قبيل بدء الانتخابات العامة فى ألمانيا بساعات فإن غالبية التوقعات تشير إلى أن ألمانيا ستشهد 4 سنوات من الميركلية الجديدة تتربع فيها المستشارة الحديدية أنجيلا ميركل على سدة الحكم كمستشارة لألمانيا لفترة رابعة، حيث بات وشيكًا حصول الاتحاد المسيحى بزعامة ميركل على الأغلبية النسبية فى البرلمان الاتحادى – بوندستاج – بنسبة تتراوح بين 41% إلى 45% وهذا ما يمكنها من تشكيل الحكومة الجديدة بالائتلاف مع حزب منافسها مارتن شولتس أو حزب الخضر أو الحزب الديمقراطى الحر الذى من المتوقع أن يحصل على نسبة 8 %. هذا ما رصدته بوابة الأهرام فى الساعات الأخيرة قبل موعد الانتخابات غدًا الأحد 24 سبتمبر من خلال تواصلها مع عدد من المحللين ورموز الأحزاب السياسية فى ألمانيا، وكذلك من خلال متابعة تقارير واستطلاعات الرأى منذ بداية الحملات الانتخابية فى ألمانيا والتى انطلقت فى شهر يوليو الماضى حتى الآن .. ومن أهم المفاجآت التى أجمعت عليها كل استطلاعات الرأى فى ألمانيا دخول الحزب اليمينى المتطرف المعادى للمسلمين والأجانب – البديل من أجل ألمانيا – البرلمان الاتحادى لأول مرة بنسبة تقترب من 10 %، كما من المتوقع أيضًا أن يتمكن الحزب الديمقراطى الحر من تجاوز حاجز ال5% ليعود مرة أخرى إلى البوندستاج، بعد أن فشل فى تجاوز هذه النسبة فى الانتخابات السابقة 2013 ، وهو من أقرب الأحزاب أيديولوجيا الى كتلة الأحزاب المسيحية المحافظة بزعامة ميركل .ولكن ماذا عن ديمقراطية العواجيز فى ألمانيا ونظام الصوتين الذى تتميز به الانتخابات الألمانية ؟ وما هو تأثير المسلمين والعرب فى الانتخابات الألمانية ؟ ويتوجه غدًا الأحد 24 سبتمبر أكثر من 61 مليون ناخب ألمانى إلى صناديق الاقتراع فى 16 ولاية ألمانية تضم 299 دائرة انتخابية لاختيار ممثليهم فى البرلمان الاتحادى – بوندستاج- ويتنافس فى هذه الانتخابات حوالى 30 حزبًا ألمانيًا، لكن المعركة الحقيقية تدور بين 6 أحزاب وهى المحتمل حصولها على النسبة اللازمة للتمثيل فى البرلمان وهى نسبة 5 % من أصوات المشاركين فى العملية الانتخابية . آخر استطلاعات الرأى الألمانية تشير الى تفوق الاتحاد المسيحى بزعامة المستشارة ميركل وتراجع شعبية منافسها مارتن شولتس زعيم الحزب الاشنراكى الديمقراطى، وهو ما يعنى استمرار المستشارة الحديدية ميركل لفترة رابعة، لتضرب بذلك رقمًا قياسيًا فى منصب مستشار ألمانيا 16 عامًا على التوالى، وهو الرقم الذى لم يسجله فى تاريخ ألمانيا الا أستاذها ومعلمها السياسى المستشار الراحل هيلموت كول ، ووفقًا لاستطلاع الرأى الذى أجراه مركزألمانى متخصص فإن ما يخشاه كثير من الألمان بل والأوروبيين، هو صعود الحزب اليمينى المتطرف البديل من أجل ألمانيا- ايه .