزمالك ولم يقتصر قاطنوها على تشجيع الاتحاد السكندري أو الأوليمبي.. خرج الجميع ليقف دقيقة حدادا على روح محمود الغندور الذي راح ضحية البلطجة.. ثم توجهوا إلى المنطقة الشمالية العسكرية للمطالبة بالقصاص للمفقودين. (أنا مش إسماعلاوي.. أنا نازل أقف جنب أخويا الأهلاوي).. هكذا عبرت مجموعة مشجعى ألتراس الإسماعيلي، حيث خرج أكثر من 3 آلاف مشجع في مسيرة من أمام مقر النادي للتعبير عن حزنهم الشديد.. ونسوا ما حدث بالأمس من خلافات بين جماهير الناديين. في الفيوم خرجت آلاف أخرى على تهتف (ياللى ساكت ساكت ليه.. قتلوا أخواتنا فاضل أيه)، قاصدين المجلس العسكري ومطالبينه بالتحرك لمحاسبة المتورطين في هذه الأحداث الدامية. أما في المحلة خرجت المسيرة من أمام قسم ثاني المحلة لتشييع جثمان فقيدهم إبراهيم حلمي رافعين لافتات مكتوب عليها (تسقط الداخلية).. واحتشد البعض لأداء صلاة الجنازة ثم خرجوا في مسيرة وزادات الهتافات تطمئن قلب فقيدهم ( يا شهيد نام واتهنى إحنا نجيلك على باب الجنة). أما محافظة الشرقية فقدت اثنين من شبابها، ولم تختلف الحال عن باقي المحافظات.. وخرج آلالاف لتشييع الجثامين والهتاف ضد وزارة الداخلية ورئيس الوزراء. في القاهرة كان الحدث الأكبر.. حيث توافدت آلالاف أمام مقر النادي الأهلي وشاركهم مجموعة من لاعبي الفريق الأول مثل محمد أبو تريكة ومحمد شوقي وأحمد فتحي وشريف إكرامي.. الجميع جنبا إلى جنب يهتف ضد البلطجة ويطالب بالقصاص من المتورطين. لم تتوقف الأحداث عند هذا الحد، بل ذهبت مجموعة أخرى إلى مجلس الشعب تهتف بسقوط حكم العسكر.. وكان نفس الحال في التحرير في محاولة للوصول إلى مقر وزارة الداخلية والاشتباك مع قوات الأمن.. احتقان داخل النفوس وسؤال واحد يدور في كل الأذهان (بأي ذنب قتلوا؟). اختلفت مجموعات (الألتراس) في التشجيع، لكنها اتفقت على نبذ العنف والقتل والبلطجة، فالحدث مشين وأكبر من مجموعة مشجعى كرة قدم، بل هي قلة مندسة تحاول العبث بأمن البلاد وللأسف تجد من يساندها.. لذلك قرر هؤلاء الشباب الوقوف والتصدي لهم. بالنظر إلى هذه المجموعات، فإن (الألتراس) مجموعة عمرها في مصر نحو خمس سنوات وكلمة (Ultras) كلمة لاتينية تعني حرفيا "الفائق" أو "الزائد عن الحد"، ويرجع البعض نشأتها إلى إيطاليا عام 1963.. والبعض الآخر يرجعها إلى البرازيل، حيث شهدت ظهور مجموعات الألتراس المسماة ب"التورسيدا" في الأربعينيات. انتقلت الفكرة إلى أوروبا عبر نادي "هايدوك سبليت" الكرواتي عام 1950، ثم في فرنسا في بداية الثمانينيات على يد نادي مارسيليا عبر "ألتراس كوماندو"، ثم انتقلت إلى بريطانيا وباقي البلدان الأوروبية. أما على مستوى الدول العربية، فقد بدأت ظاهرة الألتراس في دول المغرب العربي، بداية من نادي الإفريقي التونسي تحت مسمى "الأفريكان وينرز" في عام 1995، ثم انتقل الأمر إلى باقي الأندية التونسية مثل نادي الترجي التونسي الذي يضم ثلاث مجموعات ألتراس هي "المكشخين" و"السوبراس" و"البلود آند جولدي". في عام 2007، شهدت مصر أول ظهور لمجموعات الألتراس، من خلال "ألتراس أهلاوي" من مشجعي النادي الأهلي، وألتراس "الفرسان البيض" White Knights من مشجعي نادي الزمالك، ثم "التنانين الصفراء" Yellow Dragons من أنصار النادي الإسماعيلي، و"السحر الأخضر" Green Magic من أنصار نادي الاتحاد السكندري، و"النسور الخضراء" Green Eagles من أنصار النادي المصري. لم يقابل ظهور الألتراس في مصر بترحاب كبير، بل شنت وسائل الإعلام هجوما عليهم، واتهمتهم بالتعصب واعتبرتهم تهديدا لها، إما بسبب خشيتها من أن تنشر العنف في الملاعب، أو نتيجة لقدرة الألتراس على الحشد والتنظيم، وإمكانية استغلال تلك القدرة في عالم السياسة. تتميز مجموعات الألتراس عن غيرها بالتنظيم الجيد.. والشعرة الفاصلة بين الشغب والتشجيع سببها الحالة العدائية التي تولدت بين قوات الأمن وتلك المجموعات، نتيجة ما كانوا يتعرضون له في الماضي من أساليب تفتيش غير آدمية، حيث كانوا يصرون على إدخال الشماريخ والألعاب النارية إلى المدرجات ويحاول الأمن منعها بشتى الطرق ولو حتى بالتفتيش الذاتي، وعلى الرغم من ذلك كان تنجح هذه المجموعات فيما تريد. أصبح لمجموعات الألتراس بما لهم من قدرة واضحة على التنظيم والحشد، ونتيجة للدور الذي لعبوه في الثورة المصرية، ثقل كبير وحضور ملحوظ في العديد من الأحداث السياسية التي تشهدها مصر، وخاصة في المظاهرات الأخيرة التي شهدها ميدان التحرير، حيث أنهم أكثر المجموعات إدراكا للتعامل مع الأمن (مبيخافوش). تستخدم مجموعات "الألتراس" مصطلحات خاصة بها مثل "الباتش" Batch أي الشعار الخاص بهم، وهناك مصطلح "التيفو" Tifo، وهي كلمة ايطالية تعني "المشجع" وهي عبارة عن دخلة تقوم بها مجموعة الألتراس لتعبر عن رأي أو فكر وغالبا تكون في بداية المباراة. لا يوجد للألتراس رئيس، بل يتكون من مجموعة من المؤسسين وسرعان ما يتراجع دورهم بعد أن تصبح المجموعة قادرة علي الوقوف علي أرض صلبة وتختص كل مجموعة منهم بتنظيم الأنشطة من تصميم اللوحات وقيادة التشجيع في المدرجات وتنظيم الرحلات. وبصفة عامة، تشترك مجموعات الألتراس حول العالم في أربعة مبادئ رئيسية هي، عدم التوقف عن التشجيع طوال المباراة أيا كانت النتيجة.. وعدم الجلوس أثناء المباريات نهائيا.. وحضور جميع المباريات أيا كانت التكلفة والمسافة.. والولاء والانتماء لمكان الجلوس في الاستاد، فتختار مجموعات الألتراس منطقة مميزة داخل المدرجات يبتعد عنها المشجعون العاديون.