الصدفة وحدها جعلت الشاب المهندس أحمد أنيس بطلًا لكاميرات المصورين، حينما التقطوا له صورة وهو يسقط على الأرض من أعلى مقعده المتحرك، وذلك إثر شعوره بالسعادة الشديدة بفوز مصر في المباراة الأخيرة مع الكونغو ما جعله يقفز لأعلى بشكل عفوي. الأمر عند هذا الحد قد يبدو عاديًا ، شاب معاق من فرط سعادته قفز عاليًا فوقع من على مقعده، فما المدهش في أمره؟!، من يستمع لقصة أنيس، سيجدها قصة صعود ثم هبوط، ثم مرة أخرى صعود ثم شهرة عارمة، فبتسليط الضوء عليه بسبب مشهد عابر عبر من خلاله عن عشقه لكرة القدم، أصبح حديث البرامج و الصحف والمواقع الإلكترونية المصرية. يقول أنيس ل"بوابة الأهرام": دعونا نبدأ من حيث اشتهرت على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كانت اللقطة الشهيرة لي في المباراة سرها، فقد حرمتني حالتي المرضية والتي لازمتني منذ 10 أعوام من مشاهدة مباريات كرة القدم في الاستاد رغم عشقي لهذه اللعبة الساحرة، ويضيف: فاجأتني زوجتي مريم ووقفت في طابور طويل قضت به ساعات من وقتها كي تستطيع شراء تذكرتين لي ولها لنحضر تلك المباراة الفارقة في تاريخ مصر، والتي تؤهلنا لكأس العالم بعد حرمان دام 28 عامًا. يتذكر أنيس المباراة فيضحك قائلًا: سعدت وبشدة حينما أحرز محمد صلاح الهدف الأول، ثم جاء التعادل فشعرت بإحباط، ولاحظت زوجتي ذلك، وكنا قريبين من شباك حارس مرمى الكونغو، فلاحظنا بأنه يتعمد تضييع الوقت كي يضيع على مصر الفرصة بالفوز، نظرت زوجتي لي ورأت الحزن على وجهي فوقفت وأخذت تمطر الحارس بجملة "حسبنا الله ونعم الوكيل"، بعدها دقائق معدودة جاء الهدف الثاني لمصر على يد محمد صلاح أيضًا؛ ولم أشعر إلا وأنا أقفر لأعلى من على الكرسي المتحرك ثم سقطت على الأرض. في عام 2008، كان أنيس قد تخرج للتو فى كلية الهندسة قسم العمارة جامعة عين شمس "مصر"، وكان عمره آنذاك 23 عامًا، وفي الوقت ذاته كان بطلًا رياضيًا في السباحة، وفي أحد الأيام وأثناء تدريبه في حمام السباحة، قفز قفزته المعتادة كل يوم وعلى ارتفاع 10 أمتار؛ وكانت القفزات ال 7 في ذاك اليوم مرت بسلام كعادتي كوني محترفًا، ولكن في القفزة ال8 انزلقت قدمه فوقع في حمام السباحة بشكل خاطئ من هذا الارتفاع، فسقط على رأسه والتي اصدمت بالقاع فأدت إلى إصابته في الحبل الشوكي، وقد أدى ذلك الحادث إلى إصابته بشلل كلي حيث كانت عينيه فقط التي تتحرك. أنيس وزوجته يقول أنيس ل"بوابة الأهرام"، حينما سقطت في قاع حمام السباحة لم أفقد الوعي وكنت أرى وأسمع الناس في الأعلى لكن أحدًا لم يشعر بي، لا أدرى كم استغرقت من الوقت في الأسفل ولكن نفسي بدأ يضيق وعيني لم تكن ترى سوى اللون الأبيض، يضيف لحظتها شعرت بقرب الموت، وفكرت فيه وبدأت في قول الشهادتين. بقعة الدم التي تسربت بغزارة من جرح رأس أنيس هي التي اختلطت بمياه حمام السباحة، وأعلنت عن سقوطه، فانتبه حينها الناس إليه وأنقذوه. رقد أنيس طريح الفراش بالمستشفى مدة عام ونصف