اف دى- أصبح فى حكم المؤكد، حيث تشير نتائج الاستطلاع إلى حصوله على نسبة 10 % من أصوات الناخبين. وتجرى الانتخابات العامة فى المانيا كل أربع سنوات لاختيار أعضاء البرلمان الاتحادى – بوندستاج – البالغ عددهم مبدئيًا 598 نائبًا، ولكن هذا العدد قابل للزيادة بشكل كبير، ممكن أن يصل الى 700 نائب بسبب نظام الصوتين الذى تتم به الانتخابات فى ألمانيا والتى تجمع بين النظام الفردى والقوائم الحزبية ، ويدلى فيه الناخب الألمانى بصوتين: الأول للمرشح الفردى فى الدائرة الانتخابية – 299 دائرة – والثانى وهو الأهم للقائمة الحزبية ويمكن للناخب الادلاء بصوت واحد فقط ، وهذا يجعل حساب النتائج معقدًا بعض الشيءعلى الطريقة الألمانية، وهو ما يؤدى الى عدم ثبات عدد أعضاء البوندستاج . ويصبح الأمر أكثر تعقيدًا عندما يحصل حزب في ولاية على أصوات مباشرة أكثر من النسبة المئوية للأصوات الثانية. وفي هذه الحال، وهذا ما يحصل بانتظام فإن البرلمان يتسع، إذ يرتفع عدد البرلمانيين، لأن الأصوات التي تم الحصول عليها من خلال الصوت الأول تبقى. ولتحقيق التوازن يتم منح تفويضات إضافية تحصل عليها الأحزاب الأخرى، ولكن لابد لأى حزب من اجتياز حاجز نسبة 5 % من أصوات الناخبين لضمان تمثيله فى البرلمان ، ويقوم أعضاء البوندستاج المنتخبون باختيار مستشار ألمانيا الاتحادية من بين أعضائه، حيث من المعتاد أن ترشح الأحزاب المتنافسة على منصب المستشار رئيسها على رأس قائمته الحزبية . وتاريخيًا ومنذ تأسيس جمهورية المانيا الاتحادية – ألمانياالغربية – بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية 1949 لم ينفرد أى حزب بالحصول على الأغلبية المطلقة فى البوندستاج ، وبالتالى فإن كل الحكومات التى حكمت ألمانيا كانت ائتلافية تتشكل فيها الحكومة من الحزب الذى حصل على الأغلبية النسبية بالمشاركة مع حزب آخر ، ويتوقع كثير من المراقبين أن تتشكل الحكومة الجديدة فى ألمانيا بعد الانتخابات من الحزبين الكبيرين بزعامة المستشارة ميركل، ليستمر بذلك الائتلاف الكبير لمدة 8 سنوات متتالية، الأمر الذى يحدث لأول مرة فى ألمانيا . وتضم خريطة أهم الأحزاب المتنافسة فى الانتخابات الألمانية 6 أحزاب هى المتوقع اجتيازها حاجز ال 5% للتمثيل فى البرلمان، ويأتى الاتحاد المسيحى بزعامة ميركل والمكون من الحزب المسيحى الديمقراطى وتوأمه فى ولاية بافاريا الحزب المسيحى الحر على رأس قائمة الاحزاب المتنافسة ، ويمثل الاتحاد فى البرلمان الحالى 311 عضوًا من 630 عضوًا بنسبة 41.5% وهى نتيجة الانتخابات السابقة فى عام 2013 ، ومن المتوقع - طبقًا لاستطلاعات الرأى- أن تزيد هذه النسبة الى 44 % فى الانتخابات الحالية لتحتفظ المستشارة ميركل بمنصبها لفترة رابعة ، ويأتى حزب منافس ميركل مارتن شولتس وهو الحزب الاشتراكى الديمقراطى فى المرتبة الثانية ، ويمثله فى البرلمان الحالى 193 عضوًا بنسبة 25.7% طبقًا لانتخابات 2013 ، ومن المتوقع أن تتراجع شعبية الحزب الذى يعتمد فى شعبيته على أعضاء النقابات العمالية وبعض المثقفين فى الانتخابات الحالية ، وذلك أن الأحزاب المتطرفة سواء من اليمين – البديل من أجل ألمانيا – أو اليسار، جذبت عددًا كبيرًا من المؤيدين التقليديين للحزب الاشتراكى بدعايتها الزاعقة ضد الأجانب والمهاجرين، خاصة المسلمين . أما المفاجأة التى قد تسفر عنها الانتخابات الألمانية فهى حصول الحزب اليمينى المتطرف البديل من أجل ألمانيا على نسبة 10 % ليتمكن من دخول البرلمان الاتحادى – بوندستاج – ليس هذا فقط بل وليحتل المرتبة الثالثة