ظللت لمدة ساعة أو أكثر أتأمل تلك الحشرة التي سقطت في حفرة صغيرة، وهي تحاول الصعود على مرتفع بسيط من الرمال، وكلما كادت تصل إلى القمة انزلقت وعادت للقاع مرة أخرى. شعرت بإعجاب وتقدير شديدين، ليس بالحشرة، وإنما بالسيدات أو أغلب السيدات اللاتي تذكرتهن وأنا أتأمل هذا المشهد الذي أعلم تمامًا أنه يتكرر باستمرار مع كثير من النساء، خاصة ممن وصلن إلى منتصف العمر. في تلك المرحلة من العمر تجد حواء نفسها وقد فقدت جزءًا ولو بسيطًا من أنوثتها؛ سواء بعوامل السنوات التي تركت آثارها على مظهرها، تسرب بعض الشعيرات البيضاء إلى رأسها، مهما أخفتها يظل شبحها يؤرقها، بالإضافة إلى بعض التجاعيد التي تراقبها بدقة، وحتى إن لم تنتبه إلى تلك المظاهر فروحها ظهر على سطحها بعض الخدوش؛ بفعل الزمن والمسئوليات التي تكبلها واضطهاد المجتمع لبنات جنسها في العمل، في الشارع، في المواصلات، في الأماكن العامة والخاصة، يحاربها الأب، والزوج وحتى القانون. بنت أو سيدة، متزوجة أو مطلقة، أم أو لا، نظرة المجتمع تحاصرها أيًا كان مستواها الاجتماعي، وبرغم كل المعارك التي لا تنتهي تصل المرأة لتلك المرحلة مكبلة بكل معاناة صادفتها شخصيًا أو اجتماعيًا مطالبة بالمزيد من التحمل، وإن كانت هي من تفرض على نفسها هذه المقاومة تأبى أن تستسلم أو تضعف، يظل بداخلها إيمان شديد بنفسها، وأنها لن تقاوم وتتحمل فقط، بل ستنتصر وتنجح في تحقيق أحلامها التي أجلتها مرارًا وتكرارًا، تحمل الحطب على ظهرها والورود بين يديها. كلما حلمت وحلقت وشحنت قلبها وأشعلت روحها بالعزيمة والحماس، واجهتها المطبات الصناعية، وكبلتها قيود تشدها إلى الوراء، بل إلى الأسفل، تغرقها في دوامة الحياة اليومية، تنزلق إلى القاع مرة أخرى، لكنها لا تتوقف ثوان، بل تبدأ من جديد في رحلة الصعود غير عابئة بتجاربها السابقة.. وأزعم أني واحدة من صاحبات تلك العزيمة.