العام، كانت أمه وأبوه هما داعماه بجانب شقيقه وشقيقته، بالكاد وبعد فترة كبيرة من العلاج بدأ يحرك صابعين فقط في يده اليسرى، أما كافة أطرافه الحركية فكانت متوقفة. يقول أنيس، قررت بعدها أن أخرج من المستشفى رغم أنني لم أكمل رحلة العلاج، فخاف أهلي علي بشدة، ونصحوني بالمكوث ولكني رفضت، فلم أكن أريد أن أستسلم للشلل مثلما رأيت من حالات حولي بالمستشفى، لشباب استسلموا ويأسوا حتى أصيبوا باكتئاب شديد. أصر أنيس على أن يخرج للعمل ويعيش حياته ويعمل ويجتهد بأصبعين اثنين فقط في يده اليسرى رغم أنه كان يكتب ويرسم باليد اليمنى قبل الحادث، ولأنه كان دارسًا للهندسة قسم عمارة، فقد كان بارعًا في الرسم والتصميم، فموهبته كانت متفردة ولا يضاهيه فيها أحد في فرقته الدراسية، فطلب من صديق أن يتوسط له لدى الشركة التي يعمل بها، وبالفعل حكى الصديق لصاحب الشركة عن حالة أنيس فوافق على ضمه إلى الفريق. ويشير أنيس، إلى أنه في وقت قصير تدرب على مسك فأرة الحاسب الآلي بربط أصبعيه فيها بحبل، مضيفًا أن الشركة التي عمل بها كانت تصدر رسوماتها لشركة أخرى بالسعودية، لافتًا إلى أنه أبهر صاحب الشركة ومن ثم العميل السعودي بأول تصميم له وكان عن غرفة نوم من الداخل، الأمر الذي جعله يكسب ثقة صاحب العمل، ويعينه فيما بعد كمدير لفريق عمل. رحلة أنيس مع الإصابة كانت عبارة عن مجموعة من التحديات، واستطاعته التغلب عليها، وكان منها أنه طلب من أهله شراء سيارة ليذهب بها إلى العمل، حتى يريح والده والذي كان قد بلغ من العمر الثمانين، لافتًا إلى أنه استطاع ينقل "دواسة البنزين" في السيارة الأتوماتيك من الناحية اليمين إلى الناحية اليسرى، حتى يستطيع القيادة بقدمه اليسرى والتي تعمل بكفاءة 15 % فقط، مما كان ذلك غاية في التحدي، حيث كانت إعاقته سببًا في عدم حصوله على رخصة القيادة طبقًا للوائح والقوانين المنظمة للمرور في مصر. حينما استضاف برنامج مساء دي إم سي على قناة دي إم سي الفضائية المصرية الزوجين، طرح أنيس مشكلته في أنه لم يستطع الحصول على رخصة قيادة للسيارة بسبب الإعاقة، فكانت المفاجأة أن استجابت وزارة الداخلية المصرية على الهواء مباشرة ليعلنوا تعاطفهم معه وتسليمه رخصة قيادة فورية إعجابًا به وتقديرًا للأزمة التي عانى منها. بعد وفاة والديه وزواج أشقائه، لم يعرف أنيس كيف سيكمل حياته دونهما، فكان هناك تحدٍ آخر أمامه، حتى أرسل الله إليه بزوجته مريم والتي رشحتها له زوجة إحدى أصدقائه، وكانت المفاجأة الصادقة وقوع مريم في حبه فورًا، فيقول وكأن الله ألقى بقلبها الحب حتى تكفيني وتعوضنا عما مررت به طيلة السنوات الماضية. ويعتبر أنيس نموذجًا مصريًا ناجحًا بتحديه لإعاقته، خاصة أن تصميماته للبيوت والقصور والأبراج السكنية في مصر والدول العربية خاصة بعد عمله في شركة عالمية، قد حققت رواجًا كبيرًا وفازت بكثير من الجوائز الدولية، فهو يضرب مثالًا لتحدي اليأس والتمسك بالنجاح. أنيس وزوجته أنيس وزوجته