بعد الحزبين الكبيرين، وهو ما أكدته كل استطلاعات الرأى حتى الآن ، وقد غير هذا الحزب اليمينى الشعبوى برنامجه الأساسى الذى تأسس من أجله عام 2013 وهو مقاومة اليورو والاتحاد الأوروبى ليصبح مناوئة الجانب عمومًا والمسلمين بشكل خاص، حيث أقر الحزب فى برنامجه بأن الاسلام والمسلمين ليسا جزءًا من ألمانيا وبالتالى فهو يطالب بمنع الحجاب الإسلامى وإغلاق المساجد بل إعادة المسلمين الذين اكتسبوا الجنسية الألمانية الى بلادهم الأصلية !! ويأتى بعد ذلك حزب اليسار الألمانى وهو وريث الحزب الشيوعى فى ألمانياالشرقية سابقًا ، ويمثل فى البرلمان الحالى أكبر كتلة معارضة - 64 - عضوًا ، ويتميز هذا الحزب برفضه التام لتصدير الأسلحة الألمانية ومشاركة الجيش الألمانى فى أية مهمات عسكرية خارج ألمانيا، كما يطالب دائمًا بسياسة ضريبية عادلة متدرجة طبقًا لمستوى الدخول، ومن المتوقع أن يحافظ على نسبة 8% التى حصل عليها فى الانتخابات السابقة ، ويليه حزب الخضر /90 وهو الذى يمثل تقليديًا جماعات الحفاظ على البيئة ولعب دورًا أساسيًا فى اغلاق محطات توليد الكهرباء النووية فى ألمانيا ، وشارك فى الحكومة الائتلافية بقيادة المستشارالاشتراكى الأسبق جيرهارد شرودر، حيث شغل القيادى البارز فيه يوشكا فيشر منصب وزير خارجية ألمانيا فى آخر حكومة اشتراكية فى ألمانيا 2005، أما الحزب الديمقراطى الحر الذى فشل فى الحصول على نسبة ال5% فى انتخابات 2013 حيث حصل على 4.8 % فقط، فمن المتوقع أن يعود من جديد للتمثيل فى البوندستاج بنسبة 8 %. العرب والمسلمون فى الانتخابات الألمانية يعيش فى ألمانيا حوالى 5 ملايين مسلم وعربى، يحق لحوالى 2 مليون منهم المشاركة فى الانتخابات الألمانية ، منهم حوالى 800 ألف من أصول تركية ، ويوجد فى البرلمان الحالى 11 نائبًا من أصول تركية موزعين على أحزاب مختلفة من أصل 37 نائبًا فى البرلمان الحالى من أصول أجنبية ، وبالتالى فان انقسام وتوزيع المسلمين وذوى الأصول العربية فى ألمانيا على عدد كبير من الأحزاب يضعف من تأثيرهم ، وحاول الحزبان الكبيران وكذلك حزب الخضر جذب الأصوات المسلمة من خلال اعترافهم فى برامجهم الانتخابية بالاسلام والمسلمين كجزء من ألمانيا وتبنيهم لحرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية ، وتبقى ظاهرة فريدة ومهمة فى الانتخابات الألمانية، وهى ظاهرة ديموجرافية حيث تعتبر الديمقراطية الألمانية ديمقراطية العواجيز وكبار السن ذلك أن الاحصاءات الرسمية تشير إلى أن كبار السن فوق ستين عامًا هم الذين سيحسمون نتيجة الانتخابات الألمانية، إذ يشكلون حوالى 36 % من أصوات الناخبين ، ليس هذا فقط بل إنهم هم أكثر الفئات حرصًا على الذهاب الى صناديق الاقتراع . كل التوقعات هنا فى ألمانيا وحتى من الخارج، تشير إلى استمرار المستشارة الحديدية فى ألمانيا ، ولكن مع انتهاج سياسات جديدة لتتحول الفترة الرابعة والأخيرة للمستشارة ميركل إلى ميركلية جديدة تتعايش لأول مرة مع أعضاء فى البوندستاج، يمثلون قمة التطرف اليمينى فى ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، مما سيشكل تحديًا صعبًا للميركلية الجديدة .