في زمن يطول فيه الانتظار، عندما تكون هناك محاولات حثيثة للبحث عن بارقة أمل فيه، وفي عالم يعج بالمتناقضات، وحين يعز علينا اكتشاف ذلك العالم، وإيجاده، تكون النتيجة الانهيار والسقوط، والألم الداخلي العميق، الممزوج برائحة النكوص، القهر، الاستلاب، والكبت؛ للحرمان الذي يطالنا في حياة تضيع فيها كل المفاهيم الجميلة، وأيام نعاني منها، وفيها الأمرين، هي رحلة البحث إذًا عن الخلاص، تراجيديا محفوفة بمآسٍ لا نهاية لها، هي مجموعة قصص تسرد الحكاية التي طالما دأبنا على الخوض في غمار حكاياها، دون أن ندري، عشناها، دون أن نعرف، أو يخطر على الأقل على بالنا أن ندونها، فيكون الخلاص بالتدوين، وإخراج كل ما يعتمل في النفس من مواقف مشبوبة برائحة الحنين والانتظار والشوق إلى كل شيء جميل، الانهيار عنوان لها، العنف والانكفاء على الذات، وسرد طويل لا ينتهي، لقصة الإنسان مع الواقع. "شامبو برائحة التفاح" للكاتب السوري عباس علي موسى، مجموعة تختلف القصص فيها، في طريقة تناولها الأحداث الواقعية، والخيالية؛ ففي حين يتناول الكاتب الواقع بشيء من الطرافة والجدة والابتكار في قصة "سودوكو"، التي جاءت بصورة وفكرة جديدتين، لعلاقة الجسد مع الجسد الآخر، مع الطرف الآخر، من خلال تبادل المداعبة بأصابع القدم في شكل جديد، وطريف، لكن بصورة عميقة، تشير إلى الرغبة العميقة في نفس الإنسان، رغبة تعبر عن شوقه إلى التماهي مع الآخر، في علاقة آنية مؤقتة، تنتهي بوصول القطار إلى المحطة، فيكون الألم لمغادرة الطرف الآخر، دون معرفة من كان يداعبه؛ لأن العلاقة كلها حصلت من خلال الفتحة في أسفل الكراسي في القطار، والفراغ يشغل حيزًا في هذه القصص، فراغ يدون معطيات واقع مستلب لطفل ضائع، همشته الحياة، ونالت منه الكثير؛ فهو يعيش حالة من الاغتراب وهو في الواقع، طفل اسمه "جوان"، و"نشيد الله"، يتتالى بذكره، وكلماته، في ذهن البطل، فلا يستطيع نسيانه؛ لأنه السكينة الأولى، والأخيرة له، من فوضى الحياة، وقلقها. و"الأصابع" المتعددة تدل على تعدد الحالات الإنسانية؛ لتعيد كل شيء إلى أصله، عندما تتحول رقعة الشطرنج، وهي ساحة الحياة، إلى لون واحد، تكون جديرة باللعب، وممارسة الحرية، بأبهى صورها، وأشكالها، أما "امرأة حاسرة الجسد"، فتدل على الجوع البشري للحب الممزوج برغبة دفينة، واشتهاء كبير للتلاحم معه، في كل واحد، كل لا انفصال له، وبينه، وبين الطرف الآخر، يتتبع الجميع ذلك الجسد بشوق عارم إلى التواشج معه، في لحظة عشق أبدية؛ لأن الحب الروحاني هنا، حب ممزوج باشتهاء الجسد، ليس لعيب في فهم مقاصده، إنما السبب يعود في ذلك إلى الحرمان، والكبت النفسي، الذي طال الجميع هنا، في هذا المجتمع. وللسفر حكاية جميلة، هي حكاية الانتظار، والصبر الطويل للقاء، ولكنه صبر يطول، بطول أيام الرجل بطل القصة في الغربة، لحظات قاتلة، وأبواب موصدة، وقاطع تذاكر يرفض قطع تذكرة سفر له، من أجل أن يضع حدًا لاغترابه، وشوقه وعذابه لأهله، وبخاصة ولده الصغير، الذي يجده بعد فترة طويلة من البعد، والفراق. سرد داخلي نفسي، لفتاة في بداية صباها، تشعر لأول مرة بالحياة تدب في أوصالها، من خلال تعرفها إلى ملامح جسدها، وتقاطيعه في الحمام، تستمتع برائحة الشامبو في الحمام، وتدلقه كله في السطل الذي تغتسل به، وفي الأرضية كلها، من أجل أن يزداد شعورها بالمتعة، وتتمكن أكثر من اكتشاف تفاصيل ذلك الجسد، والمتابعة بتلك اللعبة، لعبة اللعب مع الجسد حتى اللانهاية، حتى معرفة أسراره كلها، الكامنة وراء الحجب، والأثواب. "المدينة مخنوقة" قصة تسرد حادثة البناء والحضارة التي غزت حياتنا من كل الاتجاهات، وحولت أجواء المدن، والقرى الهادئة إلى دخان ملوث، يجلب النكد والتعاسة للإنسان، ويسبب له الكثير من الأمراض، ويبعده عن الراحة، الهدوء، والاستقرار النفسي. وفي "عري الخوف"، يرسم ملامح العنف، والانكسار بقسوة ظاهرة. مجموعة قصصية تتناول القضايا الوجودية، وتبحث في ثنايا الروح والنفس عن المخرج، وعن نور يرسم تقاطيع طريق يتابع الإنسان فيه رحلته دون توقف؛ بحثًا عن الخلاص. "شامبو برائحة التفاح" للكاتب السوري عباس علي موسى، إصدارات مؤسسة "جارجرا" للثقافة، الطبعة الأولى، آذار، 2016. طباعة مطبعة "سيماف"، قامشلو. ------ عبد المجيد محمد خلف (كاتب من سوريا)