ماذا يحدث من حولنا؟ سؤال نتأمل فيه كثيرًا ونبحث وراءه دائمًا، فنقرأ عن أحداث ضخمة هنا وهناك، مثل: انسحاب إنجلترا من الاتحاد الأوروبي، التغييرات في كثير من الدول العربية بعد ما يسمى بالربيع العربي، إعصار هارفي المدمر، اضطهاد مسلمي بورما ومحاولة إبادتهم، حوادث إرهابية في معظم مناطق العالم، تغيير واسع في السياسة الأميركية بعد تولي ترامب، اكتساح تجارة الأعضاء البشرية، تجارة الرقيق الأبيض، وطبعًا استمرار العدوان الإسرائيلي على فلسطين، وغيرها. نتلقى الحدث ونبدأ في التحليل والبحث حول الأسباب التي أدت لهذا الحدث، ولا نهتم دائمًا بالبحث عن المستقبل، ولا نحاول استقراء ما سيحدث بعد ذلك، وإن فعلنا ذلك يكون بمبادرات شخصية بدون دراسات علمية ومستقبلية مثلما يحدث في أوروبا وأمريكا. ولكني اطلعت أخيرًا على تجربة مهمة جدًا للمنتدى الإستراتيجي العربي بالإمارات العربية من خلال صديقي العزيز الكاتب الصحفي محمد عبد الظاهر، حيث أطلق المنتدى تحديًا للمثقفين العرب هو الأول من نوعه - على حد علمي- بعنوان "مستشرفي المستقبل العربي". وهي تجربة مشابهة إلى حد ما لوحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية، التي أصدرت العديد من الدراسات في مجال الإسلام السياسي، والحركات الإسلامية من منظور اجتماعي وسياسي، وإن كانت رؤية العمل مختلفة من الجانبين سواء من حيث المنهج أو التطبيق. هذا التحدي الإماراتي يطلب مشاركة من كل المثقفين العرب بهدف وضع تحليلات وتقديرات وتنبؤات مستقبلية لأهم الأحداث السياسية والاقتصادية محليًا وعالميًا، ورغبةً في بناء كوادر فكرية؛ للمساهمة في بناء مستقبل أفضل للعالم العربي. ويهدف هذا التحدي، كما يقول رئيس المنتدى محمد عبد الله القرقاوي، إلى استشراف حالة العالم، وإلى صناعة مستقبل المنطقة، من خلال خلق جيل من المستشرفين العرب، لما تواجهه المنطقة من تحديات تستوجب وجود مثل تلك الكوادر من أبنائها؛ لرسم مستقبلها السياسي والاقتصادي، وهو ما نحن في أشد الحاجة إليه بكل تأكيد. يهدف التحدي لاستقطاب ألف مستشرف عربي، وهو انطلاقةُ واستكمالًا لدعم الجهود الإنسانية والعربية، وللمشاركة في بناء مستقبل أفضل لمنطقتنا، حيث سيعمل هذا التحدي على تطوير ثقافة تقوم على التفكير التحليلي المنظم. كما يساعد هذا التحدي العالم العربي في التعرف على مواهب الاستشراف السياسي والاقتصادي المتميزة، وذات الدقة العالية التي يمكن أن تساعد في تقدم وتطور بلدانهم في المستقبل. ويعدُ تحدي "مستشرفي المستقبل العرب" نتاجًا للتعاون بين المنتدى الاستراتيجي العربي ومؤسسة Good Judgment التي شارك في تأسيسها الأستاذ الدكتور فيليب تيتلوك من جامعة بنسلفانيا؛ وهو من تولى الإشراف على الدراسة الشهيرة التي قامت بتطبيق التقنيات القائمة على الأدلة بهدف تعزيز وزيادة دقة الاستشراف؛ كما أنه مؤلف مشارك في الكتاب الأكثر مبيعًا بعنوان: الاستشراف الخارق: فن وعلم قراءة المستقبل. وسيبدأ تحدي نخبة المستشرفين العرب باختيار ألف مشارك في الاختبار المُقدم من خلال بعض الأسئلة في مسح علمي عبر الموقع الإلكتروني للمنتدىhttp://arabstrategyforum.org/ar ثم انتقاء أفضل 10 متسابقين، وفقًا للنتائج التي يحصلون عليها، مع عرض توقعاتهم خلال المنتدى الاستراتيجي العربي المزمع انعقاده في 12 ديسمبر المقبل. وستتم دعوة المتسابقين العشرة الذين سيقدمون أفضل استشراف للمستقبل، لحضور المنتدى الاستراتيجي العربي وتكريمهم، ومنح الفائز الأول جائزة مالية قدرها مائة ألف دولار، بحضور الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، على أن تتاح للفائز الأول فرصة كتابة تقرير حول أهم الرؤى المستقبلية، على أن يتم نشره وتوزيعه من خلال منصة المنتدى. كما ستتم دعوة 150 متسابقًا، من بين الذين حصلوا على الدرجات العليا في التحدي للاشتراك في منصة النخبة من مستشرفي المستقبل، حيث يمكنهم تطوير وتعزيز مهاراتهم الاستشرافية، واختبار مدى دقتهم بالمقارنة مع أمهر المستشرفين العالميين لدى مؤسسة غود جادجمنت. يُذكر أن المنتدى الإستراتيجي العربي انطلق في عام 2001 تحت رعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، كمنصة لاستشراف المستقبل والتعرف على حالة العالم والتوجهات المستقبلية سياسيًا واقتصاديًا في العالم والعالم العربي. ويركز على استشراف المستقبل وفهم أعمق للقضايا الجيوسياسية والاقتصادية الرئيسية المؤثرة على مستوى العالم العربي والمجتمع الدولي، ويجمع مجموعة من قادة العالم والمفكرين لمناقشة أهم القضايا الملحة في هذا الصدد. ويمثل المنتدى شبكة للتواصل تضم مجموعة من الجلسات التي تساعد على فهم أفضل للتوجهات المستقبلية جيوسياسيًا واقتصاديًا على صعيد المنطقة والعالم بهدف الوصول إلى عالم أفضل. وأرى أنه يجب أن يتم قريبًا التعاون بين المنتدى الإستراتيجي العربي ومكتبة الإسكندرية في مجال استشراف المستقبل، وأتوقع أن تخرج نتائج مبهرة من الجانبين.