لا تزال قضية استفتاء أكراد العراق لتقرير مصيرهم في مرحلة الرسائل المتناقضة بشأن إمكان التراجع عن هذه الخطوة أو الإصرار عليها بما يؤشر إلى احتمالية وقوع اقتتال داخلي في مدينة كركوك الغنية بالنفط، والتي يسكنها خليط من القوميات العربية والكردية. وفشلت جميع الوساطات الداخلية والخارجية في إقناع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني بالتراجع عن إجراء استفتاء تقرير المصير المقرر في ال 25 من الشهر الجاري. وفي الوقت الذي عرضت فيه الرياض دور الوساطة، عكست المواقف التركية والإيرانية تهديدات صريحة ضد فكرة الاستفتاء وقرأته في سياق المساس بالأمن القومي للبلدين، خصوصًا أن الخطوة لها علاقة بأزمات الأكراد في طهران وأنقر ، كما يشهد شمال سوريا حالة جدلية في ذات السياق مع اقتراب الإعلان عن انتخابات الفيدراليات في مناطقها. و دعت الأحزاب الكردية السورية، ممثلة في الهيئة التنفيذية ل"الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا" التى يهيمن عليها الأكراد، السوريين للمشاركة فى الانتخابات بالنظام الفيدرالى 22 سبتمبر الجارى وجرى تحديد برنامج للانتخابات، بحيث تم تحديد 22 سبتمبر الجارى موعدًا لإجراء انتخابات الكومينات (الوحدات الصغيرة) فى النظام الفيدرالى و3 نوفمبر المقبل موعدًا لإجراء انتخابات الإدارات المحلية (انتخابات مجالس القرى، البلدات، النواحي، والمقاطعات) و19 يناير 2018 موعد انتخابات الأقاليم ومؤتمر الشعوب الديمقراطى فى شمال سوريا. وعبر وزير الدولة السعودي لشئون الخليج ثامر السبهان، عن استعداد بلاده للتوسط وتهيئة الأجواء لمعالجة مشاكل الإقليم مع بغداد خلال لقائه برئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، الذي لفت إلى أن الإقليم لم يغلق أبواب الحوار والتفاوض لحل المشاكل بين أربيل وبغداد. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من جانبه قال إنه سيلتقي برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خلال زيارة للولايات المتحدة الأسبوع الجاري وسيبحث معه الاستفتاء المزمع على استقلال إقليم كردستان العراق. ولم تكن تصريحات المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لدى التحالف الدولي بريت ماكجورك بشأن إجرائه مباحثات إيجابية مع القيادة السياسية الكردية كافية لتهدئة الأوضاع، حيث مضى البارزاني بعد هذه التصريحات نحو تأكيده أن الاستفتاء سيجرى في موعده، مشيرًا إلى استعداده للمضي حتى النهاية في هذا المشروع أّيا كان نوع التحذيرات التي يتلقاها. وكان سفراء دول كبرى، بينها الولاياتالمتحدة وبريطانيا، فضلا عن الأممالمتحدة، عقدوا سلسلة اجتماعات مع البارزاني وعرضوا عليه تأجيل الاستفتاء لمدة عامين، مقابل تسوية القضايا الخلافية بين بغداد وأربيل، لكن الزعيم الكردي يرى أن هذا الالتزام لا يكفي. ويحاول الوسطاء أن يحولوا موقف البارزاني من الإصرار على التزام المجتمع الدولي بأي موعد جديد للاستفتاء إلى التزام المجتمع الدولي بمتابعة حقوق إقليم كردستان لدى بغداد. ويقول مراقبون في بغداد إن التعويل على جهود الوساطة الدولية يأتي بسبب انسداد آفاق جميع خطوط التواصل الداخلية. وتخشى أوساط سياسية في بغداد تطور رد الفعل الشعبي في الجزء العربي من العراق الرافض للاستفتاء الكردي إلى محركات تدفع نحو صدام مسلح بين العرب والأكراد والتركمان في مدينة كركوك. وذكر تقرير لمجلة الإيكونوميست أن الوضع في كركوك يغلي وأن انفجاره هناك لن ينحصر في المدينة نفسها بل ستصل أصداؤه إلى سنجار على الطرف البعيد من شمال العراق. وعززت القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي، التي تضم مقاتلين من القومية التركمانية في كركوك، منتصف الأسبوع الماضي وجودها العددي في كركوك تحت غطاء الاستعداد لمعركة الحويجة آخر معاقل داعش في شمال العراق، في مقابل انتقال الآلاف من المقاتلين من عناصر البيشمركة الكردية من مناطق انتشارهم السابقة على حدود أربيل إلى داخل مركز مدينة كركوك. رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي مع رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني-صورة أرشيفية ويقول مراقبون إن اندلاع أي نزاع مسلح في كركوك، سيدفع الجارتين تركياوإيران إلى تدخل عسكري سريع في شمال العراق. موقع إقليم كردستان الذي يتخطى طريق إيران إلى سوريا ولبنان، كما أنه يمكن أن يكون بمثابة "صداع" ليس فقط بالنسبة لإيران، بل للعراق وتركياوسوريا، يفسر إقدام دول إقليمية على تأييد فكرة الاستفتاء انطلاقا من رغبة في تفتيت الدول العربية بما يضمن لها التأثير بالمنطقة حسب د. خالد سعيد متخصص في الشئون الإسرائيلية بجامعة عين شمس. وتجدر الإشارة إلى أن الاستفتاء المزمع إجراؤه بعد أيام غير ملزم، بمعنى أنه يتمحور حول استطلاع رأي سكان المحافظات الثلاث في كردستان العراق، وهي: أربيل والسليمانية ودهوك، ومناطق أخرى متنازع عليها، بشأن رغبتهم في الانفصال عن العراق أم لا. وترفض الحكومة العراقية الاستفتاء، وتقول إنه لا يتوافق مع دستور البلاد، الذي أقر في 2005، ولا يصب في مصلحة الأكراد سياسيا ولا اقتصاديا ولا قومياً، كما ترفض الجارة تركيا إجراءه، وتقول إن الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية مرتبط بإرساء الأمن والسلام والرخاء في المنطقة. وتظل الحلول ممكنة لإيجاد مخرج لهذه الأزمة والإبقاء على العراق مكونا موحدا ، ولاسيما أن هاك أطرافًا إقليمية بحجم القاهرة تحتفظ بعلاقات متوازنة بين كل الأطراف ويمكن من خلالها التوصل إلى حلول مقبولة وتساعد العراق في تجاوز أزمة محتملة قد تعيدها إلى أجواء الحروب الأهلية في 2006-2008 أو أجواء الأزمة في 2014 على خلفية الحرب ضد تنظيم داعش. نياز محمد فتاح - مدرس مساعد في جامعة السليمانية بالعراق التي تعتبر عاصمة الإقليم الثقافية- توقعت أن يتم تأجيل الاستفتاء على الاستقلال في الوقت الحالي، مبررة ذلك بأن الظروف الدولية والإقليمية لا تتحمل مثل تلك الخطوة في هذا الوقت، مؤكدة أن الأمر يحتاج إلى مزيد من التمهيد حتى يقبل المجتمع الدولي بفكرة وجود دولة كردية خالصة، خصوصًا وأن الدولة تقع في منطقة يقع باقي أفراد القومية الكردية على مقربة منها في تركياوإيرانوسوريا، مما يؤكد وجود معارضة من باقي الدول الثلاثة على قدوم ذلك المولود الجديد الذي قد يهدد استقرارهم الداخلي. وأشارت إلى أن الأمر يحتاج إلى قوة داخلية ومساندة دولية، فضلا عن اختيار الوقت المناسب سياسيًا واقتصاديًا حتى لا تضيع الجهود التي بذلت منذ ما يقرب من قرن من الزمان لتحقيق الاستقلال هباءً بمجرد فشل مساعي الاستقلال. وأضافت فتاح ل"بوابة الأهرام": أن الأكراد كانوا متأكدين من أن حصولهم على حقوقهم المشروعة بوجود دولة مستقلة لهم، أمر يتعارض مع مصالح دول أخرى وفي مقدمتهم العراق، لذا فكل الخيارات متوقعة بما فيها التصويت ضد ذلك في مجلس النواب العراقي وصدور قرار من المحكمة العراقية ببطلان التصويت، مشيرة إلى أن ذلك يحدث على الرغم من أن الأكراد ساعدوا العرب والتركمان فيما قبل ووقفوا بجوارهم للحصول على حقوقهم، حيث قام حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ببناء أول مسجد شيعي في السليمانية في عهد صدام حسين قبل 2003، متحملا مشقة الصدام مع النظام البعثي وكل ذلك لكي يعطي شيعة العرب حق ممارسة شعائرهم الدينية. صحيح أن الأكراد مصرون على مسألة الانفصال ، لكن ثمة ترضيات سياسية من المتوقع حدوثها في اللحظات الأخيرة ، لاسيما أن غضب الأكراد سببه إهمال الحكومة العراقية لهم وعدم الالتزام بتحقيق مطالبهم وفقا لاتفاقية الشراكة بين الطرفين التي نص عليها الدستور العراقي . السفير هاني خلاف، سفير الجامعة العربية الأسبق إلى العراق لمح تفاهمات أو ما يمكن اعتباره "ترضيات" يمكن حدوثها خلال زيارة مرتقبة لوفد كردي من إقليم كردستان الأيام القادمة إلى العراق لمقابلة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ، وتمنى "خلاف" أن تستجيب حكومة بغداد لمطالب الإقليم. نساء كرديات يطالبن بالاستقلال-أرشيفية على أي حال فإن مسألة انفصال إقليم كردستان أمر لا يخص العراق وحده باعتبار أنها قضية حساسة لها علاقة بمسألة الوحدة والحفاظ على وحدة واستقرارا الأراضي العربية ، خصوصا أن هناك تخوفات من انعكاس هذا الأمر على مناطق أخرى بالمنطقة العربية لها نفس ظروف كردستان ، كما أن مسألة التفاعلات الإقليمية وتغير التحالفات بين الحين والأخر يبرر المخاوف من احتساب الإقيم على طرف دون الآخر.، مع دخول دول اقليمية على خط الأزمة ومحاولة توظيفها في سياق الصراع الحاصل بالمنطقة.